بكين 8 مارس 2017 / في هذه الأيام ، تعقد الدورتان السنويتان للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني في بكين وقد أدرجت مبادرة الحزام والطريق الهادفة إلى تحقيق المنفعة المتبادلة والكسب المشترك ضمن أجندتهما الهامة.
وقد قوبلت الدورتان اللتان تمثلان نافذة لا غنى عنها للعالم الخارجي لمعرفة الصين باهتمام عالمي كبير حيث قدر السفير السعودي لدى الصين تركي بن محمد الماضي أهمية هاتين الدورتين التشريعيتين في إطار مبادرة الحزام الطريق، قائلا إن الاهتمام بالدورتين أمر طبيعي في ضوء دور الصين المهم على كافة المستويات وأهميتها كمحرك مهم للاقتصاد العالمي، وبالتالي سيكون للدورتين أصدائهما وآثارهما. وأعرب عن تمنياته للصينيين بالتوفيق سواء من خلال الدورتين أو ما تنتج عنهما من نتائج تنعكس إيجابا ليس على الصين فحسب، وإنما على الدول المحيطة بالصين والدول الأخرى منها الدول العربية.
وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي اليوم (الأربعاء ) في مؤتمر صحفي عقد على ماهش الدورتين السنويتين إن الوضع في الشرق الأوسط عاد مجددا إلى مفترق طرق حاسم، في ظل تنامي عدم الاستقرار والأمل في السلام .
وأضاف وانغ إن وجهة نظر الصين تجاه قضية الشرق الأوسط تتمحور حول ضرورة دفع الوضع الإقليمي قدما في الاتجاه الصحيح، مؤكدا على ضرورة محافظة البلدان المعنية في الشرق الأوسط على الإجماع الدولي لمكافحة الإرهاب والتمسك بالهدف السليم الساعي إلى تسوية سياسية للقضايا الساخنة ووضع الأمم المتحدة في مكان قائد عملية السلام في الشرق الأوسط .
من جانبهم، ثمن خبراء صينيون ودبلوماسيون النتائج المثمرة للتبادلات بين الصين والعالم العربي التي تحققت على مدى السنوات الماضية، مؤكدين أن ثمة فرص ذهبية تقف حاليا أمام تعاون صيني - عربي أرحب.
أساس الثقة المتبادلة ...أكثر متانة
وفي الذكرى الـ60 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية، قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بجولة خارجية شملت السعودية ومصر وإيران في بداية العام الماضي،ألقى خلالها خطابا هاما أمام العالم العربي من مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، حيث شرح مفهوم تطوير التعاون الصيني العربي بشكل منظم وأعلن سلسلة من المبادرات التعاونية الهامة، وهو ما وضع خطة كبيرة لتنمية العلاقات الصينية العربية.
وفي هذا الإطار، قال السفير السعودي تركي بن محمد الماضي خلال مقابلة خاصة أجرتها معه وكالة أنباء ((شينخوا))، قبيل الزيارة التي يعتزم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز القيام بها في منتصف شهر مارس، إن "الزيارة تؤكد عمق العلاقات ومدى الاهتمام المشترك بين البلدين. إننا نتحدث عن علاقات ديناميكية متطورة ومنتجة وبراغماتية في خط تصاعدي.. واعتقد أن هذه الزيارة ستكون متممة لما سبق من إنجازات على الأرض".
ومن هنا أكد تيان ون لين الباحث بمعهد الصين للدراسات الدولية المعاصرة أن أساس الثقة المتبادلة بين الصين والدول العربية أصبح أكثر متانة، قائلا إن الصين تدعم دائما اختيار الدول العربية لطريق التنمية الذي يتماشي مع ظروفها الوطنية المحلية، وتدعم عملية السلام في الشرق الأوسط وكذا إقامة دولة فلسطينية مستقلة، فيما تقدم الدول العربية دعما ثمينا للصين في القضايا المتعلقة بمصالحها واهتماماتها الرئيسية.
وأضاف تيان أن الصين أسست علاقات إستراتيجية مع 8 دول عربية وهناك 7 دول عربية أصبحت من الأعضاء المؤسسين للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية. ويزداد تصميم القيادة العليا في الصين على تعزيز التواصل وتوطيد الثقة المتبادلة بين الجانبين الصيني والعربي، الأمر الذي يشكل منصة سياسية متينة للتعاون في شتي المجالات، مشيرا إلى أن الحكومة الصينية أصدرت وثيقة حول سياسة الصين تجاه الدول العربية، أصبحت بمثابة خارطة طريق هامة للعلاقات الصينية العربية ودليل عمل لها.
