14 أغسطس عام 2015، التقط العاملون من شركة سينوبك الصينية وشركة أرامكو السعودية صورة جماعية أمام منصة حفر بئر نفط في شرقي السعودية. |
بقلم وو يي هونغ، باحث بمركز بحوث القضايا الدولية التابع لوكالة شينخوا للأنباء
كان عام 2016 عاما غير عادي للأعمال الدبلوماسية الصينية. ففي ظل أوضاع دولية معقدة بشكل غير مسبوق، أكدت الدورة الجديدة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، باعتبار شي جين بينغ نواتها، عزمها على تنفيذ الاستراتيجيات الدبلوماسية برؤية وتدبير الخطط الدبلوماسية بدقة وتخطيط الأوضاع الدبلوماسية للصين بشكل كامل، فظهرت نقاط لامعة في الأعمال الدبلوماسية الصينية.
في بداية العام، أصدرت الصين ((وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية))، وهي الأولى من نوعها، وتناولت بالتفصيل علاقات التعاون الاستراتيجية بين الصين والدول العربية.
في الفترة من التاسع عشر حتى الثالث والعشرين من يناير، قام الرئيس شي جين بينغ بزيارة دولة إلى كل من السعودية ومصر وإيران. كانت هذه الجولة بمثابة مقدمة مهدت للأعمال الدبلوماسية الصينية في عام 2016، كما أنها أول زيارة قام بها رئيس الصين لهذه المنطقة بعد الاضطرابات التي اندلعت في غربي آسيا وشمالي أفريقيا.
دور صيني بنّاء في الشرق الأوسط
منذ فترة، حددت الصين أن علاقاتها مع الدول الشرق الأوسطية هي "امتداد لاستراتيجية الجوار وجزء هام في استراتيجية الجوار الكبرى" للصين، وتنظر إلى دور الشرق الأوسط من زاوية المساندة الاستراتيجية والوقاية من القوى الثلاث (قوى الإرهاب، قوى الانفصال العرقي، قوى التطرف الديني)، وتأمين إمدادات الطاقة وكبح جماح الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الزوايا. وقد اتخذت دول الشرق الأوسط موقفا متشككا وحذرا من أغراض الصين. في الحادي والعشرين من يناير عام 2016، ألقى الرئيس شي جين بينغ خطابا في مقر الجامعة الدول العربية بالقاهرة، أكد فيه بوضوح أن السياسة الخارجية الصينية لا تهدف إلى تنصيب الوكلاء في الشرق الأوسط، ولا إلى انتزاع ما يسمى بمجال النفوذ ولا تنوي "ملء الفراغ." وقال "إن الصين تريد أن تكون بانية للسلام في الشرق الأوسط، ودافعة لتنميتها، ومساهمة في تطوير صناعتها، وداعمة لتثبيت استقرارها، وشريكة في تعزيز تفاهم شعوبها." كان ذلك ردا على شكوك وهواجس دول الشرق الأوسط، وإعادة تأكيد على مبادئ السياسة الخارجية الصينية في العصر الجديد، المتمثلة في عدم ممارسة الهيمنة، وعدم السعي إلى المصالح الخاصة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
تحولت طريقة تفكير الصين في معالجة القضايا الساخنة في منطقة الشرق الأوسط من موقف عدم الخوض في القضايا الساخنة في الشرق الأوسط عامةُ، مع فعل بعض الأشياء لتسويتها إلى التقدم الإيجابي وتعزيز التخطيط والمشاركة في الحوكمة وزيادة قوة تأثير الصين، وحددت الصين هدفها وسياستها وآلياتها لمعالجة القضايا الساخنة في الشرق الأوسط، الأمر الذي شكل أسلوب عمل للدبلوماسية الصينية ذا خصائص مميزة لمعالجة القضايا الساخنة في الشرق الأوسط بصورة أولية.
من خلال زيارة الدولة التي قام بها الرئيس شي جينغ بينغ للسعودية ومصر وإيران في بداية السنة، حققت الصين تغطية كل العالم بدبلوماسية القوة الكبرى الصينية، وأظهرت اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط ومساهمتها لهذه المنطقة.
