تحقيق اخباري: محطات وقود السيارات .. مجال عمل جديد تقتحمه الفتاة المصرية

القاهرة 19 أكتوبر 2016 / أمام ماكينات التزود بالوقود ، وقفت فتيات لتعبئة خزانات السيارات بالبنزين بكل ثقة في مشهود غير مألوف اجتماعيا في مصر عكس رغبتهن في النجاح واثبات قدرتهن على العطاء والعمل في مهنة تعد حكرا على الرجال.

وفي زي موحد للعاملين في المحطة القريبة من كورنيش النيل بحي المعادي الراقي جنوبي القاهرة ، انهمكت الفتيات في العمل بحماس بجانب زملائهن من الشباب أملا في انجاح التجربة الفريدة من نوعها ليس في مصر فحسب،وانما ربما في المنطقة العربية كلها.

وقالت هدير أشرف (24 سنة) ، وهي احدى الفتيات اللائي قررن خوض هذه التجربة لوكالة أنباء ((شينخوا)) ، ان اعجابها بالفكرة قادها للعمل بمحطة لوقود سيارات.

وأضافت هدير ، التي تحمل شهادة البكالوريوس في الهندسة ، "عمل الفتيات بمحطات وقود السيارات فكرة جديدة على مصر ، رغم أنها منتشرة كثيرا خارج المنطقة العربية، ولذلك قررت الالتحاق بالعمل هنا".

وأوضحت الفتاة العشرينية أنه تلقت دورات تدريبية مكثفة في بداية التحاقها بالعمل، حول التعامل مع العملاء، وكيفية العمل، ومخاطره، وطرق الوقاية.

وأردفت قائلة "أهلي رحبوا بالفكرة باعتبارها تجربة جديدة وشجعوني على الاستمرار فيها، ولم يربطوا بين مجال العمل والمؤهل الدراسي الذي حصلت عليه".

"ثقافة المجتمع تغيرت بشكل كبير، والبنت تستطيع القيام بأي عمل ، طالما لديها ثقة بنفسها" تقول هدير.

أما زميلتها آلاء محمود (21 سنة) فهي طالبة بكلية الآداب قسم تاريخ، والتحقت بالعمل بالمحطة نفسها منذ خمسة شهور.

واختيرت آلاء لتكون "الموظف المثالي" الشهر الماضي بفضل التزامها في العمل ومع العملاء ، بالاضافة إلى المظهر الحسن.

وقالت آلاء لـ ((شينخوا)) "لم أتعرض لأي مواقف محرجة أو صعبة في العمل، هناك تفهم كبير من العملاء، ربما تكون هناك مفاجأة للوهلة للأولى، ولكن الجميع أصبح يعتاد هذا المشهد".

واضافت "البنات يجب أن تعملن في جميع المهن بدون تفرقة بين ولد أو بنت، فهناك تغير كبير في ثقافة المجتمع ، وأصبح اكثر قبولا لذلك، ومصر ليست أقل من أي دولة في تحقيق المساواة وتوفير فرص العمل بين الجنسين بدون تمييز".

وأكدت آلاء أن العمل لا يشكل اي عائق أمامها كطالبة ، وأنها تستطيع التوفيق بين العمل والدراسة ، وأن الجميع يشجعونها على ذلك.

وتابعت الفتاة الجامعية "هناك تشجيع كبير اتلقاه، وكثير من زملائي بالجامعة يحضرون إلى محطة الوقود لملء سياراتهم بالوقود ويكونون سعداء عندما يشاهدونني ".

وأشارت الى أن الكثير من العملاء يشجعونها وخاصة من جانب النساء، والبعض يحرص على التقاط الصور معهن.

وقوبلت التجربة الجديدة بالترحيب من جانب عملاء المحطة الذين أبدوا قبولهم للفكرة التي تبدو مثيرة للدهشة للوهلة الأولى.

ورأى عبدالقوي أحمد ، وهو أحد عملاء المحطة، ان التجربة من شأنها أن تشجع الشباب على العمل الجاد والدؤوب دون انتظار الوظيفة الحكومية.

وقال أحمد انه لايوجد اي فارق في التعامل بين العامل الذكر أو الانثى، والاثنان كفاءتهما واحدة.

وأضاف "أنا مع أن تشارك الفتيات في كل مجالات العمل، طالما أنهن يسلكن مجالات عمل شريفة".

وتؤكد شيري (20 سنة)،وهي طالبة بكلية طب الاسنان في جامعة القاهرة ، أنها شعرت بسعادة بالغة عندما شاهدت هؤلاء الفتيات يعملن بالمحطة التي اعتادت المجىء اليها لتزويد سيارتها بالوقود.

