بكين 20 أغسطس 2017 / بدأ الممثل التجاري الأمريكي روبرت لايتهايزر يوم الجمعة رسميا تحقيقا فيما يسمى بالممارسات التجارية الصينية بموجب البند 301 من قانون التجارة لعام 1974، رغم المخاوف من احتمالية تعرض العلاقات التجارية الصينية - الأمريكية للضرر. وجاء هذا التحرك بعدما فوض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أيام لايتهايزر بالنظر "فيما إذا كان هناك ما يستدعي التحقيق في أي من القوانين أو السياسات أو الممارسات أو الإجراءات الصينية" التي "قد تلحق ضررا بحقوق الملكية الفكرية أو الابتكار أو تطوير التكنولوجيا لدى الولايات المتحدة" بموجب البند المذكور.
وفي هذا الصدد، أعرب خبراء صينيون عن اعتقادهم بأن أسبابا ثلاثة تقف وراء فتح الولايات المتحدة لهذا التحقيق، مشيرين إلى أنه سيؤدي إلى توتر العلاقات السياسية بين بكين وواشنطن وسيجعل قواعد التجارة الدولية في خطر ولكن تبعاته على التجارة الدولية للصين ستكون محدودة. كما شددوا على أن السبيل الصحيح الوحيد أمام العلاقات التجارية الصينية- الأمريكية هو الانخراط في تعاون مربح للجانبين.
-- ثلاثة أسباب تقف وراء التحقيق
يسمح البند 301، وهو أداة تجارية كثيرا ما استخدمتها أمريكا قبل مجيء منظمة التجارة العالمية إلى الوجود، يسمح للرئيس الأمريكي بالقيام بفرض تعريفات جمركية ضخمة وقيود تجارية أخرى انفرادية على شركاء يُعتقد أنهم يتمتعون بمزايا غير عادلة.
وقد بدت العلاقات الصينية الأمريكية للجميع أنها تمضى على مسار سريع من التعاون بعد تولي ترامب مهام الرئاسة، حيث جرت عدة لقاءات بين مسؤولين من البلدين وأبرمت سلسلة من الاتفاقيات بين الصين والولايات المتحدة على الصعيد التجاري. ولكن السؤال الذي يحير الكثيرين: لماذا تطلق الولايات المتحدة حاليا هذا التحقيق ضد الصين؟ فيجيب عليه دياو دا مينغ الباحث بمعهد بحوث الدراسات الأمريكية في أكاديمية الصين للعلوم الاجتماعية بقوله إن ذلك يعزي إلى ثلاثة أسباب:
أولها، إن إدارة ترامب تريد الوفاء بالوعود الانتخابية على خلفية تزايد نزعة الحمائية التجارية في الولايات المتحدة. فمنذ بداية حملاته الانتخابية، تحدث ترامب مرارا عن العجز التجاري بين بلاده والصين، معربا عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة ظلت خلال تعاملاتها التجارية مع الصين تتعرض لخسائر في مجالات مثل الأعمال والوظائف والصناعات التحويلية لكي يبرر أهمية وضع حواجز تجارية أمام الصين. علاوة على أن ترامب يؤكد دوما منذ أيام الانتخابات على إستراتيجية "أمريكا أولا " ويود الوفاء بما قطعه على نفسه من وعود خلال فترة الانتخابات عبر استخدام أدوات دبلوماسية واقتصادية وذلك في ظل وجود خلافات حول بعض الأمور بين الصين وأمريكا رغم "الحصاد المبكر" لخطة المائة يوم التي اتفق عليها الرئيسان شي وترامب خلال اجتماعهما بمنتجع مار - أيه- لاغو في إبريل الماضي.
وثانيها، إن ترامب يسعى إلى تحقيق "اختراقات" في قضية التجارة الخارجية، لصرف الانتباه عن السياسة الداخلية. فبسبب الاستقطاب السياسي والانقسام الاجتماعي داخل الولايات المتحدة، تواجه بعض سياسات ترامب حالة من الشك وعدم اليقين، مثل الانسحاب من اتفاق باريس بشأن تغير المناخ والاتجاه بشكل متكرر إلى تأجيل بعض الأجندات التشريعية الهامة مثل الإصلاحات الطبية والضريبية، وهذا يفضى بدوره إلى ضعف قوة البيت الأبيض. لذلك يلجأ ترامب من جديد للبند 301 الذي لم يُستخدم خلال الـ20 عاما الماضية، ويمكن له من خلال تطبيقه ضد أكبر دولة تجارية في العالم أن يؤجج حماسة الناخبين مثلما فعل في حملته الانتخابية.
وثالثها، إن ترامب يسعى للدخول في جولات تفاوضية خلال هذا التحقيق، بعدما بات اتخاذ خطوات تمويهية قبل التفاوض أسلوبا معتادا تنتهجه إدارة ترامب. وفي حالة التحقيق هذه، ستواصل الولايات المتحدة تكثيف ضغوطها على التجارة الصينية رغبة منها في الحصول على تنازلات صينية في مفاوضات مستقبلية.