أعمال جيدة للتعاون الصيني- العربي
في الثاني عشر من مايو، عقدت بنجاح الدورة السابعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي في الدوحة، عاصمة دولة قطر. وقد أجازت تلك الدورة ((إعلان الدوحة)) و((البرنامج التنفيذي للمنتدى 2016- 2018))، حيث تم تحديد أهداف التعاون في ثمانية عشر جزءا تغطي ستة وثلاثين مجالا، والتأكيد من جديد على التوافق حول التعاون الصيني- العربي تحت إرشاد البناء المشترك لـ"الحزام والطريق"، وطرح خطة مفصلة لتنفيذ الخطوة التالية من التعاون الجماعي بين الصين والدول العربية. وقد عبرت الدول التي شاركت في تلك الدورة عن دعمها لموقف الصين في قضية بحر الصين الجنوبي، مما حقق اختراقا جديدا في التعاون الجماعي بين الصين والدول العربية.
حتى نوفمبر عام 2016، بلغ عدد الدول العربية التي أقامت الصين معها علاقات الشراكة الاستراتيجية ثماني دول، كما وقعت الصين اتفاقية بناء "الحزام والطريق" مع ست دول عربية، وقد أصبحت سبع دول عربية دولا مؤسسة للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.
الدبلوماسية الصينية الإيجابية تجاه الشرق الأوسط لا تتجنب القضايا الإقليمية الساخنة. في قضية سوريا، تتمسك الصين بنقطتين؛ الأولى هي معارضة تدخل القوى الخارجية لإسقاط السلطة الشرعية في سوريا بالقوة، والثانية هي الدعوة إلى معالجة الأزمة بالسبل السياسية. لقد عملت الصين بنشاط على التوسط بين الأطراف المعنية في الصراع السوري، واستقبلت وفودا من الحكومة السورية ومن المعارضة السورية لحثها على المصالحة والتفاوض. وفي الوقت نفسه، قام وفد عسكري صيني بزيارة سوريا، حيث تبادل الجانبان الآراء حول مكافحة الإرهاب وتعزيز التعاون في ضمان الأمن في المجالات العسكرية.
بالنسبة لقضية فلسطين، تؤكد الصين على أن القضية الفلسطينية لا يجوز تهميشها، ناهيك عن وضعها في زاوية النسيان. تدعم الحكومة الصينية بحزم عملية السلام في الشرق الأوسط، وتدعم إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
بالنسبة لقضية اليمن، تدعم الحكومة الصينية حكومة عبد ربه منصور هادي اليمنية في حل النزاع مع جماعة الحوثي المسلحة عن طريق المفاوضات السلمية، وتأمل في مواصلة مفاوضات السلام في الكويت للتوصل إلى اتفاق سلام في أسرع وقت ممكن. وفي الوقت نفسه، تدعم حكومة الصين حكومة الوفاق الوطني في ليبيا لمعالجة الخلافات الداخلية بأسلوب مناسب لاستعادة الاستقرار الداخلي والبناء الاقتصادي وتحسين معيشة الشعب.
مبادرة "الحزام والطريق" تتقدم بشكل فعال في الشرق الأوسط
مبادرة "الحزام والطريق" فكرة استراتيجية وطنية عظيمة طرحها الرئيس شي جين بينغ انطلاقا من الأوضاع الواقعية للصين والعالم. في هذه المبادرة، تتمتع منطقة الشرق الأوسط بقيمة استراتيجية واضحة في تحقيق المنفعة المتبادلة والفوز المشترك اقتصاديا، وتحسين البيئة الجيوسياسية وبناء نظام جديد للاقتصاد الدولي، وغيرها من المجالات.
خلال عام 2016، حققت مبادرة "الحزام والطريق" الصينية الارتباط بمنطقة الشرق الأوسط، وخاصة الدول الرئيسية ذات الأهمية الاستراتيجية، لتعزيز انتقال الموارد والعناصر بشكل حر ومنتظم بين الصين ودول المنطقة وتحسين توزيع الموارد، ودفع بناء البنية التحتية في منقطة الشرق الأوسط وخلق نقطة نمو جديدة للاقتصاد والتوظيف.
