بكين 14 أغسطس 2017 /في أواخر الثلاثينيات عندما قام جنرالات وجنود الحزب الشيوعي الصيني بتأسيس قاعدة ثورية في ليوليانغ في مقاطعة شانشي بشمال الصين، لم يكونوا يعرفون أن هذه المدينة الجبلية ستظل فقيرة لـ 80 عاما بعد ذلك.
ومن بين 13 محافظة في ليوليانغ، هناك 10 محافظات و3350 قرية بين المناطق التي لا تزال تعيش "فقرا مدقعا".
ولا يزال يوجد في الصين نحو 128 ألف قرية وأكثر من 40 مليون شخص يعيشون في فقر، فإن حرب البلاد ضد الغزاة والطغاة قبل عقود خلت تحولت حاليا إلى حرب ضد الفقر، حيث ضحى أكثر من 120 شخص من أعضاء الحزب الشيوعي الصيني بأرواحهم في هذه الحرب.
وخلال الـ30 عاما الماضية، ورغم انتشال 700 مليون مواطن صيني من الفقر، إلا أن الفقر المدقع لا يزال أحد الشواغل الرئيسية للصين حيث مازال في المناطق المحيطة بالقواعد الثورية القديمة ، وكذلك في مناطق الأقليات العرقية والمناطق الحدودية والمناطق ذات البنية التحتية الفقيرة والظروف البيئية الضعيفة والتي غالبا ما تشهد وقوع كوارث طبيعية.
وفي أواخر يونيو، ذهب الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى ليوليانغ لزيارة الأسر الفقيرة والتحدث إلى المسؤولين المنوطين بمهام تخفيف حدة الفقرة.
ودعا شي القرويين إلى العمل بشكل أكثر جدية مع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.
سباق مع الزمن
وحددت الصين عام 2020 كموعد مستهدف لإكمال مهمة بناء مجتمع رغيد العيش على نحو معتدل، والتي تتطلب القضاء على الفقر. وأضحت المهمة أكثر صعوبة وكلفة مع اقتراب تلك المهمة من نهايتها.
ووفقا للخبرات العالمية، فإن أصعب مرحلة في القضاء على الفقر تحل عندما يكون عدد السكان الذين يعيشون في فقر يمثلون أقل من 10 بالمئة من إجمالي السكان.
وحتى نهاية 2016، كان لا يزال هناك 43.35 مليون مواطن صيني يعيشون دون مستوى خط الفقر بالبلاد والمقدر بدخل سنوي يبلغ 2300 يوان (344.30 دولار أمريكي) وفقا لأسعار عام 2010، وهم يمثلون نحو 3 بالمئة من إجمالي سكان الصين.
ولتحقيق هذا الهدف في 2020، فإن الصين بحاجة إلى انتشال أكثر من 10 ملايين شخص من الفقر كل عام، وهو ما يعني انتشال نحو مليون شخص كل شهر أو 20 شخصا في الدقيقة، ومن ثم فإن الصين في سباق مع الزمن. وقد وضع الرئيس شي نفسه في الخطوط الأمامية لهذه المواجهة.
وفي ديسمبر 2012، كان الرئيس شي في محافظة فوبينغ بمقاطعة خبي، بينما قام في نوفمبر 2013 بزيارة محافظة هوايوان في مقاطعة خنان، وفي يونيو 2015 قام بزيارة محافظة تسونيي في مقاطعة قويتشو.
وكانت ليوليانغ المحطة الأخيرة في جولة شي للمناطق الـ14 التي يضربها الفقر في الصين، منذ توليه منصب أمين عام اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في 2012.
وقام شي بزيارة أسر فقيرة وتحدث إلى المسؤولين المحليين، وشاهد الظروف المحلية وراجع أعمال التخفيف من حدة الفقر.
ومن الإنصاف القول إن أعمال مكافحة الفقر باتت على رأس قائمة أولويات شي خلال الأعوام الخمسة المنصرمة.
وبحسب شي، فإنه إذا تم التخلي عن الريف الصيني، ولا سيما المناطق الفقيرة، فإنه لن يكون هناك "مجتمع رغيد العيش على نحو معتدل".