-- تأثيرات وتداعيات التحقيق
ومن جانبه، قال سون تشنغ هاو، الباحث بمعهد الصين للدراسات الدولية المعاصرة، إن هذا التحقيق سيؤدي من ناحية إلى توتر العلاقات السياسية بين الصين والولايات المتحدة، لكنه سيساعد من ناحية أخرى على ارتفاع شعبية ترامب.
وأضاف أن إجراء التحقيق على خلفية استمرار مطالبة الولايات المتحدة الصين بفرض ضغوط متزايدة على جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية لدفعها على التخلي عن برنامجها النووي، من المحتمل أن يؤدي إلى زيادة حالة الجمود بين الدولتين بشأن القضية النووية في شبه الجزيرة الكورية. غير أنه بسبب الشكوى التي أطلقتها دوائر الأعمال الأمريكية من قانون حقوق الملكية الفكرية الصيني منذ فترة طويلة، بإمكان ترامب كسب دعم الكونغرس والكثير من رجال دوائر الأعمال الأمريكية من خلال إجراء هذا التحقيق.
وأفاد سون بأن التحقيق قد يعرض قواعد التجارة الدولية للخطر. ففي النظام التجاري المتعدد الأطراف، الذي تشكله منظمة التجارة العالمية، قد يؤدي تطبيق مثل هذا القانون الانفرادي إلى تأثير كبير على العلاقات التجارية الدولية القائمة، لدرجة أنه قد يقابل بمحاولات محاكاة خبيثة من قبل دول عدة أخرى، على نحو يمثل إضرارا بالعلاقات التجارية المتعددة الأطراف.
وتوقع السيد سون أن تكون تداعيات التحقيق على التجارة الدولية الصينية محدودة، قائلا إن هذا التحقيق من المتوقع أن يستغرق سنة كاملة حتى يقرر في النهاية ما إذا كان سيتم فرض عقوبات تجارية. وتشكل الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة أقل من 5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الصيني، رغم الأهمية البالغة للسوق الأمريكية بالنسبة للمصدرين الصينيين، ولكن مع الاستمرار في تحويل نمط النمو الاقتصادي من الاعتماد على الصادرات والاستثمارات إلى نمو أكثر اعتمادا على الخدمات والاستهلاك ، ستواصل الأهمية النسبية للسوق الأمريكية بالنسبة للنمو الاقتصادي الصيني تراجعها لدرجة أن تطبيق إجراءات عقابية تجارية أمريكية قد لا يؤثر على الصين سوى تأثير محدود.
-- التعاون المربح للجانبين هو السبيل الصحيح الوحيد
تعد الصين والولايات المتحدة أكبر اقتصادين في العالم، ولا يؤثر اتجاه العلاقات التجارية والاقتصادية بين الجانبين على كل من الصين وأمريكا فحسب، وإنما أيضا على زيادة الاستثمارات التجارية العالمية. ويشكل عدد سكان الصين والولايات المتحدة 23 في المائة من سكان العالم، ويقترب الاقتصاد الكلي للدولتين من 40 في المائة من الاقتصاد الكلي العالمي، وتشكل صادرات الدولتين خمس صادرات العالم، وتمثل الاستثمارات الخارجية لهما 30 في المائة من مثيلتها العالمية، والاستثمارات الأجنبية لديهما 30 في المائة أيضا من مثيلتها العالمية.
وعلى مدار 38 عاما منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة، اتجه التعاون التجاري والاقتصادي بين الجانبين من أسفل الهرم إلى أعلاه ، واتسعت مجالات التعاون، بل ونمت العلاقات بين الدولتين على نحو أفضل. ووفقا للبيانات الصادرة عن وزارة التجارة الصينية، تعتبر الصين والولايات المتحدة شريكين تجاريين مهمين لكل منهما الآخر، حيث تعد الصين سوق صادرات رئيسية وكذا أسرع الأسواق نموا بالنسبة للولايات المتحدة. وعلى مدار عشر سنوات، قفزت الصادرات الأمريكية إلى الصين بنسبة 11 في المائة سنويا، وهو ما يتجاوز معدل نمو الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بنسبة 4.4 في المائة.
وصرح باي مينغ نائب مدير معهد بحوث السوق الدولية بالأكاديمية الصينية للتجارة الدولية والتعاون الاقتصادي، بأنه ليس من الغريب ظهور احتكاكات في التعاون التجاري والاقتصادي بين الدول الاقتصادية الكبرى، لكنه من الأهمية بمكان إيجاد حلول معقولة لهذه الاحتكاكات وتفادي تأثيراتها الأحادية على الوضع العام للتعاون. وباعتبارهما عضوين بمنظمة التجارة العالمية، ينبغي عليهما الالتزام بقواعد المنظمة لمعالجة هذه الاحتكاكات.
وأضاف قائلا إنه مما لا شك فيه أن التعاون المربح للجانبين هو السبيل الصحيح الوحيد للتجارة الصينية- الأمريكية، منوها إلى ضرورة قيام البلدين بتعزيز التعاون والسيطرة على الخلافات، لتحقيق التنمية المستدامة الصحية والمستقرة للعلاقات التجارية بين البلدين ولإعطاء قوة دفع قوية لنمو الاقتصاد العالمي.