بكين 16 يوليو 2016 / بعد بضع ساعات من بث التليفزيون الرسمي لبيان يوم الجمعة أعلنت فيه مجموعة انقلابية بالجيش التركي استيلائها على السلطة في تركيا، أعلن رئيس الوزراء بن علي يلديريم أن "الوضع تحت السيطرة إلى حد كبير"، فيما لفت متحدث باسم الاستخبارات إلى "عودة الوضع الى طبيعته".
وبدورهم، أعرب الخبراء الصينيون عن اعتقادهم بأن الهدوء والاستقرار في تركيا لن يتزعزعا إثر محاولة الانقلاب هذه، مستبعدين حدوث مزيد من الاضطرابات في المستقبل المنظور. كما توقع بعضهم أن يواجه نظام أردوغان فرصا نادرة وتحديات خطيرة في آن واحد في ظل "دراما" الانقلاب .
-- حدوث اضطرابات في تركيا... أمر مستبعد
وتعقيبا على محاولة الانقلاب الدامية التي جرت مساء يوم الجمعة في تركيا، التي شهدت في تاريخها الحديث أربعة انقلابات عسكرية في أعوام 1960 و1971 و1980 و1997، أعرب قونغ تشن شي،الباحث الزميل بمركز بحوث القضايا الدولية التابع لوكالة أنباء ()شينخوا)) والخبير في شؤون الشرق الأوسط، عن اعتقاده بأن هذا الحادث "لن يفضى إلى تداعيات تؤدي إلى تغيير النظام في تركيا"، مشيرا إلى أن الانقلاب العسكرى هذه المرة جرى على مستوى منخفض برئاسة المستشار القانوني لرئيس هيئة الأركان العامة للجيش التركي وهو برتبة عقيد وكذلك جرى على نطاق ضيق بمشاركة عدد ضئيل من الضابط.
وتحدث السيد قونغ عن الوضع الراهن في تركيا، قائلا إن ثمة تناقضات وخلافات قائمة منذ زمن بعيد بين الجيش التركى الذي يدعو إلى العلمانية وحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يعد حزبا ذي طبيعة إسلامية وتربطه صلات وثيقة بأحزاب إسلامية في المنطقة مثل حزب الإخوان المصري وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) .
وفي هذا الصدد، أكد دونغ مان يوان، الخبير الصيني في الشؤون التركية ونائب مدير معهد الصين للدراسات الدولية، أن الدولة التي يقودها حزب العدالة والتنمية لم تحيد في السنوات الأخيرة عن الطريق العلماني رغم تصاعد التيار الإسلامي في الحياة الاجتماعية والثقافية بتركيا، مضيفا أنه بعد الجهود التي بذلتها الحكومة على مدى سنوات لتخفيف حدة الخلافات داخل الجيش، نجحت تركيا في توحيد المواقف بين الضباط من ذوي الرتب العالية.
وعلى الصعيد الداخلي، بثت قناة (أن. تي. في) التركية لقطات استقبال حشود من الأتراك في مطار أتاتورك لرجب طيب أردوغان لدى قدومه من مدينة مرمريس إثر وقوع الانقلاب . أما على الصعيد الدولي، فقد حصل نظام أردوغان على تأييد من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وغيرهم من المسؤولين الدوليين، الذين دعوا إلى احترام النظام الديمقراطي والدستور في تركيا. كما ذكرت وزارة الخارجية الصينية أن الصين تتابع الوضع في تركيا عن كثب، معربة عن أملها في عودة النظام والاستقرار إليها.
-- محاولة انقلاب... بدون حجة قوية وتأييد جماهيري
وعقب تحرير رئيس هيئة أركان القوات التركية الجنرال خلوصي عكار الذي يعتقد أنه كان محتجزا لدى العسكريين الانقلابيين ، أعلن يلديريم صباح اليوم السبت أنه عين قائدا جديدا لهيئة الأركان بالنيابة محل الجنرال خلوصي. وفي اتصال هاتفي مع قناة (أن. تي. في)، صرح يلديريم بأنها "محاولة غبية مصيرها الفشل وتمت السيطرة عليها إلى حد كبير".
ويرى الخبراء الصينيون أن الجنود الذين قاموا بمحاولة الانقلاب ليس لديهم حجة قوية ولا يحظون بتأييد جماهيري للإطاحة بأردوغان من السلطة. علاوة على ذلك، قال الخبير دونغ إن "الحزب الحاكم في تركيا لم يقع في أخطاء فادحة، بل على العكس حقق سلسلة من الانجازات داخل البلاد وخارجها."
