الخرطوم 25 اغسطس 2017 /من خلال التعاون المثمر ومتبادل النفع مع السودان، تحول الصين مصدرين اساسيين لدى الدولة الافريقية، لونهما أبيض واسود، القطن والنفط، إلى ذهب.
يتألق التعاون القائم بين الصين والسودان ليصبح نموذجا للعلاقات بين الصين وافريقيا، الأمر الذى يظهر اسهام الصين فى تنمية افريقيا.
وبفضل التمويل والمساعدات التقنية من الصين، حقق السودان بدرجة كبيرة الاستقلال فى قطاع الطاقة عن طريق إقامة صناعتها النفطية الخاصة. وعلى نحو مشابه، تساعد الصين السودان فى تحويل اقتصاده، ومن خلال جهوده، لخلق صناعة قطن بسلسلة انتاج كاملة.
وتعد الصين اكبر شريك تجاري للسودان الذى يعد ثالث شريك تجارى افريقي للصين.
وقال عوض احمد الجاز مساعد الرئيس السوداني للعلاقات مع الصين لوكالة أنباء ((شينخوا)) فى مقابلة "علاقتنا مع الصين تاريخية ولها أصول عميقة واستراتيجية. وهذا يعد نموذجا للعلاقات التى نأمل فى ان تستمر وتتحول إلى آفاق أوسع."
معمل تكرير الخرطوم: نموذج للتعاون بين السودان والصين
عندما وقع السودان والصين على اتفاق لبناء شركة تكرير الخرطوم فى عام 1997، لم يكن هناك شخص يتوقع ان يتحقق هذا النجاح مثلما هو الآن.
وساعد هذا المعمل، الذى يقع على الضفة الشرقية للنيل وعلى بعد 70 كم شمال العاصمة السودانية الخرطوم وهو مشروع مشترك بنسبة 50 الى 50 بين وزارة الطاقة والتعدين السودانية وشركة البترول الوطنية الصينية، حولت بنجاح الدولة الغنية بالنفط من مستورد للمنتجات البترولية إلى مصدر.
وبمساعدة الصين فى قطاعات التمويل والتكنولوجيا وتدريب الافراد، بني المعمل فى أقل من 20 شهرا وتوسع ليزيد انتاجه السنوي إلى 4.5 مليون طن.
ويفي المعمل بطلب السودان المحلي من البترول والديزل، ويصدر أيضا منتجات بترول ذات درجة عالية إلى الدول المجاورة للحصول على العملات الصعبة التى يحتاج اليها السودان بشدة.
كما عمل هذا المعمل على وجود مدينة حوله، حيث جذب عددا من مصانع البتروكيماويات ومحطات الطاقة وشركات تجارة النفط وشركات خدمات أخرى.
وفى خلال العشرين عاما الماضية، حققت صناعة النفط فى السودان، منها استثمارات المعمل وأخرى ذات صلة، أكثر من 100 مليار دولار امريكي فى شكل عائدات مباشرة وغير مباشرة للاقتصاد السوداني، وفقا لتقديرات رسمية.
وقال جيا يونغ، المدير العام لشركة النيل الدولة التابعة لشركة البترول الوطنية الصينية، الشريك الصيني فى المعمل، ان المعمل نموذج يظهر كيفية مساعدة الصين لدولة افريقية فى تحقيق عملية التصنيع.
وقال جيا لشينخوا "المشروع يعمل ليس فقط على مساعدة السودان فى تحقيق الاستقلال فى قطاع الطاقة، ولكن أيضا على ضمان سلامة امدادات الطاقة الوطنية."
وبالاضافة الى المنافع الاقتصادية، فان استثمارات النفط الصينية حققت منافع اجتماعية ضخمة للمجتمعات المحلية. على سبيل المثال، دربت الصين مجموعات من مهندسي البترول السودانيين وكذا العمال الفنيين، تم توظيف العديد منهم فيما بعد فى دول الخليج الغنية بالبترول.
وخلال سنوات، أسهمت الشركة الصينية بأكثر من 120 مليون دولار فى مشروعات خيرية ومشروعات لتخفيف حدة الفقر فى السودان عن طريق التبرع بعدد 104 مدارس و50 مستشفى وعيادة طبية و400 بئر مياه للوفاء بمسؤولياتها الاجتماعية.
كما ان المعمل ناجح لدرجة ان عدة دول افريقية اخرى طلبت مساعدة الصين فى بناء معمل مشابه عندها.
