بقلم لين مين وانغ، باحث في معهد الدراسات الدولية بجامعة فودان وباحث زائر في مركز البحوث والابتكار التعاوني لبحر جنوب الصيني في جامعة نانجينغ
خلال عام 2016، وبرغم التغيرات الكثيرة المعقدة في الدول المجاورة للصين، إزدادت القوة المؤثرة الصينية في تلك الدول بصورة ملحوظة. القضايا التي تشمل الولايات المتحدة الأمريكية، مثل النزاع في بحر الصين الجنوبي وتعديل إدارة أوباما لاستراتيجية "إعادة التوازن" في منطقة آسيا- المحيط الهادئ" وغيرها، كانت العوامل الرئيسية التي أثرت في الدبلوماسية الصينية عام 2016. ولكن، بفضل حرص كافة الأطراف المعنية على المصلحة العامة بشكل جيد، لم تحدث مواجهات دبلوماسية. مع نجاح مرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، في الوصول إلى البيت الأبيض ليصبح بذلك الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأميركية، قد يشهد وضع الجوار الصيني تغيرا جديدا. الصين، بغض النظر عن التغيير، ستواصل الحفاظ على تركيزها الاستراتيجي وصبرها المستمر لخلق بيئة جوار مواتية.
زيادة تأثير الصين في دول الجوار
في عام 2016، شهد العديد من الدول المجاورة للصين تغيرات سياسية، ولكنها لم تنتج عوامل سلبية لعلاقاتها الثنائية مع الصين، بل تتحسن علاقاتها مع الصين في الواقع.
في الثلاثين من مارس 2016، تم تشكيل حكومة ميانمار الجديدة بقيادة الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية. وفي أغسطس قامت زعيمة الرابطة أونغ سان سو تشي بزيارة إلى الصين، في أول جولة خارجية لها بعد تولي الحكومة السلطة في الأول من إبريل 2016، مما يدل على أهمية الصين في علاقاتها الدبلوماسية.
في أواخر يناير 2016، عقدت الجلسة الكاملة الأولى للجنة المركزية الثانية عشرة للحزب الشيوعي الفيتنامي، حيث تم انتخاب الأمين العام وأعضاء المكتب السياسي الجدد للحزب، وتم اختيار نغوين فو ترونغ أمينا عاما للحزب الشيوعي الفيتنامي. انسحب نغوين تان دونغ، رئيس الوزراء السابق للحكومة الفيتنامية، من اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الشيوعي الفيتنامي. هذا يعني فريق "المعتدلين" في فيتنام قد انتصر. في منتصف سبتمبر 2016، قام نغوين شوان فوك، رئيس وزراء الحكومة الفيتنامية الجديدة، بأول زيارة له إلى الصين بعد تولي منصبه، مما لعب دورا هاما في استقرار بحر الصين الجنوبي بشكل ملحوظ.
في أواخر مايو 2016، انتخب رودريغو دوتيرتي رئيسا جديدا للفلبين، وقام بزيارة إلى الصين في أكتوبر، أذابت جليد العلاقات الثنائية بين الصين والفلبين بعد قضية التحكيم في بحر الصين الجنوبي، وكذلك فقدت الولايات المتحدة الأمريكية أهم قطعة في رقعة شطرنج "إعادة التوازن" في منطقة آسيا- المحيط الهادئ".
في الوقت نفسه، وقعت بعض الحوادث السياسية غير المتوقعة في بعض الدول المجاورة للصين، ولكنها لم تؤثر على الاستقرار السياسي في هذه الدول. في الثالث عشر من أكتوبر 2016، توفي بوميبول أدولياديج، ملك تايلاند. وقد خشى كثير من المحللين من وقوع اضطرابات داخلية في تايلاند، ولكن في الواقع، الوضع فيها أكثر إيجابية من التوقع. في الثاني من سبتمبر 2016، توفي رئيس أوزبكستان إسلام كريموف، وعلى الرغم من القلق بشأن الاستقرار السياسي في آسيا الوسطى، لم يحدث أي اضطراب حتى الآن، وما زالت أعمال الانتخاب تعمل بشكل طبيعي.
