بكين 14 يناير 2016/ لا تزال أسعار النفط العالمية تتهاوى حيث انخفضت مؤخرا إلى ما دون 30 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ 12 عاما. وكان للتراجع المستمر في أسعار النفط تأثير على معظم الدول المنتجة له في العالم وخاصة دول الخليج، بيد أن هناك دولة حققت من ناحية الاستفادة مما تذخر به من موارد نفطية ونجحت من ناحية أخرى في كسر قيود أسعار النفط.
إنها الإمارات، التي تعد ثاني أكبر دول منتجة للنفط بين دول الخليج وتمتلك سادس أكبر احتياطيات من النفط في العالم. وقد كانت الطفرة المتعلقة بتطوير مصادر جديدة للطاقة وتقلب الطلب على النفط عاملين رئيسيين حفزا الإمارات منذ فترة طويلة على التفكير في إعادة هيكلة اقتصادها فيما بعد "حقبة النفط".
وفي الواقع، تسعى الإمارات منذ سنوات طوال إلى تحقيق التوازن الاقتصادي وتتمسك بسياسة تنويع اقتصادها ودفع تحويل هيكله رغبة منها في جذب الاستثمارات الأجنبية والتخلص من الاعتماد على النفط اقتصاديا. وقد حققت بالفعل إنجازات هائلة في المجالات السياحية والتجارية والمالية لتقدم بذلك نموذجا يحتذى به بالنسبة للدول المنتجة للنفط في تحقيق التحول الاقتصادي.
ويصف بعض المحللين الصينيين دبي بأنها صورة مصغرة للدولة وبأنها "زهرة العرب" في ضوء استطاعتها تحويل هيكلها الاقتصادي بنجاح واعتمادها على سياسات تهدف إلى تنويعه على أساس الاقتصاد الحقيقي القوي.
وإن ميناء جبل علي والمنطقة الحرة بجبل علي ومركز دبي المالي العالمي ومركز دبي التجاري العالمي ونخلة الجميرا تعد جميعا أمثلة حية على نجاح دبي في استخدام إيرادات النفط التي حققتها قبل تقلب سوق النفط لتنفيذ سلسلة من مشروعات البنية التحتية الضخمة، لتنطلق دبي بعد ذلك في إعطاء الأولوية في التنمية إلى تطوير صناعة الخدمات المالية وتصبح ثالث أكبر مركز في العالم للتصدير وإعادة التصدير بعد هونغ كونغ وسنغافورة ولاسيما وأن تجارتها للجملة والتجزئة باتت الآن أكبر مساهم في ناتجها المحلي الإجمالي.
وتعكس قدرة دبي على تنويع اقتصادها عملية تحول الهيكل الاقتصادي للإمارات كلها، إذ أن دخل النفط يشكل في الوقت الراهن أقل من 30% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ54% في عام 1975. وأشارت الإحصاءات الصادرة عن صندوق النقد الدولي إلى أن الإمارات تعد من الدول الأقل تأثرا بانخفاض أسعار النفط بفضل اقتصادها المتنوع القائم على البنية التحتية الثابتة. وخلال عام 2014، بلغ حجم التجارة الخارجية غير النفطية للإمارات 1632 مليار درهم.
وكان وزير الاقتصاد الإماراتي سلطان بن سعيد المنصوري قد صرح في وقت سابق من الشهر الجاري بأن الآثار السلبية لانخفاض سعر النفط محدودة للغاية على الاقتصاد الوطني نتيجة لسياسات التنوع الاقتصادي، مشيرا إلى أن بلاده تعتزم وضع خططا جديدة في مجالات الطب والتعليم والاقتصاد وحماية البيئة والثقافة والبنية التحتية ولاسيما في مجالي الصناعة والخدمات لتخفيف أي أضرار قد تنتج عن هبوط أسعار النفط.
ولا يمكن تجاهل قوة الدفع الصينية في تنويع اقتصاد الإمارات وتحول هيكله. فمنذ عام 2010، أخذت الشركات الصينية تتدفق على الإمارات وخاصة على المنطقة الحرة في جبل علي التي تعد أكبر مركز للخدمات اللوجستية في منطقة الشرق الأوسط، ليصل عدد الشركات الصينية في المنطقة الحرة إلى 190 في عام 2013. وبحلول عام 2015، تم تسجيل 4200 شركة صينية في الإمارات. أما على صعيد التجارة، فمازالت الصين ثاني أكبر شريك تجاري للإمارات، وقفز حجم التبادل التجاري بين البلدين بواقع 220% خلال السنوات الخمس الماضية. وفي عام 2014، بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 54.8 مليار دولار ليسجل أعلى مستوى له في التاريخ.
وبالإضافة إلى ذلك، تولى الإمارات اهتماما بإمكانات سوق السياحة الصينية حيث يتم الآن تسيير 56 رحلة جوية أسبوعية بين البلدين. وبعدما أصبحت دبي في عام 2009 مقصدا للسياحة الصينية، بلغ عدد السائحين الصينيين الوافدين إلى دبي 150 ألف في نفس العام مقارنة بـ100 ألف في عام 2008. أما في عام 2011، فقد بلغ عدد السائحين الصينيين إلى دبي 300 ألف لتصبح الصين الدولة التي تتوافد منها السياحة إلى دبي بوتيرة أسرع مقارنة بغيرها من دول العالم.
وبعدما طرحت الصين مبادرة "الحزام والطريق" في عام 2013، يزداد التعاون بين الصين والإمارات عمقا واتساعا. وفي نهاية عام 2015، تم توقيع سلسلة من الاتفاقيات الثنائية خلال زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي إلى الصين، ومن بينها صندوق الاستثمار الاستراتيجي المشترك بقيمة 10 مليارات دولار واتفاقية لتبادل العملة المحلية حجمها 35 مليار يوان وتوسيع نطاق إلغاء التأشيرة.
وتتمسك الصين في إطار المبادرة ببناء مجتمع أمن الطاقة المشترك مع الدول المنتجة للنفط، ودفع التعاون في القدرة الصناعية مع الإمارات وغيرها من دول الخليج التي تقع على طول "الحزام والطريق". وقد أصدرت الحكومة الصينية أمس الأربعاء وثيقة رسمية هي الأولى من نوعها التي تصدر حول سياسة الصين تجاه الدول العربية وتتعهد فيها الصين بدعم دخول مزيد من المنتجات العربية غير النفطية إلى السوق الصينية ومواصلة تحسين هيكل التجارة وتعزيز التعاون في مجال الطاقة والمتمثل في المجال التقليدي مثل النفط والغاز الطبيعي ومجال الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية.
ومع تعزيز التواصل وتوثيق التعاون بين الصين والإمارات وصدور وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية، ستضخ مبادرة "الحزام والطريق" مزيدا من الحيوية وقوة الدفع لتنويع الاقتصاد وتحويل هيكله في الإمارات وغيرها من الدول العربية المنتجة للنفط وسط هبوط أسعار النفط.