بكين 23 أكتوبر 2018 / إن الأداء الجيد في الصين يعود الفضل فيه إلى الحزب الشيوعي الصيني. فالإنجازات التنموية ذات الشهرة العالمية التي حققتها الصين لا يمكن فصلها عن قدرات القيادة والحوكمة الأساسية للحزب الشيوعي الصيني.
فقد أكد المؤتمر الوطني الـ19 للحزب الشيوعي الصيني أنه يجب علينا التمسك بالنظام الاشتراكي ذي الخصائص الصينية وتحسينه ومواصلة تحديث نظام الصين وقدرتها على الحوكمة.
فماذا تعني حوكمة الصين بالنسبة للعالم؟ فقد لفتت أفكار وممارسات الحزب الشيوعي الصيني الانتباه بصورة متزايدة وأثارت الكثير من التفكير في المجتمع الدولي.
-- حوكمة الحزب: مرجعية للعالم
يتفق الخبراء في أن الأحزاب السياسية الرئيسية في بعض البلدان الغربية اضمحلت مع تزايد الشعبوية وغيرها من الاتجاهات المتطرفة، وسادت الفوضى السياسية، واتسعت الانقسامات الاجتماعية.
وقد نجح الحزب الشيوعي الصيني في الاعتماد على الرأي العام، والقيام بحملته الخاصة لمكافحة الفساد، وتعزيز قدرته على الحكم، وجذب الكثير من اهتمام الأحزاب السياسية في جميع أنحاء العالم.
وقال ستيفن بيري رئيس نادى مجموعة 48 البريطانية، وهي شبكة أعمال بريطانية مستقلة تتعهد بتعزيز الروابط مع الصين، إن "مفتاح النجاح هو الحاجة إلى الاستماع إلى الناس وترجمة ما يحتاجونه إلى خطة لتحقيق الاحتياجات المعقولة للشعب. فالوعد بالكثير من الأمور أو التقليل من أهمية مطلب أو قبول أي طلب ليس مسارا جديا".
وأضاف بيري أن "الصين نجحت لأنها طورت خططا مختبرة معقولة ثم قامت بتعديلها وفقا للأوضاع".
أما إيغناثيو مارتينيز كورتيس الخبير في الشؤون الصينية بجامعة المكسيك الوطنية المستقلة، فذكر أنه مع صعود الشعبوية تعتبر بعض البلدان خطط التنمية مجرد شعار لحملاتها الانتخابية، لتجد نفسها في النهاية غير قادرة على الإنجاز.
وقال كورتيس إنه من حيث الحوكمة الحزبية، يعمل الحزب الشيوعي الصيني باستمرار على تعزيز أساليبه في مكافحة الفساد وأساليبه في الانضباط من أجل بناء حزب نظيف يتمتع بالكفاءة، مضيفا أن الصين تقدم مرجعية من الناحية النظرية ومن ناحية الممارسة بالنسبة لبناء الأحزاب السياسية في العديد من البلدان، فضلا عن كونها تقدم حالات حقيقية ومصدر إلهام لصنع السياسات وحل المشكلات في البلدان النامية وحتى في بعض الدول المتقدمة.
ومن جانبه، ذكر عماد الأزرق الخبير المصري في الشؤون الصينية أن العديد من البلدان تواجه أزمة في أنظمتها السياسية، ويرجع ذلك أساسا إلى أن الجمهور لم يعد يثق بالأحزاب الحاكمة.
وقال الأزرق إن الأحزاب السياسية في كل من البلدان النامية والمتقدمة يمكن أن تتعلم من تجربة الحزب الشيوعي الصيني، مضيفا أن التماسك القوي والقدرة التنظيمية للحزب الشيوعي الصيني لا يسهمان فقط في تلبية الاحتياجات المختلفة للجماهير، وإنما أيضا في تنفيذ سياسات الحزب.
وأشار الأزرق إلى أن الحزب الشيوعي الصيني يتمتع بآلية جيدة للابتكار الذاتي والفحص الذاتي، وطرح مبادرات كبرى وأفكارا جديدة تسمح للحزب بأن يظل شابا في الوقت الذي يعمل فيه على اكتساب المزيد والمزيد من الخبرات الغنية.
وذكر الأزرق أن الحزب الشيوعي الصيني هو الحارس على مصالح الشعب، وهو شئ فشلت أحزاب سياسية ونظم حكم في بعض الدول في تحقيقه.
-- حوكمة الدولة: طريق صيني كخيار جديد
تواجه بعض الدول مشكلات داخلية حادة، ما يضع تحديات أمام الحوكمة. ويقول الخبراء إنه يجدر التعلم من الصين في مجال حوكمة الدولة.
والبنسبة لعدد كبير من الدول النامية، تقدم أفكار وممارسات الحزب الشيوعي الصيني حول حوكمة الدولة خيارا بديلا عن النماذج الغربية وتضخ قوة دافعة إيجابية في عالم يشهد تغييرا كبيرا.
