عندما أعلنت إسرائيل استقلالها في 14 مايو 1948، سارع الرئيس الأميركي هاري ترومان إلى الاعتراف بها، استغرق الأمر 11 دقيقة فقط. وفي 14مايو 2018، نقلت أمريكا سفارتها الى القدس المسماة" العاصمة الأبدية". وعلق بعض المحللين بأن افتتاح السفارة الامريكية الجديدة في القدس تبشر إسرائيل بلحظة من الفخر ولحظة انطلاق صفارة الخطر أيضا. في حين علق البعض الاخر من المحليين أن الخطوة التي اتخذتها أمريكا في ظل الفوضى التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط لن تسفر سوى عن خاسرين.
إسرائيل .. بين الفخر والقلق
ذكرت مجلة "الأطلسي الشهرية" الامريكية أن معظم مكونات الطيف السياسي الإسرائيلي يظن أن هذه الخطوة إيجابية من المفروض أن تأتي مبكّرا أكثر.
أشار لي وي جيان نائب رئيس جمعية الصين والشرق الأوسط وزميل لدى معاهد شنغهاي للدراسات الدولية في الصين في تصريحه لصحيفة التحرير اليومية إلى أن الإسرائيليين سعداء للغاية بهذه الخطوة، ويتطلعون للمزيد من الدول تحذو حذو أمريكا، وجعل القرار الدستوري الإسرائيلي عن " القدس عاصمتها الموحدة والكاملة" في عام 198 أمرا واقعيا، وأن تصرفات ترامب معيبة لدرجة أن اليابان حليف أمريكا القوي لم يحذ حذوه، ما يجعل تأثير نقل السفارة الامريكية الى القدس محدود للغاية.
كما أشار بان قوانغ نائب رئيس جمعية الصين والشرق الأوسط، وعميد مركز الدراسات اليهودية في شنغهاي لذات الصحيفة، إلى أن لليهود في جميع انحاء العالم والاسرائيليون رأيين مختلفين. حيث يدعمون قرار أمريكا آملين أن يكون نقل السفارة في جو حماسي، وفي نفس الوقت يشعر من هم في السلطة والجماهير بالقلق إزاء المخاطر الناجمة عن تكثيف الصراعات.
فلسطين .. بين الغضب والعجز
ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن حرس الحدود الإسرائيلي يستعد لمواجهة تظاهرات والغضب والصبر الضائع على حدود غزة في الوقت الذي تشهد فيه القدس حفل افتتاح السفارة الامريكية الجديدة.
تستمر حركة الاحتجاج الفلسطيني في غزة على مدى ستة اسابيع منذ بدايتها 30 مارس، أسفرت عن مقتل العشرات واصابة مئات الفلسطينيين على يد القناصة الإسرائيليين. ومع ذلك، يبقى استجابة وقلق الراي العام الدولي منخفضا ومخجلا، والفلسطينيون بين القلق والعجز. وقال لي واي جيان، أن الغضب الفلسطيني الشديد رد فعل طبيعي.
وقال بان قوانغ أن العالم العربي يشهد تغيرات جديدة، حيث أن اسرائيل لا تملك في الاصل علاقات دبلوماسية سوى مع مصر والاردن، لكن اليوم، علاقة اسرائيل مع العديد من الدول العربية السنية مبهمة وغامضة جدا، كما أصبح الاتصال العسكري بين المملكة العربية السعودية واسرائيل مكشوفا في العالم العربي، وما بقي من المعارضين لإسرائيل عدد قليل من الدولة العربية الشيعية فقط. ويعتقد لي واي جيان أن الدول العربية لا تستطيع الاجماع في مسألة القدس، بل بالعكس، أصبحت منقسمة أمام العدو الايراني الذي شكلته اسرائيل، وهذا الواقع الذي لا بد أن تواجهه فلسطين.
وتعتقد مجلة "الأطلسي الشهرية" الامريكية أن الأيام القليلة القادمة ستشهد عقدتين مهمتين، ولا يستبعد أن تهب العاصفة الفلسطينية. أولا، يصادف ثاني يوم من نقل السفارة الامريكية الى القدس 15 مايو ذكرى نكبة العرب، ما جعل بعض المسؤولين الإسرائيليين يشعرون بالقلق من أن يكون هناك حوالي 100الف متظاهر في هذا اليوم. حيث أن اقتحام عشرات الآلاف من المتظاهرين أي مكان في إسرائيل سيؤدي الى خلق وضع يصعب السيطرة عليه. ثانيا، يشكل غروب شمس يوم 15 مايو بداية لشهر رمضان عند المسلمين، وعادة ما تكون المشاعر الدينية عند المسلمين في هذا الشهر في ارتفاع ويمكن أن تحدث توترات سياسية بسهولة. وخير دليل، حرب غزة عام 2014 بين حماس واسرائيل، التي وقع جزء منها خلال شهر رمضان.
لذلك، يرى بان قانغ أنه من الصعب التنبؤ بكيفية تدهور الوضع، خاصة في ظل الوضع المتوتر في قطاع غزة. وما تشهده إسرائيل من مظاهرات احتجاجية بلغت ذروتها جنوبا، وتصعيد المواجهة بينها وبين إيران في سوريا شمالا، والذي من شانه أن يزيد من الوضع تعقيدا إذا انخرطت فيه لبنان. ومع ذلك، فإن العنف لن يعود باي فائدة على الفلسطينيين، وإنما ما يمكن فعله في الوقت الحالي هو قطع العلاقات مع أمريكا مؤقتا، وعدم الاعتراف بها كوسيط للسلام في الشرق الأوسط. ولكن لا يزال هناك وقت كافي ولا تنوي ان تصبح عدوا لأمريكا.
أمريكا .. كسر عش الدبابير مرة أخرى
يعتقد الرأي العام بشكل أكبر أن نقل السفارة الامريكية واعتراف ترامب بالقدس عاصمة اسرائيل ينحرف عن سياسة امريكا تجاه الشرق الاوسط في العقود الأخيرة.
يعتقد لي وي جيان أن أمريكا لا تنوي التورط في القضية الفلسطينية الاسرائيلية، وإنما تنوي التركيز على التعامل مع إيران. وأشار بان قوانغ الى أن قرار ترامب بانتقال السفارة الامريكية الى القدس يأتي استنادا لاعتبارات سياسية داخلية والاقتراع. ومع ذلك، يعتقد العديد من الديمقراطيين أن هذه الخطوة غير ضرورية وغير محسومة، ولها عواقب لا يمكن التنبؤ بها.
أولاً، أمريكا كسرت بنقل سفارتها الى القدس مشروع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرافض لأي تغيير على الوضع القانوني لمدينة القدس، ووقفت على الجانب آخر من المجتمع الدولي مرة أخرى. ثانيا، زيادة تشابك وتعقد الأوضاع في الشرق الأوسط.
ووفقا لما ذكره بان قوانغ، قال الرئيس الإسرائيلي الأسبق شيمعون بيريز في التسعينيات أن الشرق الأوسط يجب أن يتعلم من أنه لا يوجد مخرج من الحلقة المفرغة للعنف. ويعتبر السلام هو السبيل الامثل لبلدان الشرق الاوسط على المدى البعيد. لكن في هذه اللحظة، لا تزال المنطقة عالقة في ضباب الفوضى والحرب.