"الهبوط الناعم" في قضية بحر الصين الجنوبي
تكتسب سياسات الصين بشأن مطالبها في بحر الصين الجنوبي دعما متزايدا من الدول المجاورة لها، وتم تحقيق "الهبوط الناعم" حول قضية بحر الصين الجنوبي. على الرغم من أن هذه القضية قد سببت تأثيرا سلبيا نسبيا على علاقات الصين مع دول الجوار، ولكن موقف الصين حظي بالمزيد من التفاهم والدعم من دول أخرى خلال عملية تسوية هذه القضية.
عندما تم إعلان نتيجة "التحكيم في قضية بحر الصين الجنوبي" في الثاني عشر من يوليو 2016، روجت بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وأستراليا أن قرار التحكيم "ملزم" للأطراف المعنية في هذه القضية. ومع ذلك، فإن دول آسيان (رابطة دول جنوب شرقي آسيا) لم تدعم قرار التحكيم. في الرابع والعشرين من يوليو عام 2016، عقد اجتماع وزراء خارجية آسيان، ولم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن نتيجة التحكيم.
في الثالث عشر من يوليو 2016، أعلنت الأمم المتحدة على مدونتها الرسمية بموقع سينا ويبو أنها لا علاقة لها بمحكمة التحكيم الدائمة في لاهاي. بالإضافة إلى ذلك، أصدرت محكمة العدل الدولية، التي تعد الذراع القضائي الأساسي للأمم المتحدة ويقع مقرها في لاهاي بهولندا، بيانا رسميا قالت فيه إنها لم تشارك في "قضية التحكيم لبحر الصين الجنوبي".
وقد التزمت كافة الأطراف المعنية في هذه القضية، بما في ذلك فيتنام والفلبين وماليزيا وإندونيسيا، بموقف حذر من نتيجة التحكيم، الأمر الذي يدل على أن وسيلة التحكيم ليست مناسبة لحل قضية بحر الصين الجنوبي.
فكرة "المسار المزدوج"، التي طرحتها الصين ودول آسيان معا، هي الوسيلة الوحيدة الصائبة لحل هذه القضية، أي تسوية النزاعات سلميا من خلال المفاوضات والمشاورات بين الدول المعنية مباشرة، على أساس احترام الحقائق التاريخية وبما يتفق مع القانون الدولي. ينبغي الحفاظ على السلام والاستقرار في منطقة بحر الصين الجنوبي بالجهود المشتركة من الصين ودول آسيان.
التكامل التجاري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ
مقترحات ومبادرات التعاون الصينية تلقى في المناطق المجاورة فرص تطور مميزة، ومن المتوقع أن تحرز تقدما إيجابيا. هذا يدل على قدرة الصين المتزايدة على صياغة قواعد جديدة للتجارة والاستثمار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
حقق اقتراح الصين بشأن التكامل الاقتصادي والتجاري لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ تقدما رائعا في عام 2016، حيث أشار الرئيس شي جين بينغ في اجتماع القادة الاقتصاديين لأبيك (منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ) في التاسع عشر من نوفمبر إلى "أن الصين ستشارك بشكل عميق في العولمة الاقتصادية، وفي دعم النظام التجاري المتعدد الأطراف، وفي تعزيز إقامة منطقة التجارة الحرة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ (FTAAP)، وفي دفع التوصل لاتفاق في مفاوضات الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة في أسرع وقت ممكن."
بعد إعلان دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي المنتخب، في نوفمبر 2016، أن بلاده تعتزم الانسحاب من اتفاق الشراكة عبر للمحيط الهادئ (TPP)، أصبحت إقامة منطقة التجارة الحرة في آسيا والمحيط الهادئ موضوعا في اجتماع القادة الاقتصاديين لقمة أبيك في ليما 2016، التي وضعت في صدارة جدول أعمالها "التقرير البحثي عن الاستراتيجية الجماعية لمناطق التجارة الحرة في آسيا والمحيط الهادئ" المقدمة من قبل الاجتماع الوزاري لأبيك، ويعتزم هذا التقرير اتخاذ منطقة التجارة الحرة هذه كمنصة رئيسية لتكامل اقتصاد آسيا والمحيط الهادئ في المستقبل. الأمر الذي يرمز إلى أن الصين بدأت تلعب دورا رائدا في تكامل الاقتصاد الإقليمي.
