اشترت مجموعة "تشجيانغ جيلي" القابضة، ومقرها مدينة هانغتشو بجنوب شرق الصين، يوم السبت الماضي حوالي 9.7 في المائة من حصة شركة "دايملر" لتصبح شركة جيلي الصينية لصناعة السيارات أكبر مساهم منفرد في شركة دايملر الألمانية المالكة لعلامة مرسيدس بنز.
وتعد هذه خطوة أخرى تتخذها شركة جيلي لتوسيع نشاطها في الخارج بعد شرائها لشركة "فولفو كارز" السويدية لصناعة السيارات وشركة "فولفو تراكز" المصنعة للسيارات التجارية وغيرها من الشركات. بل وفي نفس اليوم، أعلنت شركة "تشانغ تشنغ" الصينية المتخصصة في صناعة السيارات توقيع مذكرة تفاهم مع مجموعة "بي أم دبليو" القابضة وتجرى الشركتان حاليا تقييما لآفاق وجدوى التعاون في مجال سيارات الطاقة الجديدة في صورة إقامة شركة ذات استثمارات مشتركة.
-- اندماج يساير العصر
رصد خبراء صينيون متخصصون في مجال السيارات هذه التطورات وأوضحوا أن شراء جيلي لأسهم دايملر يعد خيارا يعود بالنفع على الطرفين، حيث تشير الإحصائيات الكلية الصادرة لعام 2017 إلى أن دايملر باعت حول العالم نحو 2.3 مليون سيارة تحمل علامة مرسيدس بنز بزيادة نسبتها 9.9 في المائة، منها أكثر من 600 ألف سيارة في السوق الصينية وحدها بزيادة نسبتها 25 في المائة. وبهذا يتبين أن السوق الصينية تحمل أهمية كبيرة جدا بالنسبة لمرسيدس بنز وأن الحصول على إسهامات من شركة السيارات الصينية هذه وتوطيد العلاقات معها صار يلعب دورا في ضمان التطوير السليم لأعمال شركة سيارات مرسيدس بوجه عام.
ووفقا للخطط التي وضعتها شركة مرسيدس وتعمل على تنفيذها الآن، فستقوم مرسيدس بحلول عام 2022 بتحويل طرزها جميعا إلى سيارات عاملة بالوقود الهجين أو سيارات عاملة كليا بالكهرباء ليصبح لديها حينها أسطولا من السيارات الكهربائية يضم 50 طرازا. لذلك، فالتحالف مع دايملر القوية لا يدفع جيلي إلى دخول سوق السيارات الفاخرة في أوروبا فحسب،بل قد يسهم في الإرتقاء بعملية البحث والتطوير التكنولوجي لدى شركة جيلي من خلال ربطها بتكنولوجيا البطاريات لدى شركة دايملر.
هذا وقد جاء الاندماج ليساير الاتجاه العام حيث تسرع الشركات الصينية من جهودها للخروج بمنتجات كهربائية هذا العام وتمضى السيارات الكهربائية المتوقع إنتاجها هذا العام ومستقبلا نحو الاعتزاز الوطني والجودة العالية وطول عمر البطارية. ويعني التعاون بين شركات السيارات الصينية والأجنبية أن الشركات الأجنبية تستطيع الحصول على موطئ قدم لها في السوق الصينية الضخمة فيما يُفتح مجال أرحب أمام الشركات الصينية للنهوض بتكنولوجياتها ومنتجاتها.
لقد حققت الشركات الصينية على مدى السنوات الأربعين الماضية عقب اعتماد الصين لسياسة الإصلاح والانفتاح، تنمية ملحوظة تجسدت بوضوح في أوجه عدة من بينها على سبيل المثال لا الحصر توسيع حجمها ونشاطها لتبرز في هذا القطاع شركات كبرى مثل جيلي. صحيح أن الشركات الصينية تملك وفرة من رؤوس الأموال وتحظى بوجود لا يستهان به في الأسواق، لكن فجوة كبيرة لا تزال قائمة بينها وبين الشركات الدولية العملاقة في جوانب مثل النهوض بالعلامة التجارية، وتعزيز خدمة العملاء، وإدارة وتشغيل الشركات، وتطبيق التكنولوجيات المحورية. لهذا يرى الخبراء الصينيون إن مضى الشركات الصينية بخطى سريعة في عملية الاندماج جاء حقا في مرحلة حاسمة للتركيز على هذه الجوانب وغيرها بغية تحقيق نمو يرتكز على الجودة.
-- تفاؤل تغلفه التحديات
وعلى الرغم من أن الاتجاه يدعو للتفاؤل، إلا أن الفرص والتحديات تظهر في آن واحد، إذ أعلن لي شو فو رئيس شركة جيلي أن الشركة سوف تلتزم بإتباع نظام القواعد والإدارة الخاص بشركة دايملر وتحترم تقاليدها وأعرافها، فيما أعربت دايملر عن سعادتها لنيلها ثقة مستثمر جديد طويل الأجل. ومن المعروف بديهيا أن شراء جيلي لأسهم دايملر لا يعد الآن سوى إجراء يتعلق برأس المال، ليظل التحدي الرئيسي الذي تواجهه جيلي في المرحلة القادمة كامنا في كيفية تحقيق عملية تطوير منسقة مع دايملر وتقاسم تكنولوجيا البطاريات معها.
ومن ناحية أخرى، تقف شركة "تشانغ تشنغ" الصينية أمام تحديات عديدة أيضا في تعاونها مع مجموعة "بي أم دبليو". فلكل من الشركتين تقاليد وأعراف قوية والتوصل إلى أرضية مشتركة هو أول مشكلة ستعترض طريقهما مستقبلا. علاوة على ذلك، فإنه مع كون التعاون بين تشانغ تشنغ وبي أم دبليو قائما بشكل رئيسي في مجال إنتاج السيارات العاملة كليا بالكهرباء، تبقي إمكانية تحقيق التكامل بين الطرز السابقة لتشانغ تشنغ والطرز المصنعة بالتعاون مع بي أم دبليو والجمع بين تطبيق التكنولوجيا والتوسع في السوق، من التحديات الواقعية التي يتعين على الشركة الصينية العمل على التغلب عليها.
وسواء تمثلت التطورات في شراء جيلي لأسهم دايملر أو في إقامة تشانغ تشنغ لشركة استثمارية مشتركة مع بي أم دبليو، فلا شك أن شركات السيارات الصينية صنعت اسما على الصعيد الدولي لا يمكن لأي شركة دولية إغفال وجوده. إنها بداية جيدة ونتاج للنمو المنسق للاقتصاد العالمي، فالعولمة الاقتصادية اتجاه لا رجعة عنه، وان اغتنام الفرص ومواجهة التحديات هو الطريق الوحيد الى النجاح لشركات السيارات الصينية فى عصر العولمة.