وقالت شيري انها مع ممارسة الفتيات لأي عمل طالما لديهن القدرة على القيام بذلك وقناعة كاملة بهذه المهنة.

وتبدو عوامل عدة دفعت القائمين على الشركة لخوض غمار هذه التجربة والاستمرار فيها رغم تعثرها في البداية.

وقال محمد أشرف مدير تشغيل محطات شركة (توتال) إن فكرة الاستعانة بفتيات في محطات الوقود التابعة للشركة بدأت في عام 2015.

واضاف أشرف لـ ((شينخوا)) "اننا كشركة فرنسية نهدف إلى التجديد في كل افكار تشغيل المحطات وخصوصا بخدمة العملاء، من خلال تطوير التشغيل والخدمة المقدمة للعملاء".

وتابع "نحن نسعى بالوصول بمحطات التموين لمستوى عال جدا، ونحاول أن نبدو وكأننا نعمل بفندق 5 نجوم"، معتبرا أن فكرة العامل سيئ المظهر ردئ الثياب ذو اليد المملوءة بالشحم، أصبح غير مقبول.

وأوضح أنه في هذا الاطار تم طرح فكرة الاستعانة بفتيات للعمل بالمحطة، مشيرا إلى أن التجربة واجهت في البداية انتقادات شديدة ، وتعثرت الفكرة وتوقفت.

وأردف قائلا "اعدنا طرح التجربة، بعد وضع محددات ولوائح صارمة تتناسب وظروف البنت وحركتها، وتم تطبيقها بمحطة كورنيش المعادي كتجربة عملية للدراسة".

ولفت إلى أن القائمين على عمل المحطة حرصوا على وضع جميع السيناريوهات، كأن تتعرض الفتاة لتحرش لفظي، أو لأية مضايقات، وما الذي ينبغي عمله في حال تعرضها لأي مضايقة.

وشدد على أنهم حرصوا ايضا على أن تعمل الفتيات في أوقات مناسبة، بحيث لا تأتي للعمل في وقت مبكر، ولا تغادر في وقت متأخر، وأن تعمل في المحطات التي يوجد بها بنزين فقط، وعدم عملها بمحطات السولار، إذ يمكن ألا يتفهم سائقو سيارات النقل هذا الوضع في البداية.

واستطرد قائلا "لم نسجل اي حالة تحرش لفظي بأي فتاة، على الرغم من وجود سيناريوهات فعلية للتعامل مع هذه الحالات حال حدوثها".

وتحصل الفتيات على دورات تدريبية لمدة عشرة ايام قبل الانخراط في العمل.

وتخضع محطات الوقود لإجراءات أمن وسلامة عالية جدا لابد وأن يتبعها العامل سواء كان شابا أم فتاة ، كما يقول مسؤول التشغيل في الشركة.

ولفت محمد اشرف إلى أنه بعد دراسة المشروع بشكل جيد، وتلافي كل السلبيات، وازالة كل المعوقات لتشغيل البنت تم في شهر يونيو الماضي نقل التجربة لمحطات أخرى وصلت إلى أربع محطات وقود حاليا.

ونوه إلى أن البنت بطبعها أمينة جدا، ومنضبطة للغاية، وتحب أداء العمل على أكمل وجه، مما أدى لزيادة الانضباط بالمحطات، وخلق روح للمنافسة بين الأولاد والبنات، مما زاد من كفاءة أداء المحطات.

وأكد حرص الشركة على توفير ظروف عمل مناسبة للفتيات بحيث تستمر في العمل ولا تشعر بالملل وتتركه، وفتح مجالات عمل أخرى بالشركة ، من خلال سلم ترقيات، مشيرا إلى أن عملها بمحطات الوقود مجرد خطوة أولى وليست أخيرة.

وتابع "نحن نخدم جمهورا كبيرا ونعمل بالشارع، وبالتالي لابد من المحافظة عليها كأنثى بيننا، لذلك نحن نمنع أن تقوم بخدمة غسيل السيارة، أو مسح زجاجها، كما يمنع عليها أداء اي عمل يتطلب الانحناء".

ومضى قائلا "كما نحرص على أن تعمل الفتيات بمحطات داخل الكتل السكنية حتى تجد وسائل مواصلات مناسبة، ونوفر لها زيا مناسبا".

وحول معايير الاختيار، أكد أشرف أن أغلب الفتيات العاملات جامعيات، ولديهن خبرة في خدمة العملاء، ولديهن حماس، وطموح كبير.