مهمة واجبة
وللظفر بهذه الحرب ضد الفقر، فإن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني تقود الشعب الصيني في مسيرة نحو الانتصار في المعركة ضد الفقر منذ المؤتمر الوطني الـ18 للحزب الشيوعي الصيني في 2012.
وكما قال شي خلال جولته في ليوليانغ، فإنه يتعين على الحزب الشيوعي الصيني أن يضع الشعب في المقام الأول وأن يستخدم الاشتراكية لجمع الموارد وإنجاز المهام الكبرى، بما في ذلك مكافحة الفقر.
وقد لعب الدعم المالي دورا رائدا في هذه العملية. وتم إلى الآن إنفاق أكثر من 86 مليار يوان للتخفيف من حدة الفقر.
وتم إرسال كوادر من الحزب لقيادة العمل في المناطق التي يضربها الفقر، حيث تم إرسال نحو مليون شخص إلى القرى المحتاجة حتى الآن.
وكان لوه جيون يوان واحدا من هؤلاء الكوادر، حيث أرسلته إدارة الزراعة من مقاطعة جيانغشي بجنوب الصين، ويشغل حاليا منصب السكرتير الأول للجنة الحزب في قرية بايتو، التي تعاني من الفقر منذ أمد بعيد.
وقال لوه "جئت كشخص غريب تماما بالنسبة للقرويين، لكني واصلت التركيز منذ ذلك الحين على التفاصيل التي تتعلق بحياتهم ... والآن يعتبرونني صديقا جيدا لهم".
وهناك أكثر من 195 ألف سكرتير أول مثل لوه، يقيمون في قرى فقيرة، فيما تم إرسال 775 ألفا آخرين من كوادر الحزب لمساعدتهم في عملهم، بينهم مسؤولون محليون وعسكريون متقاعدون وأيضا خريجون جامعيون.
وبالنسبة للعديد من الأشخاص الذين يعيشون في فقر، فإن إعادة توطينهم لا تزال طريقة حساسة.
وكان من المقرر خلال الفترة من 2016 إلى 2020، نقل نحو 10 ملايين شخص من مناطق فقيرة، أغلبها "تقع" في الجبال.
تشانغ تشنغ يينغ البالغ من العمر 82 عاما، تم نقله من بيت بالطوب اللبن في مقاطعة قويتشو جنوب الصين. وقبل ذلك، كان هو وأسرته فقراء للغاية لدرجة أنه لا يستطيع تجهيز بيته بأثاث مناسب، بسبب ظروفه الصعبة للغاية.
وتبدلت الأمور مع قيام الحكومة بالعمل مع شركات لإنشاء 50 منطقة لإعادة التوطين في المحافظة، قبل نقل أسرة تشانغ وجيرانه من القرويين من الجبال للإقامة في مناطق تضم مشروعا تجاريا لكل أسرة.
وكتب مؤرخ قروي يدعى تشانغ داي تشوان قائلا "منذ الهجرة الجماعية قبل 300 عام، أضنى الفقر أجيالا من القرويين....لكن عملية إعادة التوطين منحتنا في النهاية بعض الأمل".
الرغبة في الانتصار
دعا شي الشعب الصيني للعمل معا لكسب المعركة الحاسمة الرامية إلى التخفيف من حدة الفقر داخل الإطار الزمني المحدد لها.
وقال شي في رسالته للعام الجديد في 2016 "يجب على الـ 1.3 مليار صيني أن يمضوا قدما في جهود متناسقة" لبناء مجتمع رغيد العيش على نحو معتدل في كافة المجالات.
ولقيت دعوته استجابة واسعة من هؤلاء الذين لم يقضوا على الفقر بعد في أنحاء الصين.
وقبل نحو 40 عاما، لم يكن يان جين تشانغ وأقرانه من المزارعين في إحدى قرى مقاطعة آنهوي بوسط الصين، يتمتعون بسلطة كاملة على الأرض التي يزرعونها ، حيث كان النظام الجماعي المطبق في ذلك الوقت، يحد من مكاسبهم الاقتصادية ومستوى معيشتهم.
