أنقرة 18 مارس 2018 /شهدت تركيا واليونان، وهما دولتان متجاورتان وعضوتان بحلف الناتو، توترا في علاقاتهما بسبب مسألة تسليم جنود أتراك فروا إلى اليونان عقب محاولة انقلاب في تركيا وكذا بسبب القضية القبرصية الشائكة.
فقد رفضت محكمة يونانية يوم الجمعة طلبا جديدا من تركيا بتسليم ثمانية جنود أتراك فروا إلى اليونان في يوليو 2016 عقب محاولة انقلاب فاشلة.
وحكمت محكمة الاستئناف في أثينا بأن هؤلاء الجنود لن يحصلوا على محاكمة عادلة في تركيا وسيواجهون معاملة غير إنسانية إذا ما تم تسليمهم.
وتقول تركيا إن هؤلاء الجنود تورطوا في محاولة الانقلاب ، وهو ما قاموا بنفيه.
وكانت المحاكم اليونانية قد رفضت مطلبين تركيين سابقين بتسليم الثمانية الذين فروا إلى اليونان على متن مروحية عسكرية في اليوم التالي للانقلاب .
وأفاد آخر حكم صدر عن محكمة أثينا بأن معظم الاتهامات قد رُفضت بالفعل خلال جلسات النظر في المطلبين السابقين. كما وجدت المحكمة أن الاتهامات الإضافية ، التي تفيد بأن هؤلاء الرجال ينتمون لجماعة إرهابية مسلحة ومتورطين في محاولات قتل، لا تستند إلى أساس متين.
وقال بيرغول ديميرتاس من جامعة الاقتصاد والتكنولوجيا بأنقرة إن "رفضا ثالثا للتسليم يدل على إضافة جديدة للخلافات الثنائية القائمة".
وأشار ديميرتاس، الخبير في العلاقات الدولية، إلى أن موقف اليونان هو إنعكاس "لإنعدام الثقة المتبادل".
وقد تطاحن الجانبان على مستوى أعلى بشأن مصير الثمانية، حيث شكا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أن رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس قد نكص عن تأكيد شخصي له بأنه ستتم إعادتهم.
وازدادت الأمور تعقيدا مع القبض في أول مارس على ضابطين بالجيش اليوناني على الجانب التركي من الحدود البرية بين البلدين.
وذكرت اليونان أن الضابطين ضلا طريقهما عبر الحدود غير المحددة بسبب سوء الأحوال الجوية، مؤكدة أن عودتهما ستكون "إجراء شكليا محضا".
تجدر الإشارة إلى أن الحليفتين بالناتو هما متنافستين إقليميتين وصلتا إلى شفا حرب ثلاث مرات منذ عام 1974 بسبب القضية القبرصية وحقوق السيادة في بحر إيجه.
ويعد ترسيم الرف القاري لبحر إيجه وترسيم المياه الإقليمية من بين نقاط المواجهة بين البلدين. كما إن بينهما خلاف بشأن المجال الجوي وحقوق الأقليات.
وتحدث الرئيس التركي عن مراجعة معاهدة لوزان لعام 1923 التي تحدد الحدود التركية - اليونانية وتعتبر حجر زاوية لسلام البلدين.
وقد وصل البلدان إلى شفا حرب في عام 1996 مع إعلان كل منهما سيادته على جزر مأهولة في بحر إيجه، وإن تدخلا أمريكيا هو وحده الذي ساهم في تفادى نشوب مواجهة مسلحة محتملة.
وانخرطا منذ عام 1999 في "محادثات استطلاعية " وقاما ببث الدفء في علاقاتهما، ولكن لم يتم حل أي من القضايا بينهما أو من غير المتوقع أن يتم حلها في أي وقت قريب.
وصرح مصدر دبلوماسي تركي لوكالة أنباء ((شينخوا)) شريطة عدم ذكر اسمه قائلا "لقد أحرزنا تقدما بشأن عدة قضايا ولكن لا يزال هناك طريق طويل يتعين قطعه"، مشيرا إلى أن الحوار مفيد لمصلحة البلدين.
وأضاف "نحن جيران ونتعاون في العديد من المجالات ونريد مواصلة المضي قدما في ذلك. ولسوء الحظ، هناك بعض القضايا التي تعوق مناخ تعاوننا"، ملمحا إلى رفض أثينا تسليم تركيا جنود يشتبه بأنهم من مدبري محاولة الانقلاب .
أما القضية القبرصية،التي لا تزال دون حل منذ قرابة خمسة عقود بالرغم من العديد من الجهود التي بذلت تحت قيادة الأمم المتحدة، تعد وستظل أيضا نقطة احتكاك مهمة بين أنقرة وأثينا.
ففي الشهر الماضي، منعت سفن حربية تركية وحدة حفر من الوصول إلى منطقة جنوب شرقي قبرص حيث كان من المقرر أن تقوم شركة "إيني" الإيطالية بأعمال حفر.
وقالت الحكومة التركية إنها ستمنع أي أعمال حفر أخرى قبالة قبرص دون مشاركة مباشرة من القبارصة الأتراك في الجزيرة المقسمة عرقيا.
فقد تم تقسيم الجزيرة في عام 1974عندما غزتها تركيا ردا على انقلاب قام بها أنصار الاتحاد مع اليونان. ولم تعترف بإعلان الاستقلال الصادر عن القبارصة الأتراك سوى تركيا.
وذكر ديميرتاس أن "جهود جانب القبارصة اليونانيين (المعترف به دوليا) لاستخدام الموارد الهيدروكربونية في شرق البحر الأبيض المتوسط دون حل القضية القبرصية تعوق إمكانية التوصل إلى حل محتمل في الجزيرة".
وصرحت الحكومة القبرصية بأن البحث عن الموارد الهيدروكربونية هو حق سيادي لها وسوف تواصل إفادة جميع المواطنين القبارصة، مؤكدة على أن العائدات سيتم تقسيمها بالتساوي بعد التوصل إلى اتفاق مستقبلي.
ودعا بعض المتخصصين أنقرة إلى الإحجام عن المبالغة في رد الفعل تجاه هذه القضية.
وذكر سيركان ديميرتاس ممثل صحيفة ((حرييت ديلي نيوز)) "ينبغي على تركيا توخى الحذر للغاية وعدم المبالغة في رد الفعل تجاه استفزازات القبارصة اليونانيين في شرق البحر المتوسط، وتجنب استخدام الوسائل العسكرية ضد سفن الاستكشاف المدنية".
وأضاف بقوله إن "تكرارا لمثل هذه الأفعال من شأنه أن يزيد من تدهور الروابط الهشة بالفعل بين تركيا والغرب، خاصة قبل انعقاد قمة رئيسية بين أنقرة وبروكسل في أواخر مارس ووسط الجهود الدبلوماسية الجارية لرأب الصدع في العلاقات مع واشنطن".
فقد خططت تركيا والاتحاد الأوروبي إلى الاجتماع لعقد قمة في مدينة فارنا البلغارية المطلة على البحر الأسود يوم 26 مارس لما يتوقع أن يكون مصالحة بعد سلسلة من الاعتداءات اللفظية المتبادلة في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة الذي وقعت في تركيا وما أعقبتها من حملة قمع كبرى.
ومن الواضح أن المشاعر القومية تتصاعد على الجانبين اليوناني والتركي. فقد قامت جماعات يونانية يمينية بحرق العلم التركي خلال مظاهرة. وشبه إبراهيم كالين، المتحدث باسم أردوغان، هذا العمل بجريمة كراهية وطالب باعتقال المتظاهرين اليونانيين.