بعقوبة، العراق 17 أغسطس / أدت عمليات النزوح التي شهدتها العديد من مناطق ومدن محافظة ديالى شرقي العراق إلى بروز ظاهرة عمل الاطفال ببيع المياه والمناشف الورقية والشاي والحلويات وتنظيف زجاج السيارات في التقاطعات وقرب نقاط التفتيش الامنية بشكل ملفت للنظر في محاولة لمساعدة عوائلهم لتأمين لقمة العيش.
وفي هذا السياق قال، أحمد الربيعي من دائرة الرعاية الاجتماعية في ديالى لوكالة انباء (شينخوا) "مما لاشك فيه أن ظاهرة عمل الاطفال قرب نقاط التفتيش التابعة للقوات الأمنية وتقاطعات الطرق في مختلف مدن محافظة ديالى، أصبحت ظاهرة واضحة للعيان وتحتاج إلى ايجاد حلول من قبل الجهات المختصة وخصوصا وزارة العمل والشؤون الاجتماعية".
وأضاف أن حالة الفقر التي تعيشها الكثير من العوائل المهجرة أو تلك التي فقدت معيلها نتيجة أعمال العنف، هي التي دفعت بهؤلاء الاطفال لدخول ساحة العمل لكسب بعض المال الذي يساعد اسرهم في تأمين احتياجاتها اليومية.
وتابع الربيعي أن هؤلاء الاطفال وهم بعمر الزهور يعرضون انفسهم للمخاطر ويعملون في أماكن لا يفترض أن يتواجدون فيها وخصوصا نقاط التفتيش الامنية التي تتعرض باستمرار لهجمات مسلحة وتفجيرات انتحارية، وكذلك في تقاطعات الطرق والشوارع المهمة التي ربما تعرضهم لحوادث السير أو الاعتداء من قبل بعض الاشخاص.
الطفل علاء حقي ويبلغ من العمر (تسع سنوات) ويقف بالقرب من نقطة تفتيش مشتركة للجيش والشرطة عند المدخل الشمالي لمدينة بعقوبة، أوضح انه " من عائلة مهجرة تسكن في أطرف مدينة بعقوبة بمنزل قيد الانشاء ويأتي كل صباح وهو يحمل قطع الكيك لبيعها للمارة وسواق السيارات قرب نقطة التفتيش".
وأضاف أن هذا العمل يوفر له ولعائلته جزء من احتياجات حياتهم اليومية، كما أن والدته تعمل ببيع الخبز ويعمل شقيقه الاخر في محل لبيع المواد الغذائية قرب منزلهم.
وتابع حقي أنه اضطر مع شقيقه لترك الدراسة والتوجه للعمل بسبب حالة الفقر التي تعيشها عائلتهم التي هجرت من منزلها في اطراف منطقة المقدادية (45 كم) شمال شرق بعقوبة، واضطرت لترك كل ما تملكه نتيجة سيطرة مسلحي (داعش) على المنطقة منتصف عام 2014 وما تبعها من عمليات اقتتال طائفي.
وأكد حقي الذي تركت اشعة الشمس الحارقة بصمتها على وجهه بانه "لا يزال يحلم بالعودة إلى منزله وإلى مقاعد الدراسة التي تركها مجبرا وأن يعيش حياته مثل بقية الاطفال".
أما صالح عثمان (10سنوات) ويبيع المشروبات الغازية قرب نقطة تفتيش أمنية شمالي بعقوبة فقال وهو يتجول بين المركبات التي تسير ببطئ شديد أن" اغلب الاطفال الذين يعملون هنا هم من النازحين والحاجة الماسة هي التي دفعتهم للعمل تحت اشعة الشمس اللاهبة".
وأضاف أن" دخله جيد وهذا ما يدفعه للاستمرار في عمله، ولكنه كثيرا ما يشعر بالقلق والخوف عندما يسمع أن إحدى نقاط التفتيش تعرضت لهجوم أو تفجير انتحاري، إلا انه سرعان ما ينسى الامر ويواصل العمل".
وجدير بالذكر أن نقاط التفتيش التابعة للقوات الأمنية العراقية تتعرض إلى هجمات وتفجيرات متكررة مما يؤدي إلى سقوط ضحايا في صفوف المتواجدين فيها من مدنيين وعسكريين.
ورأى الناشط المدني قيس حميد، أن معظم الاطفال الذين يعملون قرب نقاط التفتيش وفي الطرق المزدحمة هم من ضحايا العنف الذي رافق سيطرة تنظيم داعش على عدد من مناطق محافظة ديالى في شهر يونيو عام 2014 وما تبعه من أعمال عنف طائفية والتي أدت إلى نزوح الاف العوائل من منازلها وترك كل ما تملكه خلفها، حيث أصبحت هذه العوائل تعيش حالة من الفقر والعوز واضطرت للسماح لاطفالها بالعمل من أجل تأمين بعض احتياجاتها.
وأكد النقيب ساجد إبراهيم من شرطة المرور في مدينة بعقوبة، أن عمل الاطفال في التقاطعات والشوارع العامة يعرضهم للكثير من الاخطار وحوادث الدهس، فضلا عن إمكانية إصابتهم بضربة شمس خصوصا مع ارتفاع درجات الحرارة إلى 50 مئوية، ناهيك عن قيام بعض ضعاف النفوس بالاعتداء عليهم وضربهم.
ودعا إبراهيم الجهات المختصة بمحافظة ديالى والحكومة المركزية إلى الاهتمام بهولاء الاطفال والعمل على انقاذهم من الاوضاع المأساوية التي يعيشونها.
علي وسام، أحد أفراد الشرطة العراقية ويعمل في نقطة تفتيش قرب مدينة بعقوبة، أكد أنه " يشعر بحزن عميق وهو يرى هؤلاء الاطفال يتجولون بين المركبات لبيع بعض المواد البسيطة من أجل تأمين لقمة العيش"، مبينا أنه يطلب منهم دائما الابتعاد عن نقطة التفتيش قليلا خوفا على حياتهم ولكنهم سرعان ما يعودون.
وأضاف أنه " يقدم لهم في أغلب الاحيان المساعدة سواء بتأمين مياه شرب باردة أو نقلهم إلى مدينة بعقوبة بسيارته الشخصية أو شراء ما يحتاجه منهم لزيادة دخلهم اليومي".
ووفقا لاحصائيات الحكومة المحلية لمحافظة ديالى فان نسبة الفقر في المحافظة وصلت إلى أكثر من 20 بالمائة نتيجة حالة عدم الاستقرار التي تعيشها مدنها وفقدان الكثير من السكان لاعمالهم وخصوصا في القطاع الزراعي الذي يعد عصب الحياة الاساسي في المحافظة التي كانت تسمى بمدينة البرتقال لكثرة المحصول الذي كانت تنتجه من هذه الفاكهة.
تجدر الاشارة إلى أن تنظيم (داعش) قد سيطر على عدد من مدن محافظة ديالى في شهر يونيو عام 2014 ، إلا أن القوات الامنية والحشد الشعبي تمكنت من طرد المسلحين منها بشكل كامل بحلول نهاية العام، لتندلع بعد ذلك اعمال عنف طائفية وعمليات خطف وقتل ما زالت مستمرة، الامر الذي اسهم ببقاء الاف العوائل في مناطق النزوح دون أن تتمكن من العودة إلى مناطقها الاصلية .