ومع عدم قدرتهم على مواجهة المصاعب ، وقع يانغ وقرويون آخرون على عقد مع الكوادر المحليين، حتى يتسنى لهم بعد تقديم الحصة المقررة من المحصول إلى الحكومة، الاحتفاظ بباقي المحصول لأنفسهم لبيعه. وساهم العقد سريعا في تعزيز إنتاج القرية وأطلق موجة من إصلاح الأراضي في أنحاء الصين غيرت مجرى التاريخ.
وبعد 30 عاما أخرى، ومع الموجة الجديدة من الإصلاح ، قام يان بتوقيع عقد آخر لنقل حقوق استغلال الأرض إلى الجميعات التعاونية الزراعية. ونتيجة لذلك زاد الدخل السنوي لعائلته على 100 ألف يوان للمرة الأولى على الإطلاق في العام التالي.
وبالنسبة لكثيرين، فإن الإيمان الراسخ بالنضال من أجل حياة أفضل دفعهم للتغلب على المصاعب.
وخلال العام الصيني الجديد في 2011، عاد وانغ ون شوه إلى مسقط رأسه في قرية خهتاو، التي تقع كذلك في جبال قويتشو، حاملا معه 130 ألف يوان اكتسبها في قوييانغ حاضرة المقاطعة.
وبدلا من إنفاق المال على منزله الجديد، قرر يانغ بعد رؤيته لأوضاع الطرق السيئة واستماعه لشكاوى القرويين، استخدام المال لبناء طريق يربط القرية بالقرى الواقعة خارج الجبال.
وانتشرت القصة سريعا بين القرى الجبلية، ما ألهم 21 شابا آخرين للانضمام إليه في السفر إلى قوييانغ للحصول على المزيد من المال. كما ألهم القرويين لتقديم إسهاماتهم في هذا المشروع.
وآتت ألف يوم من العمل الشاق ثمارها، ببناء طريق يمتد لمسافة كيلومترين عبر الوادي بمحاذاة القرى.
واليوم، تم بناء أكثر من 30 منزلا جديدا في القرية منذ افتتاح الطريق، وعاد الكثير من الشباب إلى القرية لبدء مشاريع تجارية خاصة بهم.
وبالنسبة لليو تزونغ لو، فإن المهمة الرئيسية لمكافحة الفقر تكمن في امتلاك رؤية شاملة وإدراك مطالب السوق.
وبوصفه بستاني ذا أصول عريقة في جبال ييمنغ في مقاطعة شاندونغ شرقي الصين، اعتاد ليو بيع فاكهته إلى القرويين القريبين فقط ، حتى سمع بأن الخوخ يمكن أن يباع بسعر أعلى في دبي. بيد أن الخوخ الصيني لا يمكنه الوصول إلى هناك طازجا بسبب بعد المسافة.
ومع اطلاعه على أخبار بشأن مبادرة الحزام والطريق، ذهب ليو إلى شانغهاي لاستشارة خبراء بشأن حفظ الفاكهة، وعدل من شكليات الجمارك بعد زيارة هيئات جمركية.
وبعد 17 يوما، وصل 20 ألف كيلوجرام من خوخ ليو إلى دبي، محققا أرباحا تفوق بأضعاف أرباحه في السابق، حيث تم بيع الخوخ بأكثر من 20 يوانا للكيلو الواحد هناك بالمقارنة مع أقل من يوان واحد للكيلو في شاندونغ.
هذه هي روح أشد الناس احتياجا في الصين، والذين عانوا من الفقر لسنوات، حيث رفضوا الخضوع للصعوبات، وانطلقوا بدلا من ذلك خارج دائرة الفقر تحت قيادة الحزب.
وبإطلاقه النفير للمهمة النهائية نحو أهداف الصين لعام 2020، قال شي قبل خمسة أعوام في مؤتمر صحفي عقب المؤتمر الوطني الـ18 للحزب الشيوعي الصيني، "إن تلبية رغبة الشعب في حياة سعيدة هي مهمتنا."
ولهذا تملأ الشعب الثقة والعزيمة.
قال لي قوه تشي، وهو مزارع في قرية فقيرة في مقاطعة سيتشوان "لا يمكننا السماح بأي تكاسل إذا كنا نريد حقا التخلص من الفقر"، مضيفا "يتعين علينا مكافحة الفقر، حتى لو لم يتبقى سواي في دائرة الفقر".