بقلم/يانغ سي يوو، باحث في معهد الصين للدراسات الدولية
قام وزير الخارجية الامريكية جون كيري بزيارة رسمية الى الصين يوم 27 يناير الجاري، ويرى الإعلام الخارجي ان الهدف الأساسي من الزيارة هو الضغط على الصين لفرض مزيد من القيود على كوريا الشمالية. ومن الناحية الموضوعية، ربط الخارج التجربة النووية الكورية مع الصراع القائم بين الصين وامريكا تضخيم للخلافات بين البلدين. ولكن في الواقع، تعارض الصين وامريكا بحزم تطوير كوريا الشمالية للاسلحة النووية، إلا أنهما يختلفان في وجهات النظر بشأن استراتيجية فرض العقوبات على كوريا الشمالية.
ويعبتر هذا الاختلاف صورة مصغرة من المفارقات الصينية ـ الامريكية في الماضي. وبالرغم من أن ثقافة البلدين واقعية جدا، الا انهما في الكثير من حالات التفاعل الفعلي تقعان في الصراع حول المفهوم وترك الهدف الواقعي، لدرجة غض الطرف على اهم الاشياء.على سبيل المثال، اقترحت الصين الاحترام المتبادل للمصالح الجوهرية الخاصة لكل منهما الآخر، لكن أمريكا لم تذكر ابدا مصطلح " المصالح الجوهرية للصين"، ظنا منها بأنه اعتراف بالمطالب الصينية. ولهذا السبب، تتعمد امريكا لتشويه صورة المفهوم الذي طرحته الصين. ويعتبر مثل هذا الاسلوب في حل الخلافات بين القوى الكبرى غير ناضج، حيث أن امريكا لا تنظر الى حل الخلافات من منظور مصالحها الخاصة تماما وانما تتقيد بمفاهيمها المسبقة.
ومع ذلك، فإن تطور الوضع الدولي يدفع بالعلاقات الصينية ـ الامريكية الى النضج تدريجيا. فما ذا يعني بالنضج؟ نضج العلاقات الصينية ـ الامريكية يكمن في عدم ترك الفروق الفردية تهز العلاقات بين البلدين. وأن لا يعتمد استقرار العلاقات الصينية ـ الامريكية على كمية الخلافات والصراعات، وإنما على قدرة الجانبين على تقديم التنازلات اللازمة والسيطرة على الخلافات. والعلاقات الصينية ـ الامريكية الاكثر واقعية وناضجة بحاجة اساسا الى دوافع ايجابية واخرى سلبية. ويكمن العامل الايجابي في التعاون الاكثر والاكثر بين البلدين سواء في مجالات الاقتصادية والتجارية او التعامل في سياق متعدد الاطراف في مجال تغيير المناخ، ومكافحة الارهاب ، ورفع من مستوى الاعتماد المتبادل. اما بالنسبة للعامل السلبي ، يكمن اساسا في مسألة التكاليف ومن يتحمل تكاليف الخسارة.
إن اكبر مشكلة تواجهها العلاقات الصينية ـ الامريكية في الوقت الحاضر هي عدم تبلور فكرة المنفعة المتبادلة ورعاية المعرفية لمصالح كل منهما عند الجانبين. حيث تعودت امريكا على القيادة وليس على رعاية مصالح بلاد أخرى . ومن ناحية اخرى، فإن النقطة الاساسية في فكرة الصين حول "رعاية المصالح الجوهرية لكل منهما الآخر" هو " لكل منهما الاخر"، فعندما يتم تقديم شكوى ضد امريكا، يجب التفكير في اخذ بعين الاعتبار المصالح الامريكية.
أن جوهر رعاية المصالح الجوهرية لكل منهما الآخر هو المساواة وضمن نطاق المعقول لرعاية مصالح الخاصة لطرف الاخر. ومن اجل رعاية مصالح لكل منهما الاخر، بحاجة الى تبادل الاحترام بين بعضهما البعض.
لقد اصبحت التنازلات للمصالح المتبادلة اتجاها عاما في ظل التيار التاريخي نحو التعايش السلمي بين الامم. وفي هذا الصدد، يمكن القول أن انشاء وتجربة منطقة اليورو اعلى مستوى لنمط التنازلات من اجل المصالح المتبادلة في العلاقات الدولية حتى الان، والاكثر نضجا في ما يخص الاحترام المتبادل. وفي ظل التكافل في المجتمع الدولي فإن تنازلات المصالح المتبادلة في الامن السياسي بشكل متزايد اصبح حتمية صرورية. ومن اجل تجنب الصين وامريكا "دولة كبرى جديدة" و"دولة كبرى قائمة" الوقوع في فخ ثيوسيديدز واقامة "علاقات جديدة بين القوى الكبرى" التي تساهم بشكل مشترك لم يسبق له مثيل للبشرية، ينبغي بذل الجهود لاستكشاف وتوليد مفهوم "التنازلات للمصالح المتبادلة"، والتعلم اكثر لتحقيقه مسئوليا على الخلافات الحساسة والخطيرة.
العالم يتحول يوما بعد يوم الى "قرية عالمية"، واصبح المصير المشترك للمجتمع البشري مصير العصر، الامر الذي يتطلب من الصين وامريكا خلق نمط التنازلات للمصالح المتبادلة على اساس الاحترام المتبادل ورعاية المصالح الجوهرية لكل منهما الاخر. وإن بناء علاقات جديدة بين القوى العظمى هي الرؤية الاستراتيجية الصنيية للعلاقات بين البلدين، كما تبذل جهودا ضخمة من اجل تحقيق هذا الهدف. ولتحقيق هذا الهدف، لا يمكن للصين وامريكا ان تبقى على السطح وانما ينبغي بذل جهود على اسس أكثر واقعية.