تعليق: بعد تحطم طائرة الركاب الروسية .. هل تتحول شبه جزيرة سيناء إلى مصدر أزمة جديدة في الشرق الاوسط؟

بقلم/ شيا ون هوي،خبير الشؤون الدولية

شهدت التحقيقات في تحطم طائرة الركاب الروسية في شبه جزيرة سيناء مؤخرا ارتباكات كثيرة. وأحدث قادة امريكيون وبريطانيون صخبا على حد سواء،حيث تحدثوا عن احتمالية ان يكون سبب تحطم الطائرة عبوة ناسفة زرعت على متن الطائرة، بينما يحاول الجانبان المصري والروسي تجنب هذا الاحتمال،ما يعكس توجه لتسييس القضية ، كما أن تحطم الطائرة لديه علاقة مباشرة مع مكان حدوثه في شبه جزيرة سيناء.

تعتبر شبه جزيرة سيناء الجسر البري الذي يربط بين افريقيا وآسيا ، ولكن ايضا ممر لقطاع غزة وإسرائيل من جهة مصر، وطالما كان حصنا استراتيجيا،وفراغا امنيا شائكا بين مصر وجيرانها وتربة خصبة لنمو جميع انواع الجماعات المتطرفة.

توصلت مصر وإسرائيل الى تسوية الصراعات والمنافسات عن شبه جزيرة سيناء خلال الفترة من 1948 الى 1979 بتوقيع معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية وإنهاء المواجهة بين الطرفين، لكن ، بعد سقوط حسني مبارك الرجل القوي في مصر تحولت شبه جزيرة سيناء الى منطقة خارج نطاق السيطرة، وملاذ امن للقوى المناهضة للنظام والمسلحين، وقاعدة لشن الهجمات الخارجية.

وشهدت شبه جزيرة سيناء زيادة كبيرة في الهجمات الموجهة ضد اسرائيل خلال عام 2012. ووفقا لتقرير نشرته المخابرات الاسرائيلية، تعرضت اسرائيل خلال عام 2012 لـ 11 هجوم انطلق من شبه جزيرة سيناء. وتعتقد وكالة الاستخبارات الاسرائيلية ان المنطقة اصبحت مكانا مناسبا للمنظمات الارهابية المرتبطة بالجهاد العالمي . وقال خليل العناني المتخصص في شؤون الشرق الاوسط بجامعة درهام في انجلترا ، أن شبه جزيرة سيناء لا يحتضن عناصر تنظيم " القاعدة " فحسب، وإنما مخترقة ومحتلة من قبل تنظيم " الدولة الاسلامية "ايضا، ويمكن ان تصبح جبهة جديدة للجماعات المتطرفة في العالم العربي.

مصر لا تجد وقتا لإيلاء الاهتمام بشبه جزيرة سيناء. ويعاني البدو الذين يعيشون في ظروف الحياة القاسية فى صحراء سيناء القاحلة من اهمال متواصل من قبل الحكومة المصرية في القاهرة. وتشهد المنطقة تفشي انشطة تهريبية وإجرامية بين القبائل. وقد ارسلت الحكومة المصرية آلاف من قوات الجيش والشرطة الاضافية إلى شبه جزيرة سيناء لتصدي العنف والفوضى واستعادة النظام، وقد لقي اعتراف صامت من قبل اسرائيل. وبموجب معاهدة السلام التي وقعت عام 1979، فإن عدد الجنود المصريين والمعدات في شبه جزيرة سيناء محدود ، وزيادة القاهرة لعدد قواتها بحاجة الى موافقة اسرائيلية.

اسرائيل لا تريد ان ترى شبه جزيرة سيناء خارج نطاق السيطرة حتى لا تذهب جهودها العسكرية والسياسية خلال العقود الماضية هباء منثورا. وطالما استخدمت اسرائيل الطريقة الدبلوماسية، التهديدات ، العقاب وتعزيز الاستخبارات والدفاع وغيرها للرد على التهديدات العابرة للحدود،وفي هذه المرة تحاول اسرائيل دفع مصر الى ايجاد حل لمشكلة شبه جزيرة سيناء . وفي احسن الاحوال فان هذا سيعمل بشكل متعثر. كما أن أمريكا لها مصالح في شبه جزيرة سيناء ايضا. وقد لعبت امريكا دورا مهما في تحقيق عملية السلام بين مصر وإسرائيل وعودة شبه جزيرة سيناء الى السيادة المصرية،وهو بدوره أصبح حجر الزاوية للوضع السياسي والأمني الأمريكي فى المنطقة طيلة اكثر من 30 عاما. و هناك بعض الجماعات الارهابية في شبه جزيرة سيناء لا تكره اسرائيل والحكومة المصرية فقط، وإنما يكرهون امريكا ايضا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن عدم الاستقرار والتطرف في شبه جزيرة سيناء مصدر محتمل للاضطرابات السياسية في مصر، والذى يمكن ان يزيد من الانتقال الديمقراطي المضطرب تعقيدا. والأهم من ذلك، تتطلع امريكا الى منع اندلاع الصراع بين اسرائيل ومصر. حيث ان اندلاع الصراع في اقرب حليف لأمريكا في الشرق الاوسط وأكثر دول عربية سكانا وتاثيرا، يشكل لها معضلة كبيرة.

ان الموقف المرتبك يجعل مصر وإسرائيل وغيرهما من أطراف المصالح في شبه جزيرة سيناء يقفون حرجين وعاجزين،وجميع الاطراف تدرك ان افكار تنظيم " القاعدة" المتطرفة ترسخ جذورها في شبه جزيرة سيناء، وان هناك توسعا عشوائيا لتنظيم " الدولة الاسلامية"، والوضع غير مستقر، وشبه جزيرة سيناء تتحول الى مصدر أزمة جديدة في الشرق الاوسط ،مما يزيد من انعدام الأمن في منطقة الشرق الاوسط.