وقال ستيفن بيري إن "طريقة بكين لديها الكثير الذي يمكن أن يساعد الدول الإفريقية التي تكافح لخلق فرص عمل مثلما فعلت الصين تماما في ثمانينات القرن العشرين والحصول على دخل إضافي للأمة مثلما فعلت الصين في تسعينات القرن العشرين".
وأشار ديفيد جوست، الخبير الفرنسي في العلاقات الدولية ومؤسس المنتدى الأوروبي الصيني، إلى أن الكثير من الإصلاحات الكبرى التي حققتها الصين منذ أن بدأت في تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح مكنت الدولة من التطور بصورة سريعة والنمو لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهو دليل واضح على كفاءة ونجاح نظامها للحوكمة.
وأضاف جوست أنه من منظور حوكمة الدولة، كشفت الأنظمة الانتخابية الديمقراطية الغربية عن مشكلات ضخمة -- تتمثل في أنه مع عدم وجود خطط طويلة الأجل لحوكمة الدولة، يركز السياسة والأحزاب فقط على المدى القصير وعلى الفوز في الانتخابات المقبلة.
فعادة ما تظل الأحزاب الحاكمة في السلطة لمدة أربع أو خمس سنوات فقط، يتعين عليها خلالها أيضا الترشح لإعادة انتخابها؛ وتصبح مهترئة وغارقة في التزامات لم يتم الوفاء بها، حسبما ذكر جوست.
ولكن الحزب الشيوعي الصيني تدفعه خطط طويلة الأجل حول حوكمة الدولة وقادر على دفع الإصلاحات قدما، وهي حقيقة يعترف بها الساسة الغربيون.
وقال دنيس كوده المدير التنفيذي لمعهد الديمقراطية والقيادة في إفريقيا، وهو مركز بحثي كيني، إن السبب الرئيسي وراء كون الاشتراكية ذات الخصائص الصينية هي ما يوجه تقدم الصين يكمن في أن البلاد شرعت في المضي على طريق مستقل لتحقيق التنمية.
وأشار كوده إلى أن تنمية الصين تقوم على ظروفها الوطنية الخاصة وليس على إتباع أعمى لأنظمة أجنبية، وهو اختيار جدير بأن تنظر فيه الدول النامية بما فيها الدول الإفريقية.
-- الحوكمة العالمية: الحكمة الصينية تنير العالم
وبتوجيه من فكر شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية لعصر جديد، وضعت الصين الهدف المثير للأعجاب والمتمثل في بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية. وعلاوة على ذلك، يلتزم فكر شي جين بينغ بالسياسة الوطنية المتمثلة في الانفتاح ويعزز بناء اقتصاد عالمي مفتوح، ويتبني الحاجة إلى تضييق فجوة التنمية بين الشمال والجنوب مع الحفاظ على الحقوق والمصالح المشروعة للدول النامية.
وقال الخبراء إن كل هذا يعني أن الصين ستلعب دورا أكثر فعالية في تحسين الحوكمة العالمية وتعزيز تطوير نظام دولي أكثر عدالة ورشدا.
وذكر إيغناسيو كورتيس أن فكر شي جين بينغ ينقل بوضوح الأفكار الصينية إلى العالم بما في ذلك الإفكار حول التنمية وتغير المناخ والحفاظ على التجارة الحرة.
وأضاف كورتيس أن دور الصين في الحوكمة العالمية لا ينعكس فقط في إنجازاتها الاقتصادية وإنما أيضا في سعيها إلى الحفاظ على السلم والأمن العالميين.
وقال كورتيس إن فكر شي جين بينغ يقدم سلسلة من الحلول المشتركة حول الحوكمة العالمية والتي تعكس الفكر والفلسفة الصينية، ومن بينها يعد بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية الأكثر شيوعا.
وأشار كورتيس إلى أن محاولة الصين بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك يعني أن الصين ستلعب دورا هاما في الحوكمة العالمية وستواصل المشاركة في الشؤون العالمية.
وذكر كوده إنه في السنوات الأخيرة، لم يكن التقدم في الحوكمة العالمية مرضيا، وقضايا مثل الإرهاب والصراعات الإقليمية وأزمات اللاجئين تشكل تهديدات خطيرة للأمن والاستقرار الدوليين.
وأضاف كوده إن فكر شي جين بينغ يقدم الحكمة الصينية حول الحوكمة العالمية. وتعد مبادرة الحزام والطريق أحد الأمثلة على ذلك. فهذه المبادرة الكبيرة الرامية إلى توسيع البني التحتية الحيوية والتجارة ستعزز الترابط بين البلدان الواقعة بطول طرقها وتعزز الرخاء المشترك لجميع البلدان المشاركة فيها.