غزة 13 أبريل 2018 / يركض مسعفون فلسطينيون كلما دوى أزيز الرصاص وبعضهم ذاكرته محشوة بمشاهد قاسية خلال سحب الضحايا والجرحى من وسط الحقول والأراضي القاحلة قرب السياج الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل.
ويواجه هؤلاء رغم ارتدائهم سترات فسفورية ولباسا أبيض خطر الاصابة بالرصاص والاختناق مع اشتداد حدة الاحتجاجات التي دأب الفلسطينيون على تنظيمها قرب السياج الفاصل منذ 30 مارس الماضي.
ورغم ذلك، يواصلون عملهم الإنساني دون كلل أو ملل، إذ رحب مسعفون بزميلهم إبراهيم إصليح الذي عاد للعمل للتو بعد إصابته بالاختناق قبل بضعة أيام وتبادلوا أطراف الحديث حول قسوة ما جرى خلال الجمعة الماضية التي حملت اسم "جمعة الكاوتشوك".
ويقول اصليح (29 عاماً) وهو خريج جامعي وعاطل عن العمل لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن صحته أصبحت على ما يرام ويريد أن يواصل عمله في هذا المجال الإنساني رغم عدم حصوله على أجر.
ووزع زميل اصليح أكوابا من مشروب الورد (الشربات) على نظرائه داخل خيمة واسعة خصصت كنقطة إسعاف شرق خان يونس ابتهاجاً بعودته.
وقالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطينية إن المسعف المتطوع عماد البحيصي أصيب برصاصة مباشرة داخل سيارة إسعاف تابعة لها شرق مخيم البريج وسط قطاع غزة مساء الاثنين الماضي.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان صرح في السابع من الشهر الجاري بأن سيارات الإسعاف الفلسطينية تستخدم لأغراض غير إنسانية.
ونفت جمعية الهلال الأحمر الفلسطينية ذلك.
وفي مستشفى ناصر الحكومي وسط خان يونس روى المسعف حمدان ماضي لزائريه تفاصيل اللحظات التي سبقت إصابته برصاصتين متفجرتين في ساقة الأيمن.
وكان ماضي يعمل مسعفا ميدانيا شرق خان يونس يوم الجمعة الماضية ويركض وبيده محفة برتقالية لنقل الجرحى من وسط الحقول والأراضي القاحلة هناك.
وقال ماضي وهو ممدد على سرير طبي وقدمه اليمنى بها مسمار بلاتيني خارجي لـ ((شينخوا)) "سحبت أكثر من تسعة جرحى وتابعت إسعافهم الأولي وعندما توجهت لنقل إصابة جديدة سقطت على الأرض بعدما اخترقت رصاصتان قدمي".
ويقتصر عمل المسعفين الميدانيين على سحب الجرحى وتقديم الرعاية الأولية قبل نقلهم بمركبات الاسعاف حيث المشافي في عمق مدن قطاع غزة الخمسة.
ووجهت وزارة الصحة في غزة نداء عاجلا إلى المؤسسات الدولية والصحية المانحة بسرعة توفير الاحتياجات الطبية الطارئة في أقسام الطوارئ بالمستشفيات.
وذكر مدير عام المستشفيات في الوزارة عبد اللطيف الحاج أن المستشفيات تعاني من نقص الاحتياجات الطبية الطائرة في ظل تعاملها مع حالات مئات الجرحى في المواجهات مع الجيش الإسرائيلي شرق قطاع غزة.
وأوضح الحاج أن الاعداد الكبيرة من الإصابات أدت إلى استنزاف كبير في أصناف الأدوية والمهمات الطبية في أقسام الطوارئ وغرف العمليات والعناية المركزة.
واتهم الطبيب أشرف القدرة المتحدة باسم وزارة الصحة في غزة الجيش الإسرائيلي باستخدام أسلحة قال إنها "محرمة دوليًا" في قمع المتظاهرين والمسعفين وإضافة إلى الاستهداف المتعمد لمركبات الإسعاف الفلسطينية.
وقال القدرة لـ ((شينخوا))، إن 21 مسعفاً أصيبوا بنيران الجيش والعشرات بالاختناق قرب الحدود منذ اندلاع الاحتجاجات.
وتقول إسرائيل إنها لن تسمح بأن يهدد الفلسطينيون أمنها وأن كل من يقترب من السلك الشائك يعرض حياته للخطر.
وأظهرت لقطات فيديو سربها جندي إسرائيلي هذا الأسبوع قناصا من الجيش وهو يستهدف فلسطينيا قرب السياج الحدودي لغزة، وتعهد الجيش باتخاذ اجراء تأديبي بحق مسرب الفيديو.
وكان الفلسطينيون أقاموا خمس تجمعات للتظاهر السلمي على طول السياج البالغ 40 كيلو مترا مع إسرائيل.
وفي تلك التجمعات توجد طواقم طبية حكومية وأهلية وأخرى قائمة على مبادرات فردية وجميعهم ينتشرون كخلية نحل من أجل تقديم الاسعافات والرعاية الطبية للجرحى والمشاركين في التظاهرات.
وتشتد حدة التظاهرات قرب الحدود كل يوم جمعة وهو يوم عطلة رسمية في قطاع غزة الذي يقطنه مليوني نسمة.
يقول الحكيم نهاد عثمان الذي أسس فريقا طبيا تطوعيا لإسعاف الجرحى من الذكور والإناث شرق رفح إن عملهم قائم على المخاطر لكنهم يصرون على تأدية رسالتهم الانسانية.
ويوضح لـ ((شينخوا))، أن أصعب لحظات عملهم عندما يطلق المتظاهرون نداءات استغاثة لضحايا سقطوا على بعد أمتار قليله من السياج الحدودي حيث تبدأ رحلة مخاطر شاقة.
ويشير إلى أنه يعمل منذ أسبوعين مع فريق مكون من سبعة ممرضين ذكور وثلاث إناث وقد خصصت لهم خيمة لتخزين معداتهم المحدودة ونيل قسط من الراحة في بعض الأحيان.
ولا يقتصر عمل الطواقم الطبية على إسعاف الجرحى ونقل الضحايا من ساحات المواجهة، إذ تنظم في الخيام حملات للتبرع بالدم وأخرى لتثقيف المشاركين في التظاهرات بمبادئ عمليات الإسعافات الأولية.
ويقوم على مسيرات العودة على أطراف شرق قطاع غزة لجنة تنسيقية مشكلة من الفصائل الفلسطينية ومؤسسات حقوقية وقطاعات شعبية وشبابية وتتضمن نصب مئات الخيام للاعتصام فيها.
وبحسب القائمين على المسيرات فإنها ستتواصل وصولا إلى ذروتها في 15 مايو المقبل الذي يصادف ذكرى (النكبة) الفلسطينية التي جرت العام 1948.
وتستعد وسام عيد (23 عاماً) وهي تخرجت من كلية التمريض حديثاً للمشاركة في تظاهرات الجمعة الثالثة التي أطلق عليها اسم "جمعة حرق العلم الإسرائيلي".
وبالنسبة للفتاة عيد وهي من مخيم رفح على الحدود مع مصر فإن العمل ضمن فريق طبي في مثل هذه الظروف تعد تجربة مفيدة لمسيراتها المهنية لكنها قالت إنها لن تخاطر وتقترب من الحدود مثلما يفعل زملائها الذكور.