لاهاي 12 يوليو 2016 / أصدرت المحكمة التي تنظر قضية التحكيم في قضية بحر الصين الجنوبي التي رفعتها الحكومة الفلبينية السابقة من جانب واحد، حكمها النهائي اليوم (الثلاثاء)، لكن المحكمة لا تملك اختصاصا قضائيا في هذه القضية، فإن حكمها بطبيعة الحال يعد لاغا وباطلا.
وفي بيان صحفي مصاحب للحكم الذي صدر في 479 صفحة، قدمت المحكمة التي تضم 5 قضاة ملخصا لقراراتها التي تنحاز بشكل واضح لمزاعم حكومة الرئيس الفلبيني السابق بنينو اس اكينو الثالث.
ورفضت الصين المشاركة في إجراءات الدعوى، مؤكدة ان المحكمة لا تملك اختصاصا قضائيا في القضية، التى تتعلق في جوهرها بالسيادة الإقليمية وترسيم الحدود البحرية.
وقالت وزارة الخارجية الصينية في بيان صدر بعد وقت قصير من إعلان الحكم "تعلن وزارة الشؤون الخارجية لجمهورية الصين الشعبية رسميا أن الحكم لاغ وباطل ولا يملك قوة ملزمة. ولن تقبله الصين أو تعترف به".
وينبغي أن يكون الهدف النهائي لأية مؤسسة دولية المساعدة في حل النزاعات والحفاظ على السلام والحد من التسليح. كما أن هناك المباديء الأساسية لمحكمة التحكيم الدائمة عند اقامتها قبل مائة عام.
بيد أن محكمة التحكيم التى أنشأتها محكمة التحكيم الدائمة لنظر قضية بحر الصين الجنوبي يبدو أنها تسببت في تفاقم النزاعات بين بكين ومانيلا وعرضت السلام الاقليمي للخطر بحفزها الحشد العسكري. وأثيرت تساؤلات بشأن شرعية المحكمة.
محادثات متوقفة
قبل رفع الدعوى، أجرت الصين والفلبين، بالإضافة لدول أخرى، محادثات بناءة حول النزاعات في بحر الصين الجنوبي لسنوات.
وأثمرت تلك المحادثات عن وضع اعلان ينظم سلوك الاطراف المعنية في البحر من أجل ضمان السلام الاقليمي. كما عززت الأطراف منهج "مسار مزدوج" للحفاظ على السلام اثناء اجراء المحادثات حول النزاعات.
الا انه اصبح من العسير اجراء محادثات منذ أن رفعت حكومة الرئيس الفلبيني السابق بنينو اكينو الثالث قضية التحكيم في 2013. وانقطع الحوار بعد ان ادعت المحكمة اختصاصها قضائيا في القضية قبل عامين.
ومنذ توقف المحادثات، تزايدت التوترات بسبب تكرار زيارة سفن وطائرات حربية أمريكية لبحر الصين الجنوبي تحت مبرر حماية "حرية الملاحة والتحليق".
وفي الوقت ذاته، أجرت واشنطن ومانيلا سلسلة من التدريبات العسكرية المشتركة في مياه بحر الصين الجنوبي. واستمر نطاق التدريبات بالتوسع في الوقت الذي اصبحت فيه الأسلحة المستخدمة من قبل الجنود، اكثر تطورا.
ففي شهر ابريل، حضر الآلاف من الجنود الفلبينيين والاستراليين تدريبا استمر 11 يوما في منطقة بحر الصين الجنوبي نشر فيه نظام مدفعية صاروخية عالي القدرة على التنقل ((هيمارس)) القادر على اطلاق موجات من الصواريخ من مدى بعيد بدقة عالية.
وسيلقي الوجود العسكري الامريكي المتزايد بظلاله على بحر الصين الجنوبي السلمي الذى يمر من خلاله أكثر من مئة الف سفينة سنويا بدون حوادث.
حرب قانونية
لن ينتهي التدخل الامريكي باستعراض عضلات عسكرية. ويقول مراقبون ان التحكيم جزء من حرب قانونية شنتها الولايات المتحدة على الصين عبر التلاعب بالدعاوى القضائية والانظمة القانونية لتشويه مطالب وحقوق الصين.
ورغم ان حكومة اكينو الثالث هي التى بدأت التحكيم في 2013، كان الدعم والتحريض الامريكي حاسما لرفع القضية. فالوثائق البالغ عدد صفحاتها 3 الاف التي سلمتها الفلبين للمحكمة، جمعت بمساعدة خبراء قانونيين امريكيين شاركوا في عملية المداولات.
ويقول محللون ان الدعم الامريكي عامل رئيسي شجع المحكمة على قبول وادعاء الاختصاص القضائي للقضية المعيبة.
وفي 2010، اعلنت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون ان واشنطن لديها مصالح وطنية في بحر الصين الجنوبي في ظل تحول استراتيجي امريكي لمنطقة آسيا الباسيفيك.
واصدرت الولايات المتحدة والفلبين بيانا مشتركا لدعم التحكيم في 2014. واعرب الرئيس الامريكي باراك اوباما في وقت لاحق من ذلك العام خلال زيارته لمانيلا دعمه للتحكيم.
اختصاص قضائي مشكوك فيه
بدا ظاهريا أن طلب مانيلا كان تحديد طبيعة التكوينات الجغرافية "تحت سيطرة الصين" في بحر الصين الجنوبي. ولكن هدفها الحقيقي كان التشويش على الحقوق البحرية الخاصة بتكوينات جغرافية مختلفة مثل الجزر والصخور التي تظهر مع المد المنخفض أو الضفاف المغمورة بالمياه بسيادة الصين على جزر نانشا ومياهها.
