شهدت منطقة الشرق الاوسط فوضى كبيرة في عام 2017: قامت المملكة العربية السعودية ودول أخرى بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، اعلان رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري بشكل مفاجئ، وأثناء تواجده في السعودية، استقالته من منصبه في خطاب تلفزيوني، ثم سحب استقالته، مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح على يد القوات المسلحة الحوثية، توقف محادثات السلام السورية في جنيف، واعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل ... وإن الصراع متصاعد ومتشابك الأطراف بين الدول القوية داخل وخارج الشرق الاوسط يقف وراء الكثير من الفوضى في المنطقة.
تعتبر سوريا واليمن الساحتين الأشد قتالا في الشرق الأوسط في عام 2017. وقد استعادت القوات الحكومية السورية معظم المناطق التي استولى عليها تنظيم " الدولة الإسلامية"، كما تمتلك اليد العليا في الصراع مع القوات المعارضة. وفي الوقت الراهن، على الرغم من بدء محادثات السلام السورية في جنيف، بيد أنه بالنظر الى الاختلافات الحادة بين أطراف المحادثات، وبالاقتران مع الصراع الجغرافي بين الولايات المتحدة، المملكة العربية السعودية وروسيا وإيران في القضية السورية، لاتزال آفاق محادثات السلام مليئة بالمتغيرات.
في العام الماضي، وصلت الحرب في اليمن الى طريق مسدود، ويكمن سبب ذلك في الصراع بين القوتين السريتين السعودية وإيران. واتهمت السعودية مرارا بتوفير إيران الاسلحة للقوات المسلحة الحوثية، ونفت إيران ذلك. حاليا، في ظل هجوم قوات التحالف المتعددة الجنسيات بقيادة المملكة العربية السعودية، وعلى الرغم من احتواء هجمات القوات المسلحة الحوثية، إلا أنه لا تزال العاصمة صنعاء والعديد من المحافظات الشمالية في أيدي القوات الحوثية.
وفى مايو من هذا العام، عقدت المملكة العربية السعودية قمة عربية إسلامية أمريكية حضرها قادة أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية والرئيس الأمريكي الزائر للمملكة دونالد ترامب، وموضوع القمة الرئيسي هو ردع إيران.وفي 19 نوفمبر، عقد وزراء الخارجية العرب اجتماعا طارئا بمقر الأمانة العامة لـ جامعة الدول العربية بالقاهرة بطلب من السعودية لبحث كيفية التعامل مع "انتهاكات إيران" في الشرق الأوسط، وإدانة تدخلات إيران التي تقوض الامن والسلام في المنطقة العربية. وردا على هذه الاتهامات، عارضت إيران ذلك بشدة.
كما أن المملكة العربية السعودية وإيران القوتان الإقليميتان الكبيرتان اللتان تقاتلان من أجل الهيمنة خلف قطع العديد من الدول علاقاتها مع قطر، واستقالة الحريري وغيرها من الحوادث الاخرى. وفي 5 يونيو من هذا العام، أعلنت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر ودول أخرى فجأة عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وتنفيذ العقوبات الاقتصادية بحجة أنه ورد في خطاب هام، لأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، الذي أعرب عن تأييده لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإيران، وانتقد السياسات الامريكية والسعودية.
وحول استقالة رئيس الوزراء اللبناني الحريري من منصبه في نوفمبر الماضي في المملكة العربية السعودية، تعتقد وسائل الاعلام في الشرق الاوسط أن هذا نتيجة الضغوطات السعودية على الحريري لعدم الحد من نمو قوة الحزب الله في لبنان. وفي 5 ديسمبر، عقدت الحكومة اللبنانية اول اجتماع بها بعد عودة الحريري الى لبنان، وتم التوافق بالإجماع على "سياسة عدم المشاركة في الصراعات الاقليمية." وفي الوقت لاحق، انتهت عاصفة استقالة الحريري مؤقتة مع سحب الحريري استقالته.
كما أشار محللون إلى أنه من غير الممكن وصف الرابح والخاسر في الحرب بين المعسكرين المملكة العربية السعودية وإيران على المدى القصير، ومن الصعب على اي من الجانبين خلق ميزة ساحقة على الآخر سواء في الحرب السورية واليمنية، أو الازمة في قطر ولبنان. وإذا نظرنا الى الاثر الكبير الذي خلفه الصراع الامريكي الروسي على نمط الشرق الاوسط، فإن الصراع متشابك الأطراف بين الدول القوية قد يكون أمرا طبيعيا في الشرق الاوسط.
في الوقت الحاضر، لا تزال هناك حالة عدم اليقين الجديدة في ظل الفوضى في الشرق الأوسط، مثل العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران. ومن اجل حماية مصالحها ومصالح اسرائيل، والمملكة العربية السعودية وغيرهم من الحلفاء التقليديين في منطقة الشرق الاوسط، غير الرئيس الامريكي اتجاه سلفه اوباما في تخفيف العلاقات مع إيران، للعودة إلى الطريق القديم والمواجهة الحادة، وتعزيز قوى التحالف لاحتواء إيران واتخاذ تدابير لقمع إيران.
بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت حدة قضية فلسطين وإسرائيل مرة أخرى في نهاية العام. حيث اعترف الرئيس الامريكي ترامب في الآونة الاخيرة بالقدس عاصمة اسرائيل وستبدأ عملية نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس، وردا على ذلك دعا قادة الدول الإسلامية في ختام قمتهم الطارئة في إسطنبول مؤخرا العالم إلى الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية المحتلة.
بروز في العام الجديد حالة من الكر والفر في الصراع بين المملكة العربية السعودية وإيران ومعسكراتهما في الشرق الاوسط، ومن المرجح أن يعيد ابراز الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وتصبح القضية البارزة في الوضع بالشرق الاوسط ايضا. كما يخشى من أن يصعب استعادة الهدوء في الشرق الاوسط في وقت قصير في ظل اشراك القوى الكبرى الخارجية في الصراع.