التعاون بين الصين ومنطقة الشرق الأوسط يحقق الربط بين الجانبين في استراتيجية التنمية في إطار "الحزام والطريق" لتحقيق التنمية المشتركة والنمو المترابط. محور التعاون الرئيسي هو التعاون في الطاقة والجناحان المساعدان هما بناء البنية التحتية وتيسير التجارة والاستثمار والنقطة الحاسمة هي الثلاثة مجالات للتكنولوجيا العالية الجديدة؛ الطاقة النووية، الأقمار الاصطناعية الفضائية، والطاقة الحديثة.
في عام 2016، وقعت الصين اتفاقيات مقاولة للمشروعات في الدول العربية قيمتها 4ر46 مليار دولار أمريكي. واستأنف مجلس التعاون لدول الخليج العربية المفاوضات حول منطقة التجارة الحرة مع الصين، وحققت تطورات ملحوظة. وتم توقيع اتفاقيات تعاون قيمتها 183 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 8ر6 يوانات) خلال الدورة الثانية لمعرض الصين والدول العربية، ما جعل هذا المعرض منصة هامة للبناء المشترك لـ"الحزام والطريق" بين الصين والدول العربية.
في سبتمبر 2016، شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قمة مجموعة العشرين بمدينة هانغتشو تلبية لدعوة من الصين، وبذلك يكون الرئيس السيسي قد زار الصين ثلاث مرات خلال سنتين منذ توليه رئاسة مصر. وفي عام 2016، واصل حجم التبادل التجاري بين الصين ومصر ارتفاعه، على أساس حجمه الذي بلغ 9ر12 مليار دولار أمريكي في عام 2015. وقد وقعت شركة دايون للدراجات النارية في قوانغتشو وشركة الصين للزجاج ومجموعة ينغلي للطاقة الشمسية وشركة بوهاي للنفط وغيرها من الشركات الكبيرة اتفاقيات للاستثمار في منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري، وستبذل المنطقة كل جهودها لبناء "المدينة الأولى للتعاون الصيني- المصري في مجال القدرة الإنتاجية".
وقد أنشأت جامعات الأزهر والقاهرة وقناة السويس وأسوان وغيرها من عشر جامعات مصرية أقساما للغة الصينية على التوالي، يدرس فيها أكثر من ألفي طالب.
بعد زيارة الرئيس شي إلى السعودية، تسارعت خطى التعاون الصيني- السعودي، وأعربت السعودية عن رغبتها في الانضمام إلى مبادرة "الحزام والطريق" الصينية. وفي أغسطس 2016، وقعت الأجهزة السعودية المعنية مع حكومة منطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي عددا كبيرا من الاتفاقيات في مجال بناء البنية التحتية.
في نهاية أغسطس عام 2016، قام الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي ولي العهد السعودي بزيارة للصين تلبية لدعوة من الصين، وفي بداية سبتمبر، حضر قمة مجموعة العشرين في مدينة هانغتشو. وفي العاشر من أكتوبر، أُجري أول تدريب مشترك بين القوات الخاصة الصينية والسعودية لمكافحة الإرهاب في مدينة تشونغتشينغ بجنوب غربي الصين، حيث شارك في التدريب خمسة وعشرون جنديا من كل طرف لمدة أسبوعين.
وقد قالت قناة الجزيرة التلفزيونية القطرية إن الصين، باعتبارها تنينا ضخما في آسيا، ظلت علاقاتها مع دول الشرق الأوسط مقتصرة على الاقتصاد والتجارة خلال عشرات السنين الماضية، والآن، مع توسع مجال مصالحها في أنحاء العالم باستمرار، بدأت الصين تثق بأن التنين الضخم لا يمكن أن يختفي وراء سور الصين العظيم دائما، وأن مجرد التغني بأمجاد الصداقة والسلام لا يؤكد على تحقيق مصالحها.
ستستمر الأوضاع المضطربة في منطقة الشرق الأوسط لفترة طويلة، وتشهد الصين ودول الشرق الأوسط مرحلة هامة للانفتاح والتعاون. وأمام الأوضاع الخطيرة والمعقدة والمضطربة، لا بد للصين ودول الشرق الأوسط أن تتشارك في السراء والضراء، وأن تعزز التعاون وتسعى إلى التنمية المشتركة.