واشنطن 14 أغسطس 2017 / تئن الولايات المتحدة بعد مقتل سيدة وإصابة آخرين خلال اشتباكات وقعت في نهاية الأسبوع بين متظاهرين من السلطة البيضاء ومتظاهرين معارضين لهم. ويخشى الخبراء من تزايد مثل هذه الحوادث وسط قفزة حدثت مؤخرا في عدد الجماعات المناصرة لتفوق البيض.
ففي يوم السبت الماضي بمدينة شارلوتسفيل في فرجينيا، صورت تقارير مشهدا عنيفا يلقى فيه مناصرو تفوق البيض قضبانا وعصى ودروعا على آخرين يتظاهرون ضدهم، ليصيبوا بعضهم البعض بنزيف وكدمات.
وفجأة وبدون سابق إنذار، اندفع وسط هذه الفوضى سائق بسيارته وسط مجموعة من المتظاهرين المتضادين، ما جعل بعضهم يطير في الجو وليسفر ذلك عن مقتل سيدة (32 عاما) وإصابة قرابة 12 آخرين.
ويؤكد العنف الذي وقع في عطلة نهاية الأسبوع تنامي حركة تفوق البيض في الولايات المتحدة. ورغم أن مثل هذه المجموعات مازالت قائمة على الهامش، إلا أن بعض الخبراء يخشون من تنامي أعدادها.
فقد ذكر دان ماهافي كبير نواب رئيس مركز الدراسات التابع للكونغرس والرئاسة ومدير السياسات بالمركز في تصريحات لوكالة أنباء ((شينخوا)) أن "ما حدث في شارلوتسفيل هو نتيجة سامة لتنامي النازيين الجدد، وهي حركة قومية من البيض شعرت بشكل جزئي بالجرأة من خلال بعض تصريحات الرئيس ترامب".
وأضاف ماهافي "والأهم من ذلك أن (هذه الجماعات حفزها) نمو حركات يمينية وجدت غرفة صدى صوت لكي تنمو وتزدهر على شبكة الإنترنت".
ومن جانبه، أوضح مركز قانون الفقر الليبرالي الجنوبي في تقرير نشر في وقت سابق من العام الجاري أن عدد جماعات الكراهية الموجودة في الولايات المتحدة والنشطة في عام 2016 ارتفع إلى 917 -- بزيادة عن 892 في عام 2015.
وأشارت المنظمة إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ساهم في تنشط هذا اليمين المتطرف، إذ يرى البعض من اليمين المتطرف أن ترامب يقف في جانبهم من خلال التعليقات التي صرح بها خلال حملته والتي قارن فيها المهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين بالمغتصبين خلال خطاب وعد فيه بوقف الموجة الهائلة من الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة.
وفي حديثه عن المظاهرات التي جرت في نهاية الأسبوع ، ذكر ماهافي أنه "مع اقترانهم مع حركات ميلشيات يمينية أخرى، كانوا في حالة شارلوتسفيل أفضل تسليحا وتنظيما من الشرطة".
وفي الواقع أفادت تقارير إعلامية بأن الشرطة فشلت في تشكيل حاجز بين المجموعتين، وهو إجراء شرطي معياري يتخذ في مثل هذه الحالات، ولكن يبدو أن الفوضى طغت على الشرطة.
وقال ماهافي إن "أكثر ما يثير القلق حيال شارلوتسفيل هو أن عضوا واحدا على الأقل تبني على ما يبدو تكتيكات الهجوم بسيارات التي يستخدمها داعش، ومن ثم يكمن القلق في أن ذلك سيلهم المقلدين الذين يريدون تنفيذ مزيد من أعمال الإرهاب الداخلية".
-- توقع.. مزيد من العنف مستقبلا
وذكر داريل ويست الباحث الزميل بمؤسسة ((بروكينغز)) لـ((شينخوا)) أن الولايات المتحدة قد تعيش مزيدا من هذا العنف إن لم يشهد أنصار ترامب -- الذين صوت العديد منهم لصالحه لأنهم يعانون جراء أوضاعهم المالية -- تحسنا في حياتهم.
وأشار ويست إلى أن "مؤيدي ترامب يتوقعون أن يجعل الرئيس حياتهم أفضل. وإذا لم يحدث هذا، فسيشعرون بخيبة أمل عميقة ومن المرجح أن يزداد شعور الإحباط في نفوسهم".
