بكين 25 يناير 2017 / سحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الاثنين بلاده رسميا من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التجارية، وهي بداية لتحول مثير للقلق في السياسات التجارية على أيدي الإدارة الجديدة.
فقد تعهد ترامب طوال حملته "بجعل أمريكا بلدا عظيما مرة أخرى" من خلال وضع "أمريكا أولا". ويصر على أنه من خلال التفاوض لإبرام اتفاقات تجارة ثنائية، وليس اتفاقات متعددة الأطراف، يمكن حماية المصالح الأمريكية بصورة أفضل.
كما يسعى الزعيم الأمريكي الجديد إلى إعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) مع كندا والمكسيك، وتعهد "بتمزيقها" إن لم تكن في صالح أمريكا.
وبالنسبة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ والعالم الأوسع، فإن إجهاض اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ أمر لا يدعو إلى الكثير من الأسف لأنها تفتقر إلى شمولية كافية سواء من حيث الاستفادة الكاملة من الإمكانات الاقتصادية للمنطقة أو تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي.
ولكن على المجتمع الدولي أن يعتبر تغيير أمريكا لمسارها طلقة تحذير بأن أكبر اقتصاد في العالم يحاول الابتعاد ليس فقط عن اتفاقية تجارة إقليمية، وإنما أيضا عن نظام تجارة عالمي قائم على قواعد، نظام يشكل مكونا رئيسيا للنظام الاقتصادي العالمي الذي تأسس في فترة ما بعد الحرب.
وبدون وجود قواعد لعبة تجارية معترف بها عالميا، فإن نهج التجارة الثنائية فقط يمكن أن يولد بسهولة الانتقام المتبادل بين أي دولتين تجاريتين.
وفي هذه الحالة، فإنه إذا ما فرضت دولة رسوما عقابية على واردات دولة أخرى، فمن المرجح أن يرد الطرف الآخر على ذلك. وبهذا ستتصاعد الحمائية التجارية ولن يكون هناك رابح.
وفي المقابل، تم إنشاء آليات تجارية متعددة الأطراف مثل منظمة التجارة العالمية بهدف إتاحة ساحة منافسة تقوم على قدم المساواة، وزيادة التجارة لكل مشارك، وإدارة النزاعات التجارية بين جميع الدول سواء كانت كبيرة أم صغيرة مع الوقوف أمام نفس مجموعة الحقوق والواجبات.
وفيما تعد الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف الأكثر تفضيلا، يكمن التحدى في أن الأمر قد يستغرق سنوات أو حتى عقود لكي يتفق جميع الموقعين على أي شيء مدرج في قوائم رغباتهم. وجولة الدوحة من المحادثات التجارية المتوقفة منذ فترة طويلة خير دليل على هذه المعضلة. ولكنه ليس أمرا في غاية التعقيد.
والآن بدأت العديد من الدول حول العالم في دراسة إبرام اتفاقيات تجارة حرة ثنائية وإقليمية مثل الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية، وهي اتفاقية تجارة حرة مقترحة تضم أعضاء الآسيان (رابطة دول جنوب شرق آسيا) العشر وست دول في المنطقة، وتمثل مكملات هامة للنظام التجاري متعدد الأطراف.
إن التعديلات المدخلة على السياسات التجارية من قبل البيت الأبيض تحت إدارة ترامب قد تكون إيجابية بالنسبة للولايات المتحدة على المدى القصير، ولكن هذا الاندفاع العابر لن يساعد في دفع الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي هناك حاجة ماسة لها داخل الولايات المتحدة لتحسين الرعاية الاجتماعية ونظم إعادة توزيع الدخل وتدريب قوى عاملة عالية المهارة تستطيع التكيف مع مشهد اقتصادي عالمي لم يشهد تغيرا كهذا من قبل.
والأكثر من ذلك أن أجندته التجارية الحمائية وضعت سابقة خطيرة للاعبين التجاريين في جميع أنحاء العالم، سابقة تركز على القوة وليس القواعد وتشجع على المنافسة من أجل تحقيق المصالح الذاتية وليس على تقاسم المنافع.
قد لا يكون النظام التجاري العالمي الحالي مثاليا، ولكن يمكنه على الأقل دفع النمو والعدالة الاقتصاديين في نفس الوقت. وإن رفض العولمة الاقتصادية سيقوض كل منهما.