الخرطوم 18 مارس 2016 / منذ انفصال جنوب السودان عن السودان رسميا فى يوليو العام 2011، لم تستقر العلاقة بين البلدين على حال واحد، وظلت متأرجحة ما بين التحسن النسبى والتوتر، فيما فشلت جهود الجانبين فى التوصل إلى تطبيع كامل.
وبعد استقرار ملحوظ أعقب قرار رئيسى البلدين بازالة أسباب التوتر وخطوة السودان فى يناير الماضى بفتح حدوده المغلقة مع الجنوب لأول مرة منذ الانفصال، عادت علاقات الخرطوم وجوبا مرة أخرى إلى مربع الاتهامات المتبادلة والتلويح باتخاذ ما هو أكثر من مجرد تهديد.
ومرة أخرى، أعادت الخرطوم اتهاماتها لحكومة جوبا بمواصلة دعمها للحركة الشعبية، قطاع الشمال التى تقود تمردا ضد الخرطوم فى منطقتى جنوب كردفان والنيل الأزرق المحاذيتين لجنوب السودان.
واتهم ابراهيم محمود حامد مساعد الرئيس السودانى، فى تصريحات نشرتها وسائل إعلام سودانية اليوم (الجمعة)، جوبا بالاستمرار في دعم المعارضة المسلحة في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور.
وقال حامد " تستمر جوبا فى دعم المتمردين رغم حسن النوايا التي أبداها السودان بفتح الحدود وعدم تقييد حركة المواطنين الجنوبيين ".
وأضاف " إذا لم تتوقف دولة الجنوب عن دعم التمرد سنضطر لإتخاذ إجراءات تحمي البلاد حتى لو أدى ذلك لإغلاق الحدود مرة أخرى ".
وتابع " ننتظر تنفيذ اتفاقيات التعاون مع الجنوب الموقعة منذ العام 2012 حتى لا تكون هناك مشكلات أمنية بين البلدين ".
وتبادل رئيسا السودان وجنوب السودان، خلال يناير الماضي، قرارات بفتح الحدود بين البلدين وسحب القوات منها ومراجعة رسوم عبور النفط الجنوبي عبر المؤسسات النفطية السودانية.
لكن السودان يصر على ان جوبا لم توقف دعمها للحركات المسلحة السودانية ولم تلتزم بانسحاب قواتها من على الحدود ولاسيما فى مناطق متنازع عليها.
وفى المقابل، أكدت حكومة جنوب السودان التزامها بالقرارات التى أصدرها سلفاكير ميارديت رئيس جنوب السودان فى يناير الماضى.
ونقل موقع (سودان تربيون) المستقل عن توت جاتلواك مستشار رئيس جنوب السودان للشئون الأمنية قوله " إن وحدات الجيش الشعبي المتمركزة على الحدود مع السودان تراجعت بالفعل واحد كيلو متر على الأقل جنوب الحدود المشتركة وفقا لحدود يناير العام 1956".
وأضاف " لقد امتثلت القوات لهذه الأوامر منذ وقت طويل، لكنهم يريدون منا (يقصد السودان) أن نذهب إلى أبعد من ذلك ".
وحذر جاتلواك من إمكانية حدوث مشكلات أمنية حال انسحاب جيش جنوب السودان لمسافة أبعد من على الحدود، وقال " يمكن أن تستغل الحركات المتمردة في كلا البلدين الحدود المشتركة بعد سحب القوات بعيدا عنها، ويمكن استخدام المنطقة للأنشطة التي قد تعرض البلدين لأخطار أمنية ".
من جانبه، أكد الجنرال جيمس أجونق نائب هيئة الأركان العامة للمالية والإدارة بجيش جنوب السودان امتثال القوات الحكومية للأمر الصادر عن الرئيس سلفاكير بالانسحاب من الحدود المشتركة مع السودان.
وقال، وفقا ل(سودان تريبيون)، " عندما أصدر مكتب القائد العام التوجيهات، تلقى رئيس الأركان العامة ذلك وتصرف فورا، وأصدر تعليمات لجميع الوحدات والقوات على الحدود المشتركة مع السودان وقد امتثلت ".
وفى خطوة وصفت من قبل مراقبين بأنها تصعيدية، قررت الحكومة السودانية أمس (الخميس) معاملة مواطني دولة جنوب السودان المقيمين داخل اراضيها بوصفهم أجانب لدى تلقيهم الخدمات، وقالت إنها ستتخذ إجراءات قانونية في مواجهة كل من لا يحمل جواز سفر وتأشيرة دخول.
وجاء القرار الحكومى خلافا لقرار سابق اتخذه الرئيس السوداني عمر البشير يقضى بمعاملة الجنوبيين الفارين من القتال في بلادهم كمواطنين.
ونشرت وكالة السودان الرسمية للأنباء قرارا لمجلس الوزراء السوداني برئاسة الرئيس عمر البشير، يوم أمس، صادق من خلاله على معاملة الجنوبيين المقيمين في اراضيه بوصفهم أجانب.
كما قرر المجلس التحقق من هوية الجنوبيين المقيمين بالسودان واتخاذ الإجراءات القانونية حيال كل من لا يحمل جواز سفر وتأشيرة دخول رسمية خلال أسبوع.
وقال المحلل السياسى السودانى عامر عبد الله فى تصريح لوكالة أنباء (شينخوا) اليوم (الجمعة)، " أرادت الخرطوم إرسال رسالة إلى جوبا مفادها انها تمتلك وسائل للضغط يمكن استخدامها ".
وأضاف " هذه خطوة تصعيدية من شأنها زيادة التوتر فى علاقات البلدين، وسيدفع مواطنو جنوب السودان ثمنا غاليا ان استمرت الخرطوم فى اجراءاتها التى ستهدد الوجود الجنوبي فى السودان ".
وتابع " من المؤكد أن هناك عشرات الآلاف من الجنوبيين على الاراضى السودانية، ولا يمتلكون وثائق سفر ولم يدخلوا السودان بطريقة سليمة، وذلك لأنهم هاربون من جحيم الحرب، وفتح هذا الملف سيشكل عبئا ثقيلا على جنوب السودان ".
وقال مسئول سوداني أخيرا إن عدد اللاجئين من جنوب السودان في بلاده بلغ 352 الفا بسبب الاحداث الامنية في هذا البلد الوليد.
ويبلغ عدد الجنوبيين الذين فروا إلى السودان بسبب الاحداث الامنية نحو 352 الف شخص، وفقا لإحصائيات مفوضية العون الإنساني فى السودان.
ويتواجد الاف اللاجئين الجنوبيين في 14 ولاية سودانية، غالبيتهم في ولايتي الخرطوم التي يوجد بها 142 الفا والنيل الابيض التي يوجد بها 93200 لاجئ.
وتطالب الخرطوم مرارا بأن تقوم جوبا بطرد متمردي الحركة الشعبية قطاع الشمال الذين يقاتلون حكومة الخرطوم في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق المتآخمتين لجنوب السودان.
ووقعت الخرطوم وجوبا في السابع والعشرين من سبتمبر 2012 حزمة اتفاقات للتعاون بينهما تتعلق بالأمن وأوضاع المواطنين وقضايا الحدود وقضايا اقتصادية وأخرى تتصل بالنفط والتجارة.
لكن البلدين لم يتوصلا بعد إلى تسوية نزاعهما بشأن مناطق حدودية على الشريط الحدودى بينهما والذي يبلغ طوله نحو 1800 كيلو متر.
وتشكل قضية المناطق المتنازع عليها بين البلدين عقبة رئيسة تحول دون تسوية الخلافات بين الخرطوم وجوبا.