أضحى "وحيد القرن الرمادي" أكثر الأنواع استهدافا في الصين، لكن ليس في الغابات البرية للبلاد وإنما في قطاعها المالي.
فوحيد القرن البطيء والثقيل والذي يسهل إهماله، يمكن أن يتحرك بأقصى سرعة ليوقع هجوما مميتا -- تماما كالذي يمكن أن يخلفه الخطر الاقتصادي في أرجاء البلاد.
أضحى مصطلح "أزمة وحيد القرن الرمادي" شائعا بعد أن استخدمه كتاب نشر في عام 2016 لمحلل السياسات الأمريكي مايكل ووكر، لتصوير تهديد مالي محتمل بدرجة عالية وذي تأثير كبير يتم في الغالب تجاهله على نطاق واسع.
تلقفت صحيفة الشعب اليومية، الصحيفة الرئيسية للحزب الشيوعي الصيني، هذا التشبيه في يوليو الماضي، للتحذير من المخاطر الاقتصادية ، وهو ما أثار جدلا واسعا.
وفي العام الماضي، أحرزت السلطات تقدما ملحوظا في مسعاها للسيطرة على بعض المخاطر الرئيسية من نوع "وحيد القرن الرمادي"، والتي تمثلت بشكل عام في مصارف الظل التي شكلت تهديدا كبيرا للاقتصاد.
وتوقعت وكالة (موديز) للتصنيف الائتماني العالمي هذا الشهر نظرة مستقبلية مستقرة للمؤسسات المالية الصينية خلال عام 2018، مشيرة إلى اللوائح المشددة والنمو الاقتصادي المطرد.
وقال كل من راتنا ساهاي و جيمس بي. وولش، وهما من كبار مسؤولي صندوق النقد الدولي، في تدوينة على أحد المواقع الإلكترونية الأسبوع الماضي "إن قادة الصين جعلوا من الاستقرار المالي أحد أهم أولوياتهم. ونظرا لحجم وأهمية السوق الصينية، التي تضم كبرى مصارف العالم وثاني أكبر بورصاته، فإن هذه أنباء سارة بالنسبة للصين والعالم".
مصارف الظل
على مدار أعوام مضت، ساهمت المصارف الساعية إلى تحقيق أرباح أعلى والمودعين الذين افتقروا إلى عوائد استثمارية لائقة والشركات التي واجهت صعوبات في تأمين قروض مصرفية، ساهمت جميعها في دفع النمو السريع للقطاع المصرفي الموازي، الذي يحدث خارج النطاق التنظيمي، ما شكل مخاطر للاستقرار المالي.
وللحد من تنامي مصارف الظل، شددت السلطات قبضتها على الأنشطة بين المصارف ومنتجات إدارة الثروات خارج الميزانية. كما سيتم إخضاع أعمال إدارة الأصول بالبلاد والبالغ حجمها 100 تريليون يوان، لرقابة أشد صرامة.
وذكرت وكالة موديز في تقرير نشر الشهر الماضي إنه على وقع عمليات الملاحقة، فإن إجمالي أصول مصارف الظل بالكاد نمت في الأشهر الستة الأولى من 2017، فيما تراجعت نسبتها في إجمالي الناتج المحلي للمرة الأولى منذ 2012.
ولفتت لجنة تنظيم المصارف الصينية إلى أن كلا من الموجودات والمطلوبات بين المصارف، وهما مؤشران رئيسيان لأنشطة القطاع المصرفي الموازي، تراجعتا خلال الأشهر العشرة الأولى من العام، فيما تباطأ نمو منتجات إدارة الثروات على نحو حاد قياسا إلى العام السابق.
وقالت شيري تشانغ، المحللة بوكالة (موديز) "إن الحكومة ستظل حريصة على اعتماد تدابير سياسات منسقة لكبح نشاط القطاع المصرفي الموازي والأنشطة بين المصارف لمعالجة الاختلالات الجوهرية في النظام المالي."
فقاعات العقارات
بعد أن ساهم ارتفاع أسعار العقارات في جعل القدرة على امتلاك منزل ومخاطر الفقاعات العقارية أحد الشواغل الآخذة في التنامي، شددت السلطات على أن "المنازل للسكن، وليست للمضاربة".
ومنذ أواخر العام الماضي، مررت عشرات الحكومات المحلية أو وسعت القيود المفروضة على شراء منازل ورفعت الحد الأدنى للمقدم المطلوب للحصول على رهن عقاري. وحُظر على المطورين العقاريين والوكالات العقارية وكذلك شركات التمويل عبر الإنترنت وشركات القروض متناهية الصغر، حُظرعليها جميعا تقديم مقدم مالي غير قانوني للمشترين.