وهذا، كما يعتقد ويست، سيزيد من عدد المنخرطين في ممارسات عنصرية وفوضى سياسية.
وذكر أن "هناك خطر كامن في أن ينضموا إلى أشخاص يماثلونهم في التفكير وينخرطون في سلوك عنصري وعنف سياسي".
وأوضح أن "السنوات القادمة قد تكون أكثر تقلبا واضطرابا في الولايات المتحدة".
-- البيض.. حالة إحباط لدى القوة العاملة
ويشكل نمو هذه المجموعات أحد المظاهر الجذرية للتغيرات الكبيرة التي تؤثر على الطبقة البيضاء، الأمريكيين من الطبقة العاملة، وهي فئة شعرت بلدغة البطالة في العقود الأخيرة مع انتقال الوظائف بالمصانع إلى المكسيكيين أو المغتربين.
وفي الواقع، في الوقت الذي يحوم فيه معدل البطالة الرسمي في الولايات المتحدة حول حوالي 5 في المائة، لا يحسب هذا الرقم سوى أولئك الذين يسعون بنشاط إلى العمل بدوام كامل، ويعتقد الكثيرون أن العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.
وقد تخلى الكثير من الأمريكيين -- الكثير منهم من البيض في المناطق الريفية -- عن البحث عن عمل نتيجة الافتقار التام للآفاق. وعلاوة على ذلك، يقول النقاد إن هذا المعدل ينحرف عن الوضع الحقيقي. فعلي سبيل المثال، يتم حساب مهندس خارج العمل، يقوم بأعمال بستنة في حديقه جاره ليتقاضى 20 دولارا أمريكيا في اليوم وهي تكفي لشراء وجبتي طعام -- كشخص عامل من قبل المكتب الحكومي الذي يجمع تقارير عن العاطلين عن العمل في الولايات المتحدة.
وهناك كثيرون آخرون لا يجدون سوى عمل بدوام جزئي، رغم أن هذا الوضع يختلف اختلافا تاما مع حالة التوظيف في مدن كبرى مثل واشنطن العاصمة ونيويورك. ففي تلك المدينتين وغيرهما من المدن الكبرى، تكون الأجور مرتفعة والوظائف وفيرة.
وبالإضافة إلى ذلك، يشعر العديد من أفراد الطبقة العاملة أن نظم حياتهم ومعتقداتهم تتعرض للتهديد من قبل ما يعتبرونه حكومة نخبة في واشنطن لا تضع مصالحهم الفضلى في اعتبارها.
وفي وقت يوجد فيه 11 مليون مهاجر غير شرعي في البلاد، يعتقد كثيرون -- سواء كانوا على صواب أو خطأ -- أن الأجور في صناعات مثل البناء تنخفض بسبب المهاجرين غير الشرعيين.
وهؤلاء السكان انتابهم الغضب في وقت من الأوقات، ورأوا في ترامب شخصا سيعيد إليهم فرص العمل ويرحل المهاجرين غير الشرعيين الذين يعتقدون أنهم يأخذون وظائفهم ويصحح ما يرون أنه ممارسات تجارية غير عادلة يشعرون أنها تهدد سبل عيشهم.
ومع ذلك، فإن العديد من مؤيدي ترامب يسارعون إلى الإشارة إلى أن العنف الذي وقع في نهاية الأسبوع لا يشكل سوى مجموعة هامشية من مؤيدي ترامب. ويشير آخرون إلى أن معظم الأمريكيين لا يركزون على الوضع السياسي للأمة مثل الأقليات الصاخبة من الجانبين.
ويقول بعض مؤيدي ترامب غير المتطرفين إن الذنب ليس ذنب ترامب في أن يمينيين متطرفيين اتبعوه، مضيفين أن العديد من البيض المتطرفين يفسرون تصريحات ترامب بالمعني الذين يريدوه المتطرفون.
ويرى آخرون أن كلمة يتفوه بها الرئيس الأمريكي يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة، وأنه لابد لترامب من توخى الحذر فيما يقوله في ضوء ما هو معروف عنه من اندفاعات عاطفية وتصريحات مبالغ فيها.