وفي الحقيقة، اتفق خبراء الاقتصاد في أن تركيا حققت في السنوات الأخيرة مجموعة من النجاحات في النمو الاقتصادي تمثلت في رفع مستوى معيشة الفقراء وكبح التضخم. ومن أجل تسريع خطوات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي الذي يشترط للحصول على عضويته بلوغ معايير اقتصادية وتجارية معينة، بذلت الحكومة التركية قصارى جهدا لدفع الإصلاح والانفتاح في عدة مجالات لكي تصبح تركيا سوقا منفتحة وحيوية.
أما على الصعيد الدبلوماسي، فقد أكد السيد قونغ أن تركيا حسنت علاقاتها في الأشهر الماضية من ناحية مع روسيا بعدما تلقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسالة اعتذار من أردوغان عن حادث إسقاط المقاتلة الروسية سوخوي 24 قرب الحدود السورية عام 2015، ومن ناحية أخرى مع إسرائيل عقب التوقيع على اتفاقية تحقق بموجبها تطبيع العلاقات رسميا بين تركيا وإسرائيل بعد خلاف دام ستة أعوام ونتج عن غارة شنتها قوات الكوماندوز الإسرائيلية عام 2010 على السفينة التركية "مافي مرمرة". أما الآن، فتسعي تركيا إلى تحسين علاقاتها مع سوريا من خلال العودة إلى إتباع إستراتيجية "صفر مشكلات".
وقال دونغ إن مكانة تركيا قد ارتفعت من خلال اضطلاعها بدور فعال في دفع حل القضايا في منطقة الشرق الأوسط منذ اندلاع "الربيع العربي"، لافتا إلى أنها تشارك بشكل فعال في مكافحة الإرهاب تحت إطار التحالف الدولي منذ بداية العام الجاري، رغم انتهاجها في السابق لسياسة التسامح مع الجهاديين.
-- فرص وتحديات جديدة أمام أردوغان
ومع حدوث "دراما" الانقلاب في تركيا، رأى الخبراء الصينيون أن نظام أردوغان يواجه فرصا نادرة وتحديات خطيرة في آن واحد.
وحول الفرص، أشار السيد دونغ إلى أن أردوغان سيعمل على الأرجح بعد هذا الانقلاب على فرض إجراءات شديدة على الجيش والمعارضين له، ما يتيح له فرصة تحقيق هدفه المتمثل في توسيع صلاحياته في السلطة التي يسعى إليها منذ زمن بعيد.
وتابع قائلا إن أردوغان، الذي طرح "رؤية 2023" التي تضم قائمة من الأهداف التي ترنو بلاده إلى تحقيقها بحلول الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية في عام 2023 ومن بينها أن تصبح تركيا أكبر عاشر اقتصاد عالمي وقوة شاملة في ذلك العام، يقف الآن أمام فرص نادرة لتمديد حكمه إلى عام 2023 وسن دستور جديد واعتماد نظام للرئاسة التنفيذية، متوقعا أن "يصبح أردوغان الرئيس الذي يحكم البلاد لفترة أطول من مؤسس جمهورية تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك".
ومن ناحية أخرى أعرب وانغ شي جيه، المبعوث الصيني الخاص الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، خلال حضوره منتدى السلام العالمي الخامس الذي يعقد يومي السبت والأحد في بكين، أعرب عن قلقه إزاء المشكلات المحلية والإقليمية التي تواجهها تركيا وخاصة في هذه الفترة الحساسة التي تأتي في أعقاب محاولة الانقلاب.
أما بشأن التحديات، فقال وانغ إنها تتمثل داخليا في الاقتصاد، فمعدل نمو الاقتصاد التركي تباطئ في بعض السنوات الأخيرة رغم أنه لا يزال يسجل نموا مستقرا نسبيا. وتتمثل خارجيا في مكافحة الإرهاب ، فهذه الآفة صارت مشكلة خطيرة على أردوغان مواجهتها.
واستفاض وانغ في الحديث عن التحدي الخارجي، قائلا إنه بعدما وقفت تركيا وراء تنظيم داعش من خلال فتح الحدود بينها وبين سوريا وسماحها بدخول مقاتلى داعش إلى داخل سوريا وإدخالها أسلحة وموادا لدعم المعارضين السوريين إلى جانب تجارتها السرية مع داعش في النفط، أخذت تشدد من إجراءات الرقابة على الحدود تحت ضغوط من الولايات المتحدة وروسيا، الأمر الذي أدى إلى انتقام داعش وشنه لهجمات إرهابية في أنحاء تركيا كان من شأنها توجيه ضربة شديدة لقطاع السياحة التركي.
وختاما، أعرب وانغ عن اعتقاده بأن هاتين المشكلتين ستختبران مدى قدرة حزب العدالة والتنمية وأردوغان في السيطرة على الأمور خلال الأيام المقبلة.