وقال جيا "حتى الآن، أحرزنا تقدما فى مساعدة الجزائر وتشاد والنيجر فى بناء معامل تكرير مشابهة بعد النموذج السوداني"، مضيفا ان هذا النموذج من الممكن ان يطبق من خلال مبادرة الحزام والطريق الصينية.
الصين تهدف إلى تحويل قطن السودان إلى ذهب ابيض
وبالاضافة إلى النفط، يشتهر السودان أيضا بزراعة قطن عالي الجوده، الا انه أخفق حتى الآن فى إقامة صناعة كاملة بسلسلة انتاج من زراعة القطن ومعالجته وتحويله إلى منسوجات وملابس.
والآن تقوم الصين ببذل جهود ضخمة لمساعدة السودان فى بناء صناعة قطن ترتكز على خبراتها الناجحة فى صناعة النفط.
تجدر الاشارة إلى ان الصين حققت بالفعل نجاحا فى مساعدة السودان فى تحسين زراعة القطن. وفى منطقة الفاو بمدينة القضارف، على بعد 260 كم جنوب شرق الخرطوم، نجح مركز ابحاث قطن حديث، بتمويل من الصين، فى ادخال نوع جديد من بذور القطن عالية الجودة من الصين.
يذكر ان البذور التى اطلقت الحكومة السودانية عليها اسم "الصين 1" زادت بدرجة كبيرة من محصول القطن لكل 0.04 هكتار بمقدار 150 كيلو. وأصبحت البذور مشهورة جدا لدرجة ان نسبة 94 بالمئة من مزارعي القطن السوداني يزرعونها الآن، ويحققون متوسط 8400 جنيه سودانى (1259 دولار امريكى ) كدخل زائد لكل أسرة فى العام.
وفى اغسطس العام الماضي، وقعت الحكومة السودانية وشركات صينية على مذكرة تفاهم للسماح للشركات بزراعة مليون فدان من القطن فى السودان، بما فى ذلك 112000 هكتار فى الجزيرة، وهى ولاية سودانية تشتهر بزراعة القطن بكميات كبيرة.
وبالاضافة إلى زراعة القطن، فان الشركات الصينية تعتزم مساعدة السودان فى بناء مصانع نسيج وملابس جاهزة لاكمال سلسلة انتاج صناعة القطن.
وفى منطقة ري الرهد، تعاونت مجموعة شاندونغ الصينية للتعاون الاقتصادي والتقني مع مجموعة شاندونغ لوميان فى عام 2012 لاستثمار 50 مليون دولار فى بناء مزرعة حديثة تبلغ مساحتها 6667 هكتار لزراعة القطن ومعالجته.
وبمساعدة من وزارتي التجارة والزراعة الصينيتين، فان المزرعة تقوم بتدريب السودانيين على زراعة القطن والمعالجة الصناعية. وحتى الآن، فان مزرعة الرهد عقدت 4 دورات تدريب بموجب اتفاق لمدة ثلاثة أعوام مع برنامج الغذاء التابع للامم المتحدة.
وقال الجاز "حققنا نموذجا ملهما فى مجال صناعة النفط، والآن نتجه إلى تحويل الزراعة إلى نموذج آخر للتعاون بعد صناعة النفط. واننا على استعداد الآن لجعل مشروع الرهد نموذجا للتعاون فى مجال الزراعة."
الشغف لركوب موجة مبادرة الحزام والطريق
تجدر الاشارة إلى ان السودان، الذى استفاد كثيرا من التعاون مع الصين، يتوق الآن إلى الاستفادة من الفرص الجديدة التى تتيحها مبادرة الحزام والطريق الصينية.
وقال الجاز انه يشعر بالتفاؤل بان المبادرة ستضخ قوة دفع جديدة فى العلاقات بين الصين والسودان، حيث ان السودان يستطيع ان يعمل كصلة بين القارة الافريقية والمنطقة العربية.
وقال بشرى الشيخ دفع الله، الدبلوماسي السوداني والمحلل السياسي، لشينخوا ان الشراكة بين البلدين حققت منافع كثيرة، والآن يحتاج السودان إلى الحصول على المزيد من الصين فى مجال بناء البنية الاساسية.
وأضاف "الصين بمقدورها إقامة خطوط نقل بري تربط بين البحر الابيض المتوسط ومدينة كيب تاون، حيث تستطيع ربط القارة الافريقية كلها عبر السودان"، مشيرا إلى ان الصين تتمتع بخبرات كبيرة فى بناء خطوط السكك الحديد من الطرز العالمي.