وآتت تلك الجهود أُكلها، حيث هدأت حمى شراء المنازل في المدن الساخنة، حيث سجلت أسعار المنازل الجديدة والمنازل المستعملة في مدن الدرجة الأولى نموا أبطأ على أساس سنوي للشهر الثالث عشر على التوالي في أكتوبر المنصرم.
وتراجع معدل الرفع المالي في قطاع العقارات. ففي الأرباع الثلاثة الأولى من العام، مثلت القروض المتوسطة وطويلة الأجل للسكان، وهي في الأساس قروض رهن عقاري للأفراد، مثلت 37.6 بالمائة من إجمالي القروض الجديدة، متراجعة عن 45 بالمئة في العام الماضي، بحسب البنك المركز الصيني.
الدين الحكومي المحلي
ارتفع الدين الحكومي المحلي خلال موجة الاستثمار والتشييد التي أعقبت اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008. ومع إدراكها الكامل لهذه المخاطر، اتخذت السلطات جملة من التدابير لتخفيف عبء الدين المحلي.
فقد تم تحديد سقف لديون الحكومات المحلية، وتم إطلاق برنامج إرشادي لمقايضة الديون بالسندات ولمبادلة القروض عالية التكلفة بسندات منخفضة التكلفة، فيما اتخذت خطوات لنقل بعض الالتزامات المالية للحكومات المحلية إلى سلطات أعلى.
وفي هذا العام، شددت السلطات اللوائح الخاصة بالاقتراض "الخفي" مثل التمويل عبر الشراكات الوهمية بين القطاعين العام والخاص. كما تم فتح باب الاقتراض "العلني"، حيث تم السماح للحكومات المحلية بإصدار سندات احتياطي الأراضي وسندات رسوم الطرق لزيادة قدراتها التمويلية من خلال قنوات شفافة ومعيارية.
وحتى يونيو الماضي بلغ حجم الديون الحكومية المستحقة 15.86 تريليون يوان (حوالي 2.4 تريليون دولار أمريكي)، وهو ما يزيد بشكل طفيف على 15.32 تريليون يوان في نهاية عام 2016، لكنه أقل من السقف الحكومي المستهدف لهذا العام والبالغ 18.82 تريليون يوان.
وفي تحليل صدر مطلع هذا الشهر، قالت وكالة (موديز) إن الأداء الاقتصادي والمالي للحكومات المحلية الصينية كان مستقرا خلال الأرباع الثلاثة الأولى من 2017، متوقعة تحقيق الأهداف الخاصة بالعام بأكمله.
الرافعة المالية للشركات المملوكة للدولة
ساهمت الحوكمة الضعيفة للشركات والقدرات الإنتاجية الفائضة والمعروض الائتماني الميسر، في دفع ديون الشركات المملوكة للدولة إلى مستوى خطير خلال الأعوام القليلة الماضية. وتم إيلاء أولوية قصوى لخفض ديون الشركات المملوكة للدولة في مؤتمر العمل المالي الوطني، وهو اجتماع يعقد كل خمس سنوات لتحديد السياسات المالية للبلاد، والذي عقد في يوليو الماضي.
وتم خلال هذا العام دمج وهيكلة المزيد من الشركات المركزية المملوكة للدولة، كما جرى توسيع نطاق برنامج لإصلاح الملكية المختلطة لإدخال رأس المال الخاص، فيما تم تسريع عمليات مقايضة الديون بالسندات، ما سمح للشركات ذات الإمكانات طويلة الأمد بمبادلة ديونها بأسهم.
وحسنت هذه الخطوات من حوكمة الشركات وفعاليتها، حيث سجلت الشركات المملوكة للدولة نموا في خانة العشرات حتى الآن هذا العام. وحتى نهاية سبتمبر الماضي، انخفض معدل متوسط الدين للشركات المركزية المملوكة للدولة بواقع 0.2 نقطة مئوية مقارنة مع مطلع العام.
بيد أن ثمة المزيد من الإجراءات التي ينبغي اتخاذها. وقدر لي يانغ، الاقتصادي البارز ورئيس المؤسسة الوطنية للتمويل والتنمية، بأن يستغرق على الأرجح خفض الرافعة المالية للشركات الحكومية المملوكة للدولة ما بين ثلاثة إلى خمسة أعوام.
وقال "إن مفتاح خفض الرافعة المالية للشركات المملوكة للدولة يتمثل في التخلص من الشركات الخاملة."