وبالتطرق إلى طبيعة التكوينات الجغرافية حاولت الفلبين تقليص حقوق الصين البحرية ومصالحها إلى تكوينات محددة لتنكر حقوق الصين التاريخية على جزر نانشا ككل.
وبذلك، فإن مطالب الفلبين تتعلق في جوهرها بالسيادة الاقليمية وترسيم الحدود البحرية. وتخضع القضايا الاقليمية للقانون الدولي العام وليس اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار التي تعمل المحكمة وفقا لها.
وبالإضافة لذلك، استبعدت الصين النزاعات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية والخلجان التاريخية أو سندات الملكية من إجراءات تسوية النزاعات في اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار في 2006، وفقا لشروط الاتفاقية.
حقائق تاريخية
قبل استعمار قوى غربية لجنوب شرق آسيا، كان بحر الصين الجنوبي محورا ينعم بالسلام والرخاء للتجارة والتبادلات الثقافية لأكثر من ألف عام.
وبدأ الراهب الصيني يي جينغ في العام 671 بعد الميلاد رحلة بحرية عبر بحر الصين الجنوبي لدراسة البوذية في الهند وعاد بعد 25 عاما. وخلال رحلته، زار يي أكثر من 30 دولة قديمة في منطقة بحر الصين الجنوبي، تبادل خلالها الثقافة والتكنولوجيا الصينية مع الدول المضيفة له.
وكان يي واحدا من بين أكثر من 60 راهبا صينيا سافروا عبر بحر الصين الجنوبي ووصلوا لهند خلال تلك الفترة. وتعد كتاباتهم وسجلات سفرهم دليلا يثبت دور الصين الفاعل في تعزيز السلام والرخاء في البحر.
وعلى مدار أسر صينية حاكمة مختلفة، أقيمت مكاتب لرعاية الشؤون البحرية بالإضافة لإطلاق دوريات حراسة للسواحل لضمان المرور الآمن في البحر. وخلال مائة عام تقريبا، عملت الصين مع دولة ملقة لمكافحة القرصنة في بحر الصين الجنوبى، حتى احتلتها البرتغال في عام 1611.
معلومات إعلامية مضللة
دعمت سجلات تاريخية عديدة حقوق الصين في بحر الصين الجنوبي. الا ان بعض وسائل الاعلام الغربية اما غضت الطرف عن الحقائق او تشويه الحقائق لتشكيل نسختها الخاصة من "الحقيقة".
ففي تانمن، وهى قرية صيد في جنوب الصين، قال صياد متقاعد لهيئة الاذاعة البريطانية ((بي بي سي)) إنه عثر على كتاب قديم يوما يحمل ادلة ملاحية لبحر الصين الجنوبي الا انه رماه لانه لم يكن ممكنا قراءته لعدم استخدامه منذ زمن مئات السنين.
وفور سماعه ذلك، بدأ مراسل بي بي سي بالتساؤل بشأن وجود الكتاب مشيرا الى ان الصياد العجوز كاذب. وواصل اتهام وسائل الاعلام الصينية التي كانت اول من نشرت تقاريرا عن الكتاب بفبركة القصة لتعزيز المطالب الصينية.
ولو كلف المراسل نفسه بزيارة متحف مقاطعة هاينان، لكان رأى ادلة الملاحة القديمة معروضة علانية .
واعتمدت اجيال الصيادين الذين يعيشون في عدد من موانيء هاينان على تلك الادلة القديمة في الملاحة ببحر الصين الجنوبي. ويمكن العثور على 12 نسخة من تلك الادلة بالمتحف وقرى الصيد.
التفاوض هو الحل الوحيد
يجب ان يقوم الحل النهائي للقضايا الاقليمية على ارادة الدول المعنية. فالتاريخ والمصالح الوطنية ومشاعر الشعب لكل طرف بحاجة للاعتراف بها وأخذها في الاعتبار قبل اي مصالحة او اتفاق يتم التوصل اليه.
وعادة ما يؤدي القرار المتهور من جانب طرف ثالث الى مزيد من النزاعات والصراعات. ففي منطقة جنوب شرق الصين وحدها، ترك ترسيم الحدود الإشكالية من قبل المستعمرين نزاعات طويلة الأمد على الأراضي لكل من ماليزيا وتايلاند واندونيسيا وكمبوديا، وحتى العنف الأنفصالي.
وتضم قضية بحر الصين الجنوبي 3.5 مليون كيلومتر مربع وأطرافا عديدة في المنطقة، وتتجاوز قوتها وتعقيدها قدرة أى محكمة.
وبالإضافة لذلك، أعلنت الصين أن التحكيم غير قانوني ولاغ وباطل وان البلاد لا تقبل به ولن تشارك فيه.
وبدون اعتراف الصين ودعمها، سيكون حكم المحكمة بلا جدوى عمليا أو مجرد ورقة كما وصفه عضو مجلس الدولة الصيني السابق داي بينغ قوه.
وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال الذكرى ال95 لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني "لن تتخلى الصين عن حقوقها القانونية. فالشعب الصيني لا يؤمن بالمغالطات ولا يخاف من قوى الشر".
واضاف " لا يثير الشعب الصيني المشكلات ولن نكون جبناء اذا تم توريطنا فى متاعب".
وابدى الرئيس الفلبيني المنتخب حديثا رودريحو دوترت في مناسبات عديدة رغبة في استئناف المحادثات مع الجانب الصينية، وهي نقطة بدء جديدة للمصالحة والتفاهم المتبادل بين البلدين.
ولحسن الحظ، "يمكن ان تقدم هذه الورقة درسا لتذكير كافة الاطراف المعنية بانه لا يوجد طريق مختصر لحل قضية بحر الصين الجنوبي وان الحل النهائي سيوجد فقط على طاولة المفاوضات.