لا يبدو أن الحرب التجارية التي أطلقتها إدارة ترامب في الولايات المتحدة تحتوي أو تؤثر على صادرات الصين. وفقا للبيانات الصادرة عن الادارة العامة للجمارك الصينية، ارتفعت قيمة الواردات والصادرات الصينية في الارباع الثلاثة الاولى من عام 2018 بنسبة الربع كل ثلاث أشهر، على توالي 6.76 تريليون يوان، 7.35 تريليون يوان و8.17 تريليون يوان، بزيادة 9.4%، 6.4% و13.8%. وفي سبتمبر، حقق الفائض التجاري للصين مع الولايات المتحدة سجلا جديدا أخر، ليتوسع إلى 34.1 مليار دولار.
نشرت "فاينانشيال تايمز" البريطانية مقالا، ذكر ان الحكومة الامريكية تسلط الضوء على التقدم الذي حققته الصين في مجالات التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات، لتبرير فرضها التعريفات الإضافية ضد الصين. لكن على المدى القصير، اكتسبت الشركات الصينية لإنتاج قطع غيار السيارات، المحركات، آلات البناء وغيرها من المنتجات ذات التكنولوجيا المتوسطة حصتها في السوق سريعا. وقد ساعد انتاج منتجات التكنولوجيا المتوسطة على صعود قيم لصادرات الصين.
وذكر مقال في صحيفة " المساء " الإيطالية أن الولايات المتحدة تستخدم التعريفات كوسيلة لإظهار "عضلاتها الاقتصادية" لبلدان في جميع أنحاء العالم، وتعتقد أن نموذج التنمية الاقتصادية التقليدي الموجهة نحو التصدير في الصين لا يمكن أن يتحمل تأثير الرسوم الجمركية الامريكية. وفي الواقع، اظهر الاقتصاد الصيني القدرة على التكيف الممتاز في المرحلة الحالية من الاحتكاك التجاري بين الصين والولايات المتحدة.
تحسين هيكل التجارة الخارجية
اشار لي كوي وين في مؤتمر صحفي عقدته الادارة العامة للجمارك الصيني قبل بضعة أيام الى أن الاسباب الرئيسية للتقدم المطرد للتجارة الخارجية الصينية تتمثل فيما يلي: ـ أولا، المؤشرات الاقتصادية المختلفة في الصين مستقرة بشمل عام، مما أدى الى زيادة الطلب على الواردات في الصين. ثانيا، تحسين التخطيط للسوق الدولي. واظهرت احصاءات الجمارك في الارباع الثلاثة الاولى أن الصين حافظت على نمو جيد مع شركائها التجاريين التقليديين، وفي نفس الوقت، يتسارع نمو تجارة الواردات والصادرات مع الدول على طول الحزام والطريق، وافريقيا، وأمريكا اللاتينية على معدل سريع نسبيا. ثالثا، ظهرت آثار سلسلة من التدابير الرامية لتثبيت نحو التجارة الخارجية تدريجيا. رابعا، نمو التجارة الخارجية مدفوعا أساسا بالزيادة في الكمية، وهناك عوامل الاسعار ايضا.
جذب المؤتمر الصحفي والبيانات الصادرة عن الإدارة العامة للجمارك اهتمام وسائل الاعلام الامريكية أيضا. حيث ذكرت وكالة "بلومبرغ" الأمريكية أن السبب الرئيسي وراء النمو القياسي الذي حققته الصادرات الصينية في شهر سبتمبر هو استعداد الشركات الصينية لاحتمالات تأثير فرض الولايات المتحدة رسوما على المنتجات الصينية، لذلك، عملت على بيع المنتجات على نطاق واسع قبل أن تفرض الولايات المتحدة تعرفة بنسبة 10٪ على 200 مليار دولار أخرى من المنتجات الصينية.
وذكر تقرير اعلامي أخر أن الصادرات الصينية تستفيد من استمرار انخفاض قيمة الرنمينبي، وخففت عوامل مواتية أخرى مثل عيد الميلاد والهالوين قريبا من زيادة أسعار السلع الصينية بسبب التعريفات العقابية في الولايات المتحدة.
ذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز" أن الشركات الصينية تتوجه نحو منتجات أكثر تعقيدا غيرت التجارة بين الصين والبلدان المتقدمة. وفي السنوات العشر الماضية، ازدادت نسبة منتجات الاتصالات السلكية واللاسلكية ومعدات النقل وقطع الغيار في الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، في حين تقلصت نسبة المنسوجات والاحذية.
تجديد السوق
وفقا لرويترز، أدت التعريفات الانتقامية بين بكين وواشنطن إلى ظهور تغييرات في التجارة العالمية، حيث برز فائزون وخاسرون جدد في بيع مختلف السلع.
وبالرغم من أن البيانات الصينية في سبتمبر أظهرت أن التجارة لا تزال قوية، لكن المحللين يتنبؤون بأن أضرار الناجمة عن الحرب التجارية ستبدأ الظهور في الصين والولايات المتحدة وبلدان أخرى في الأشهر المقبلة.
ذكرت وكالة "بلومبرغ" الأمريكية أن بيانات استطلاع مديري المشتريات الصناعية التي أعلنت عنها الحكومة الصينية في وقت سابق أظهرت انخفاض مؤشر ترتيب الصادرات في الصين الى أدنى مستوى في عامين، وتشير الى بعض التباطؤ في الأشهر المقبلة.
"الشركات الصينية ترقى إلى إنتاج منتجات راقية، ولكن لا تزال تعتمد على ميزة السعر. وتعتبر هذه المنتجات "النسخة البسيطة" لنظرائها اليابانية والألمانية، وتحظى بشعبية كبيرة في الاقتصادات النامية. " ونشرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" مقالا ذكرت فيه أنه بالرغم من الأداء المتنامي لمنتجات التكنولوجيا المتوسطة في الصين، ولكن الجدير بالذكر أن الصين لا تزال بعدية عن حدود التصنيع عالي التقنية. كما لا يزال أمام الصين مجال تنمية كبير في سوق التصدير لرقائق الكمبيوتر ومحركات الديزل وسيارات الركاب.
أوضحت بيانات "العلوم والهندسة الأمريكية لعام 2018" الصادرة عن المؤسسة الوطنية للعلوم الامريكية أن تطور الصناعة الصينية نحو تكنولوجيا جديدة معقدة أصبح محتملا مع استمرار الشركات الصينية في الاستثمار في مرافق البحث والتطوير وزيادة تعاونها مع الاوساط الاكاديمية. والصين مهيمنة الأن في صناعة التكنولوجيا المتوسطة، وقد تضاعفت حصتها العالمية ثلاث مرات تقريبا على مدى العقد الماضي، وصلت إلى 32٪، متجاوزة الولايات المتحدة في عام 2009، وتجاوزت الاتحاد الأوروبي في عام 2012 .