دمشق 4 مارس 2016 / شهدت بعض أحياء في مدينة دمشق القديمة ، اليوم ( الجمعة ) ، وخاصة القريبة من منطقتي باب توما ، والقصاع شرقي دمشق ، والقريبتين من المناطق الساخنة في ريف دمشق الشرقي ، بعد ايام من دخول هدنة وقف الاعمال القتالية حيز التنفيذ ليل الجمعة 27 من شهر فبراير الماضي ، اكتظاظا غير مسبوق ، وعودة للشبان السوريين ، الذين حرموا من المجيء إلى تلك الاحياء والاماكن ، بسبب سقوط قذائف الهاون المتكررة بشكل شبه يومي على تلك الاحياء ، اليوم ، ومع عطلة نهاية الاسبوع ، كان المشهد يعود بهم إلى ما قبل نشوب الازمة ، وراح هؤلاء الشبان يستعيدون ذكرياتهم في تلك الاماكن .
و تتمتع تلك الاحياء في دمشق القديمة بالحارات الضيقة ، ووجود مطاعم ومقاهي في بيوت دمشقية قديمة كان يرتادها الشبان السوريين بشكل شبه يومي لقضاء ساعات في تلك الاماكن ، يشربون النرجيلة ، وبعض المشروبات الساخنة ،والاطعمة التراثية .
واحتشد اليوم عدد كبير من الشبان والشابات ، في منطقة باب توما ذات الغالبية المسيحية ، بعد أيام من وقف الاعمال القتالية ، فهذا يقف امام مقهى ويلتقط صورة سيلفي بموبايله ليضعها على صفحته في وسائل التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك ) ، وآخرون يجلسون حول طاولات خشبية وضعت على الارصفة يدخنون النرجيلة ، ويتناولون بعض الاطعمة الخفيفة ، في مشهد يدل على انعكاس الهدنة على نشاط هؤلاء الشبان في المجيء الى تلك المناطق التي تحمل بداخلهم العديد من الذكريات ، بحسب مراسل وكالة ( شينخوا ) بدمشق .
و قبل نشوب الأزمة في مارس 2011 ، كان حي باب توما يشكل نقطة جذب لعموم الشبان السوريين ، وخاصة يوم الجمعة ، عطلة نهاية الاسبوع الرسمية في سوريا ، لما تحويه من منازل دمشيقية قديمة ، حولت إلى مطاعم ومقاهي ، تحمل عراقة الثراث السوري ، وإلى جانب وجود محلات تبيع بعض التحف الشرقية .
وبعد اشهر من بداية الازمة ، ولكون منطقة باب توما ملاصقة لبعض البلدات بريف دمشق الشرقية ، وتحديدا حي جوبر ، ودوما وحرستا ، اهم معاقل مقاتلي المعارضة المسلحة فيما بعد، كان هذا الحي هدفا لسقوط عشرات قذائف الهاون يوميا ، الامر الذي جعل هذه المنطقة خطرة على حياة الشبان ، مما جعلهم يحجمون عن المجيء إلى تلك الاستراحات والمطاعم ، حرصا على حياتهم .
وقالت الطالبة الجامعية ناريمان والتي تبلغ من العمر 24 عاما لوكالة ( شينخوا ) بدمشق " صحيح أن الهدنة لا تزال هشة، ولم يمض عليها سوى اسبوع فقط ، ولكن لم أستطع مقاومة المجيء إلى هنا والتمتع بوقتي مع الشلة التي كنا نجلس معهم قبل نشوب الازمة " .
واضافت ناريمان وهي تتنهد " لدي الكثير من الذكريات هنا، فهذه الجدران التي ماتزال واقفة تروي المئات من الحكايات والقصص الجميلة التي عشناها " ، معربة عن أملها في أن يستمر وقف العمليات القتالية لوقت أطول كي تتمكن من المجيء بشكل يومي للتعويض عن السنوات التي لم تتمكن فيها من المجيء بسبب سقوط قذائف الهاون .