شهدت مبادرة" الحزام والطريق" تقدما كبيرا في عام 2016، إذ بدأ رسميا تشغيل ميناء جوادر في باكستان في الثالث عشر من نوفمبر، مما حول مفهوم الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان إلى واقع ملموس، وفتح صفحة جديدة للتواصل في جنوبي آسيا. وفي يونيو، تم استئناف العمل في مشروع بناء ميناء كولومبو في سريلانكا، بعد توقف لفترة بسبب مشاكل سياسية داخلية هناك. القوة الاقتصادية الصينية تتحول إلى قدرة على تشكيل القواعد الإقليمية.
السعي للمستقبل المؤمن والمستقر في ظل حالة غير المحددة
بطبيعة الحال، عانت الدبلوماسية الصينية أيضا من بعض العوامل السلبية في عام 2016. في السادس من يناير، وفي التاسع من سبتمبر، قامت جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية بإجراء تجربتين نوويتين، كل على حدة، متحدية العالم، فتفاقم الوضع في شبه الجزيرة الكورية. وردا على ذلك، أعلنت جمهورية كوريا والولايات المتحدة الأمريكية، في الثامن من يوليو، بالإعلان عن نشر نظام "ثاد" المضاد للصواريخ في جمهورية كوريا بحلول نهاية عام 2017. ولكن مدى نظام "ثاد" أبعد من الاحتياجات الدفاعية في شبه الجزيرة الكورية، وسوف يؤثر على الاستقرار الإقليمي.
علاوة على ذلك، حدث هجومان إرهابيان ضد القواعد العسكرية الهندية في عام 2016. اتهمت الهند باكستان بأن لها يد بالخفاء في الهجوم، بالتالي ضخ المزيد من العداء في علاقاتهما الثنائية. وقد وجهت الهند اتهاما للصين بصفتها شريك باكيتان، واتهمتها بالانحياز لصالح باكستان. هذا يسبب تأثيرا سلبيا على العلاقات بين الصين والهند إلى حد ما.
الوضع في المناطق المجاورة للصين مستمرة في التغير والتطور، وسوف تواجه العديد من الأحوال غير المحددة في 2017. العامل الأكثر أهمية هو السياسة الخارجية لدونالد ترامب تجاه آسيا. تصريحاته خلال حملة الانتخابات الرئاسية أثرت بالفعل على السياسات الدبلوماسية للدول المجاورة للصين.
الصين لا تزال بحاجة إلى إعطاء الاعتبار الكامل للعوامل الأمريكية، واهتمام بتطوير علاقتها الثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية بشكل جيد. وفي الوقت نفسه، عندما تنظر في استراتيجيتها الدبلوماسية مع الدول المجاورة، يتعين على الصين الجمع بين التمسك بالمبدأ والتعامل مع المشكلات الفعلية بشكل مرن. الشيء الأهم هو أن تجتهد الصين في تخطيط وإقامة منظومة أمنية من نمط جديد، تعكس الاحتياجات الإقليمية وتتفق مع مصالح الأطراف المعنية وتقبلها كافة الأطراف في المناطق المجاورة لها، وذلك لمواكبة التنافس المتعاظم بين القوى العظمى، والناجم عن تعديل البيئة الجيوسياسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
إن دعوة الصين إلى استراتيجية أمنية مشتركة وشاملة وتعاونية ومستدامة لآسيا، يمكن أن تشكل البنية الفكرية لهذه البيئة الجيوسياسية. النقطة الأكثر أهمية هي أن يتم تشكيل آلية تنفيذية فعالة، يمكن لها أن تلعب دورا رئيسيا في السيطرة على نقاط النزاعات الإقليمية الساخنة والحفاظ على الأمن الإقليمي الكامل.