احتضنت عاصمة المملكة العربية السعودية الرياض مؤخراً، مؤتمر "مبادرة مستقبل الابتكار" السادس، أكبر منتدى دولي للاستثمار والابتكار في الشرق الاوسط، حيث حظي الممثلون الصينييون بشعبية كبيرة، وأصبح موضوع الصين محط اهتمام الضيوف.
قال ريتشارد أتياس، الرئيس التنفيذي لجمعية " مبادرة مستقبل الاستثمار السعودي"، إن مشاركة رواد الأعمال والمستثمرين الصينيين في هذا المؤتمر مهم للغاية، والمؤتمر بحاجة إلى سماع صوت الصين. واشاد وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي هوارف ، بتطوير الشركات الصينية والعلوم والتكنولوجيا، على أمل معرفة المزيد من تجربة الصين وتعزيز التحول السريع للاقتصاد السعودي. بالاضافة الى ذلك، عقد المؤتمر " ليلة الصين" بشكل خاص . وقال مسؤولون سعوديون إن التطور القوي للشركات الصينية قدم مساهمات مهمة في الحفاظ على استقرار سلسلة التوريد العالمية وحظي بتقدير عالمي.
منذ بداية هذا العام، تتفاعل الصين ودول الشرق الاوسط بشكل متكرر ونشط: وقعت الصين وسوريا مذكرة تفاهم بشأن تعاون "الحزام والطريق"، وأصبحت سوريا رسمياَ عضواً جديداً في " الحزام والطريق".وقام وزراء خارجية المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت وتركيا وعمان وإيران والامين العالم لمجلس التعاون الخليجي بزيادة الصين بشكل مكثف في غضون شهر واحد. وشاركت الصين بصفتها الضيف الوحيد المدعو، في الاجتماع الـ48 لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي الذي عقد في إسلام أباد، عاصمة باكستان.
لماذا تتطلع دول الشرق الاوسط نحو الشرق؟
تحترم الصين ودول الشرق الاوسط بعضهما البعض ولديهما أساس متين للتعاون. منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية مع مصر في عام 1956، لاكثر من 60 عاماً، تعاملت الصين ودول الشرق الأوسط مع بعضها البعض بإخلاص وساعد كل منهما الآخر في ظل تقلبات الوضع الدولي. ولطالما دعمت الصين شعوب الشرق الأوسط في استكشاف مسار التنمية الخاص بهم بشكل مستقل، كما قامت دول الشرق الاوسط بالتصويت بالثقة لمبادات التنمية الصينية ومفاهيم التنمية باجراءات عملية، حيث أظهرت أكثر من عشر دول من الشرق الاوسط نيتهم للانضمام الى "مجموعة أصدقاء مبادرات التنمية العالمية"، وقد انضمت مصر والامارات العربية المتحدة وبنجاح إلى بنك التنمية الجديد، وتناقش العديد من دول الشرق الأوسط مع الصين اجراءاتالتلاحم التنفيذية لخطة تنمية الصينورويتهم التنمية. وعلى عكس بعض القوى الغربية التي كانت تتصرف منذ فترة طويلة كقوى مهيمنة باسم الحلفاء في الشرق الاوسط، كان دور الصين في الشرق الأوسط دائماً بناءً.
ترتبط المصالح الصينية ودول الشرق الأوسط ببعضها البعض، ولدى الجانبين حوافز قوية للتعاون. وإن التكامل الاقتصادي بين الصين ودول الشرق الاوسط ليس حديث العهد، والصين أكبر شريك تجاري للدول العربية منذ سنوات عديدة. وتشير الاحصاءات إلى أنه في عام 2021، تجاوز حجم التجارة الثنائية بين الصين والدول العربية علامة 300 مليار دولار أمريكي، بزيادة سنوية بلغت حوالي 37% . وفي الوقت نفسه، تتزامن مبادرة "الحزام والطريق" الصينية مع استراتيجيات التنمية طويلة المدى لدول الشرق الاوسط، وهناك دافع هائل لتقارب الجانبين. وإن إنشاء العاصمة الادارية الجديدة لمصر، والمنتزه الايضاحي للتعاون في الطاقة الانتاجية بين الصين والامارات، ومشروع إمدادات المياه في قطر ... كلها أمثلة ناجحة لرسو السفن في مبادرة " الحزام والطريق" واستراتيجيات التنمية الخاصة بدول الشرق الاوسط.
تتمتع الصين ودول الشرق الأوسط بإمكانات إنمائية كبيرة وآفاق واسعة للتعاون. وأصبح التعاون بين الصين ودول الشرق الأوسط في مجال الطاقة نموذجاً للمنفعة المتبادلة والنتائج المربحة للجانبن. وفي السنوات الاخيرة، وجد الجانبان المزيد من أقطاب النمو الجديدة للتعاون في مجالات التكنولوجيا الفائقة مثل، شبكة الجيل الخامس، والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي. وفي سبتمبر من هذا العام، التقى عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي بشكل جماعي مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي خلال حضوره الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وقد حصل الجانبان على إجماع بضرورة بذل الجهود لتعزيز تشكيل اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، والتي اذا نجحت ستصبح ثاني اكبراتفاقية تعاون اقليمي في العالم بعد الشراكة الاقتصادية الاقليمية الشاملة (RCEP) من حيث الحجم والبلدان والسكان، وستعلب دورا ايجابيا في تعاون الجانبين في المجالات الناشئة مثل الاقتصاد الرقمي والطاقة المجددة والذكاء الاصطناعي، وتسرع التحول والارتقاء الاقتصادي بدول الخليج وتحقيق التنويع الصناعي.
ويرى بعض المحللين أن زيادة صادرات النفط إلى الصين كانت بشكل رئيسي السبب في تحول دول الشرق الاوسط نحو الشرق في السنوات العشر الأولى من القرن الحادي والعشرين، لكن الموجة الحالية من " التوجه شرقاً" تعود الى التراجع في اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الاوسط وعدم كفاية الاستثمار، وفي ظل هذه الخلفية، أصبح التعاون مع الصين خياراً عاجلاً وموثوقاً به لإعادة الحيوية الاقتصادية لدول الشرق الاوسط. وأن دول الشرق الاوسط التي عانت من الهيمنة ولعبة الجيوسياسية لفترة طويلة بحاجة ماسة إلى طاقة إيجابية تساعد على تعزيز السلام والتنمية في المنطقة. وإن الصين شريك استراتيجي موثوق لدول الشرق لاوسط لفترة طويلة.
يقول المثل الصيني: "توحيد الطموح أساس نجاح المخطط". إن اتحاد الصين ودول الشرق الاوسط كوحدة واحدة وعمقت شراكتهما في مواجهة التغيرات الكبرى التي لم يشهدها العالم منذ قرن من الزمان، سيضخ مزيداً من الاستقرار واليقين في العالم المضطرب والمتغير، ويجمع مجموعة واسعة من القوى لبناء مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية.