تحقيق : الأوضاع الاقتصادية الصعبة في غزة تساهم في غزوف الشبان عن الزواج

بقلم / اسامة راضي وعمر العثماني

غزة 10 أبريل 2015 / تسيطر مشاعر الخوف من عدم الزواج على الشابة ناريمين راشد من مدينة غزة رغم أنها لم تتجاوز الخامسة والعشرين من عمرها في ظل التراجع الملحوظ في معدلات الزواج في القطاع الفلسطيني.

وتعمل ناريمين أستاذة لغة إنجليزية وتبدو تتمتع بالكثير من مواصفات الجمال وتحلم مثل غيرها بالزواج وتكوين عائلة، لكنها تشكو كثيرا لصديقاتها من ندرة من يطرق باب عائلتها لطلبها للزواج ما يثير مخاوفها من أن يفوتها القطار وتنضم لقوائم العانسات طويلا.

وتقول ناريمين لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن ذويها سبق ورفضوا عددا من الشبان طرقوا بابهم طلبا للزواج منها بسبب سوء أوضاعهم الاقتصادية، وعدم امتلاكهم منازل خاصة بهم، فيما بعضهم الآخر غير متعلم أو لا يملك عملا ثابت.

وتؤكد أنها ليست ضد موقف عائلتها من انتظار العريس المناسب لها، لكن القلق ينتابها من الانتظار طويلا، مشيرة إلى أن مخاوفها تزداد أكثر عند النظر لمحيطها الاجتماعي ورؤية العديد من الفتيات أمثالها تمر بهن أعوام الشباب وهن على ناصية الانتظار.

وتشير هنا إلى أن خمسة من زميلاتها المعلمات في المدرسة قاربن على سن الثلاثين دون توفر فرصة زواج مناسبة لهن رغم حصولهن على وظيفة مجدية وتمتعهن بالجمال والسمعة الطيبة.

وتعتبر ناريمين، أن الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى تراجع إقبال الشباب في قطاع غزة على الزواج بفعل تدهور الأوضاع الاقتصادية وهو ما تأمل أن لا يجبرها على دفع الكثير من أعوام عمرها قبل الزواج وتكوين عائلة أخيرا.

وبدا سوق الذهب الشعبي المقام في منطقة قديمة بمدينة غزة حيث المحال المتلاصقة والمتقابلة يشقها ممر ضيق شبه خال من الرواد رغم أن هذه الأشهر من السنة تعد موسما للتحضير للزواج باقتناء الذهب والملابس.

ويقول تجار في السوق، إن الواقع المتردي في بيع الذهب يعكس التراجع الحاد في معدلات الإقبال على الزواج من الشبان في قطاع غزة المنهك اقتصاديا واجتماعيا.

وبالنسبة لتاجر بيع الذهب شريف جندية، فإن هذا الوقت من العام كان يمثل له بداية الذروة لكسب المال نظرا لاقتراب فصل الصيف والتجهيز لمتطلبات الزواج، لكنه يقول إن هذا العام مختلف ويشهد ركودا غير مسبوق.

ويشير جندية، إلى أنهم بينما كانوا يستقبلون عشرات الشبان الراغبين بالزواج يوميا في مثل هذه الفترة من الأعوام السابقة، فإنه بالكاد يرتاد السوق أقل من عشرة شبان طوال ساعات النهار هذه الأيام.

وإلى جانب حالة الركود في بيع الذهب، فإن أروقة المحكمة الشرعية الرئيسية في المدينة بدت شاهدة هي الأخرى على ضعف معدلات طلب الزواج منذ عدة أشهر.

ويقول قضاة في المحكمة التي يفصل فيها في أمور الزواج والطلاق، إن الوافدين إلى المحكمة بغرض الزواج في تناقص كبير يقابله ارتفاع في عدد مقدمي طلبات الطلاق.

ووفقا لإحصائيات المحاكم الشرعية في غزة، فإن نسبة الزواج انخفضت مقارنة بالأعوام السابقة وقابلها ارتفاع في نسبة الطلاق بحسب رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في غزة حسن الجوجو.

ويوضح الجوجو ل((شينخوا))، أن المعدلات سجلت تراجع عدد الراغبين بالزواج بمعدل 1300 حالة للعام الماضي ومطلع العام الجاري عن الأعوام الثمانية السابقة، فيما ارتفعت نسبة الطلاق في ذات الفترة بمعدل 1 في المائة.

ويعتبر الجوجو، أن هذه المعدلات غير المسبوقة في غزة "تهدد بانهيار عام للنسيج الاجتماعي وانعدام الأمن الاجتماعي في القطاع ومن شأنها أن تؤثر سلبا على البنية الاجتماعية بشكل عام ".

ويأتي تنامي التراجع في معدلات الزواج لدى الشبان في غزة بعد سبعة أشهر من شن إسرائيل هجوما عسكريا واسع النطاق ضد القطاع في شهري يوليو وأغسطس الماضيين واستمر 50 يوما.

وأدى الهجوم الإسرائيلي إلى قتل أكثر من 2140 فلسطينيا وجرح ما يزيد على 10 آلاف آخرين إلى جانب هدم نحو مائة ألف منزل سكني ما بين كلي وجزئي ودمار هائل في البني التحتية للقطاع.

ووفق معطيات مجلس القضاء الشرعي في غزة، فإن معظم حالات الطلاق في القطاع سببها عجز الشبان عن توفير المسكن، الأمر الذي يزيده استمرار تعثر إعادة الإعمار عقب الهجوم الإسرائيلي الأخير تعقيدا.

ويقول الجوجو، إن أبرز معطيات زيادة الطلاق وانخفاض الإقبال على الزواج على غزة تعود وفق الرصد الميداني إلى عدم القدرة على توفير مسكن مستقل للزوجة بعيدا عن العائلة نتيجة تدمير آلاف المساكن وعدم دخول مواد البناء.

وبحسب مختصين فإن أسباب تنامي العزوف عن الزواج وارتفاع معدلات الطلاق متعددة في غزة غير أن تردي الوضع الاقتصادي يحتل المسبب الرئيسي لذلك، الأمر الذي يؤرق الفلسطينيين خاصة مع استمرار تدهور الأوضاع المعيشية دون بوادر لتحسنها.

وتقدر إحصائيات فلسطينية ودولية متطابقة تجاوز معدلات البطالة في قطاع غزة البالغ عدد سكانه زهاء مليون و800 ألف نسمة، إلى 55 في المائة، والفقر إلى 65 في المائة، فيما تقدر نسبة انعدام الأمن الغذائي لديهم بأكثر من 60 في المائة.

وتضررت أكثر من خمسة آلاف منشأة اقتصادية ودمرت 500 منها بشكل كلي في الهجوم الإسرائيلي الأخير.

وفاقم ذلك من تدهور الوضع الاقتصادي شبه المنهار أصلا في قطاع غزة بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض عليه منذ منتصف عام 2007 إثر سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على الأوضاع في القطاع.

وتعهدت الدول المانحة بجمع مبلغ 5.4 مليار دولار للفلسطينيين على أن يخصص نصفه لصالح إعادة إعمار قطاع غزة خلال مؤتمر دولي عقد في القاهرة في 12 من أكتوبر الماضي.

لكن عمليا لم يتم حتى الآن المباشرة بمشاريع إعادة الإعمار باستثناء ترميم منازل متضررة جزئيا، فيما يقول مسؤولون فلسطينيون ومنظمات دولية إن ما وصل من تمويل دولي للإعمار في القطاع لا يتجاوز 10 في المائة.

ويرى مدير جمعية (الوداد) للتأهيل المجتمعي في غزة نعيم الغلبان في تصريحات ل((شينخوا))، أن الشبان في غزة بفعل شدة تعرضهم ل"القهر والحصار" باتوا لا يجدون في الزواج أولوية لهم.

ويشير الغلبان، إلى أن الزواج بحاجة إلى متطلبات وإن لم يتم توفيرها يتسبب ذلك بانعدام الرغبة في الزواج، وأسس الحياة في غزة على بساطتها تفرض توفر ولو الحد الأدنى من هذه المتطلبات وهو ما يفتقده الشبان فيها.

ويلفت إلى أنه "لا يوجد حتى الآن إعادة إعمار حقيقي لما تم هدمه فكيف يمكن توفير أحد أهم مطالب الزواج بتوفير مسكن منفصل للزوجين باعتبار ذلك الحد الأدنى من مقومات تكوين العائلة ".

وتقول وزارة الإسكان والأشغال العامة في غزة، إن القطاع يحتاج أكثر من 250 ألف وحدة سكنية بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير لتعويض النقص الحاصل في احتياجات السكان خصوصا فئة الشبان.

وتعتبر مديرة مركز الإعلام المجتمعي في غزة عندليب عدوان، أنه إلى جانب تعثر إعادة الإعمار فإن حالة التوتر السياسي المتواصلة للشبان في القطاع تمنع أغلبهم من مجرد التفكير بالارتباط وتكوين عائلة.

وتبرز عدوان في تصريحات ل((شينخوا))، مخاطر واقع انعدام فرص العمل أمام الشبان في غزة وأن ما يتوفر منها يكون بآلية مؤقتة ما يضعف تطلعاتهم لتكوين عائلة انطلاقا من عدم شعورهم بأي استقرار اجتماعي أو اقتصادي.

وتشدد على أن هذا الواقع يتطلب حلولا جذرية سريعة خصوصا عند التنبه إلى أن إطلاق تصنيف "العنوسة" في المجتمع الفلسطيني بحكم عاداته وتقاليده خطر يتهدد الفتيات ابتداء من بلوغهن سن 24 عاما.

وبهذا الصدد تحذر وزيرة شؤون المرأة في حكومة الوفاق الفلسطينية هيفاء الأغا في تصريحات ل((شينخوا))، من تصاعد قياسي في معدلات العنوسة للنساء في قطاع غزة.

وتنبه الأغا، إلى مخاطر تعرض الفتيات في غزة لضغط نفسي كبير نتيجة الخشية من بقائهن عانسات وتقدم سنوات العمر بهن من دون زواج.

وتشير الأغا، إلى هذا التصاعد الكبير في معدلات العنوسة يعود في المقام الأول للمصاعب الاقتصادية وامتناع الشبان عن الإقبال على الزواج بالمعدلات الطبيعية وهو ما ينذر بأزمة اجتماعية حادة.