وعلى بعد أمتار من حي صغير في باب توما جلس باهر طالب جامعي آخر ، وعمره 27 عاما وقال " منذ سنوات لم اتمكن من المجيء إلى هذا الحي الذي عشت فيه اجمل لحظات حياتي " .
وأضاف الطالب باهر لوكالة ( شينخوا ) " لم أصدق نفسي بأنني سأعود يوما إلى هذا المكان الذي كان محط سقوط قذائف هاون من قبل مقاتلي المعارضة الحاقدة " ، مؤكدا " ما شاهدته اليوم يؤكد لي أن الهدنة كان لها نتائج ايجابية على حركة الناس" .
وعاشت العاصمة دمشق بعد يومين من دخول هدنة وقف العمليات القتالية حيز التنفيذ ، هدوء لم تكن تشهده منذ سنوات من بدء الازمة ، وشهدت الاسواق حركة نشطة ، لم يسمع خلالها اصوات المدفعية ، ولا اصوات الرصاص ، ولم يكن هناك تحليق للطيران في سماء دمشق ولا سحب للدخان الاسود .
ومن جانبه قال فراس وهو شاب يعمل في أحدى مقاهي منطقة باب توما بدمشق ( شرقا ) " منذ سنوات لم نشهد هذه الحركة للشبان والشابات في تلك المنطقة ، ، معربا عن فرحته وسعادته لرؤية هذا المشهد الذي لم يشهده منذ سنوات ، مشيرا إلى ان الايام القادمة ستكون افضل لأن الشبان الذين اتوا اليوم سيخبرون اصدقائهم ، وسيأتون اذا لم يكن هناك خرقا للهدنة .
ولكنه مع أن الهدنة التي لا تزال هشة، والتي جاءت نتيجة للاتفاق الروسي والامريكى ، وقبول الحكومة السورية بتنفيذه شريطة الاحتفاظ بحق الرد ، ودخول ما يقارب 130 من الجماعات المسلحة في هذه الهدنة ، تمكنت منطقة باب توما من استعادت بريقها الذي فقدته خلال السنوات الماضية من عمر الازمة .
وأضاف ماهر الذي كان يقف بجانب خطيبته في احد شوارع باب توما الضيقة " الوضع اليوم أصبح أفضل بعد وقف العمليات القتالية ، ولكن الأهم من ذلك، يبدو أن الناس قد استعادت بعضا من راحة البال" .
وقال أحمد الأشقر، وهو شاب آخر يقيم في منطقة باب توما لـ ( شينخوا ) إن " الشيء المهم في الامر كوني اعيش في هذه المنطقة هو عدم سماع أصوت القصف سواء من جانب الحكومة تجاه الغوطة الشرقية، أو قصف المعارضة المسلحة لاحياء العاصمة دمشق بقذائف الهاون من الغوطة " ، مؤكدا أن حركة الشبان وتشجعهم للمجيء إلى أحياء دمشق القديمة خطوة مهمة تؤسس لمرحلة مقبلة " .
وأضاف " لم نعد نستيقظ على صوت الغارات الجوية والقصف ، الآن أستيقظ على صوت منبه الموبايل وليس ناقوس خطر الحرب " .
وعلى الرغم من هذا الاكتظاظ من قبل الشبان السوريين باتجاه مناطق باب توما والقصاع ، إلا نقاط التفتيش ، وحواجزالجيش لا تزال تقوم بتفتيش السيارات على مداخل المنطقة والتحقق من هوية المارة ويسألون في بعض الاحيان إلى أي منطقة بالضبط هم ذاهبون.
وقال هاني البالغ من العمر 35 عاما "لقد كنا نأتي كثيرا إلى هذا الحي قبل نشوب الازمة ، ولكن منذ حوالي 4 سنوات لم نتمكن من المجيء بسبب سقوط قذائف الهاون "، مؤكدا أنه جاء مع والدته ليرى هذا الحي بعد سنوات ليجده كما كان ، مع تغيير بسيط هو وجود الحواجز ، بعض الحارات المغلقة .