ومن جانبه، قال لي تشنغ ون سفير شؤون منتدى التعاون الصيني العربي بوزارة الخارجية الصينية، إنه على ثقة بأن خطة التعاون بين الصين والدول العربية ستصبح أكثر إشراقا في إطار مواصلة دفع مبادرة الحزام والطريق، مضيفا أنه في ظل اهتمامها بتطوير علاقاتها مع الوطن العربي، ستعقد الصين حوارا إستراتيجيا سياسيا بين الجانبين في عام 2017 لتعزيز التنسيق في القضايا الإقليمية والدولية.
روابط التعاون الاقتصادي ... أكثر قوة
وقال وو سي كه المبعوث الصيني الخاص السابق للشرق الأوسط إن روابط التعاون الاقتصادي متبادل المنفعة بين الصين والدول العربية صارت أكثر قوة ومتانة.
فخلال جولة الرئيس شي بالشرق الأوسط في العام الماضي، وقعت الصين مع السعودية ومصر وإيران 52 اتفاقية، تنفيذا للفكرة التي طرحها الرئيس شي في الدورة السادسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي عام 2014 والمتعلقة بالتشارك الصيني العربي في بناء الحزام والطريق والمتمثلة في معادلة "1+2+3" التي تتخذ من مجال الطاقة محورا رئيسيا، ومن مجالي البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار جناحين، ومن المجالات الثلاثة ذات التقنية المتقدمة والحديثة وهي الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقة الجديدة نقاط اختراق.
وأكد وو أن الدول العربية باتت الآن من أهم شركاء التعاون في مجال الطاقة وأهم الأسواق للمقاولات الهندسية والاستثمارات الأجنبية بالنسبة للصين. وقد أصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاري للعالم العربي وأكبر شريك تجاري لـ10 دول عربية.
وأضاف أنه خلال العامين الماضيين، بلغت قيمة عقود المقاولات الهندسية التي وقعت عليها الصين مع دول عربية قرابة 50 مليار دولار أمريكي. وأسس الجانبان الصيني والعربي صندوقين استثماريين مشتركين، أطلقا مشروعات ضخمة في مجالات مثل بناء القدرة الإنتاجية، وتكرير البترول، والبنية التحتية للموانئ.
وتابع وو بقوله إن المفاوضات المتعلقة بإقامة منطقة تجارة حرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي حققت تطورات إيجابية، حيث أنهى الجانبان المفاوضات الجوهرية لتجارة البضائع مبدئيا واتفقا على بذل جهود للتوصل إلى اتفاقية منطقة التجارة الحرة.
وأفاد بأن مركز نقل التكنولوجيا بين الصين والدول العربية قد اكتمل تأسيسه، وتم التوقيع على الاتفاقية التعاونية لمشروع مستخدمي نظام الأقمار الصناعية الملاحية "بوصلة" وتم الانتهاء من الاستعدادات لتأسيس مركز التدريب العربي للاستخدام السلمي للطاقة النووية ومركز التدريب للطاقة النظيفة.
كما صار بإمكان الصين والبلدان العربية العمل تدريجيا على توسيع التعاون الثنائي أو متعدد الأطراف في تبادل العملات بعدما تم إدراج العملة الصينية في سلة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي في أكتوبر الماضي، في تكملة لنقص في أصول احتياطي النقد الأجنبي المفضلة، وهما الذهب والدولار الأمريكي.
ميزات الجانبين... تكاملية
كما أشار تيان ون لين إلى أن الصين والعالم العربي لديهما ميزات تكاملية، موضحا أن بعض الدول العربية تشهد حاليا تغيرات، فعلى الصعيد الداخلي أصبح الحفاظ على الاستقرار هو التوافق الأساسي لشعوب الدول العربية، حيث تسعى بعض الدول مثل مصر إلى دفع تحفيز النمو وإطلاق التصنيع وإعادة التصنيع من خلال تنفيذ مشروعات ضخمة. وعلى الصعيد الخارجي، بدأت الدول العربية تتجه شرقا وتدفع تنمية العلاقات مع الاقتصادات الناشئة. وفي هذا الإطار، تتيح المبادرة فرصا تاريخية للتعاون الصيني العربي وتساعد على تحقيق التحول الاقتصادي الصناعي في الأقطار العربية.
إن دفع الصين التعاون الدولي في القدرة الإنتاجية يتوافق مع المتطلبات الواقعية للكثير من الدول العربية في دفع عملية التصنيع الجديد. وإن بناء خطوط الإنتاج أو إنشاء المجمعات الصناعية من خلال التعاون الدولي في القدرة الإنتاجية بهدف تجهيز الموارد بشكل عميق وتمديد السلسلة الصناعية وسلسلة القيمة ودفع تطوير الشركات المتوسطة والصغيرة الحجم والصناعات ذات الصلة، يفيد الدول النامية الساعية إلى دفع التصنيع بشكل حثيث، هكذا أوضح السفير السابق وو سي كه.