بكين 18 أغسطس 2022 (شينخوا) من زيارة متحف اللوفر أبوظبي افتراضيا مرورا بتشارك لحظات حياتية على ((تيك توك)) وصولا إلى التعلم والتسوق عن بعد خلال جائحة كوفيد-19، أدخلت التكنولوجيا الرقمية تسهيلات غير مسبوقة على حياة الناس، فيما أصبح الاقتصاد الرقمي قوة متزايدة الأهمية لدفع التنمية الاقتصادية لمختلف دول العالم.
في إطار مبادرة الحزام والطريق، حقق التعاون بين الصين والدول العربية في مجال الاقتصاد الرقمي إنجازات كبيرة من خلال توقيع سلسلة من وثائق التعاون وتنفيذ عدد من المشاريع العملية. وبالنظر إلى المستقبل، ثمة إمكانات كبيرة لتعاون الجانبين في مختلف قطاعات الاقتصاد الرقمي، مثل بناء البنية التحتية الرقمية والتجارة الإلكترونية والحوكمة الرقمية، مع إصدار الطرفين استراتيجيات رقمية معنية وتنامي تعاون شركات الجانبين في هذا الصدد.
-- إنجازات ملموسة
في السنوات الأخيرة، شهد التعاون الصيني العربي في مجال الاقتصاد الرقمي تطورا مطردا وحقق إنجازات ملموسة، الأمر الذي ضخ حيوية جديدة في التنمية عالية الجودة للبناء المشترك للحزام والطريق.
على المستوى الحكومي، أكدت وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية التي أصدرتها الحكومة الصينية في يناير عام 2016 على تعزيز التعاون الثنائي في مجال العلوم والتكنولوجيا، حيث أشارت إلى تسريع وتيرة إقامة آليات حكومية صينية وعربية للتعاون في الابتكار والإبداع العلمي والتكنولوجي، وتنفيذ برنامج الشراكة العلمية والتكنولوجية، وتشجيع التواصل بين المواهب العلمية الشابة وغيرها من الأمور.
في عام 2017، أطلقت الصين ومصر والإمارات وغيرها من الدول "مبادرة التعاون الدولي للاقتصاد الرقمي على طول الحزام والطريق "لدفع التعاون في التحول الرقمي والاستثمار في تكنولوجيا الاتصالات". وفي عام 2019، وقعت الصين ومصر مذكرة تفاهم حول تعزيز التعاون في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لدفع التعاون في بناء البنية التحتية للمعلومات والاتصالات والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي.
في عام 2021، أصدرت الصين وجامعة الدول العربية "مبادرة التعاون بين الصين وجامعة الدول العربية في مجال أمن البيانات"، وتعد هذه المبادرة نموذجا يحتذى به في تعزيز الحوكمة الرقمية العالمية في ظل التطور الهائل للثورة التكنولوجية والمعلوماتية، ومن شأنها أن تعزز وتثري التعاون الصيني-العربي في مجال الاقتصاد الرقمي.
أما على مستوى الأعمال، دخلت المزيد من شركات التكنولوجيا الصينية إلى الأسواق العربية. فقد وقعت شركة ((هواوي)) اتفاقيات تقنية مع أكثر من 10 مشغلي الاتصالات في دول بالشرق الأوسط، بما فيها الكويت والإمارات والسعودية والبحرين وغيرها من الدول لبناء شبكات الجيل الخامس (5 جي).
على سبيل المثال، وقّعت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية في عام 2020 مذكرة تفاهم مع شركة هواوي الصينية سعيا إلى تعزيز الاقتصاد الرقمي والنظام الإيكولوجي وتوطين التقنيات وفق أحدث الممارسات العالمية. وفي يونيو الماضي، أطلقت بالعاصمة السعودية الرياض خدمات الشركة السعودية للحوسبة السحابية بالتعاون مع شركة ((علي بابا)) لخدمات الحوسبة السحابية الصينية.
في هذا الصدد، قال جوزيف مدير العلاقة الدولية بشركة أنظمة الاتصالات والإلكترونيات المتقدمة في السعودية، التي لديها تجربة ناجحة في الشراكة مع شركات صينية مثل ((هواوي)) و((علي بابا))، إن التعاون في الاقتصاد الرقمي بين الصين والدول العربية بشكل عام وبين الصين والسعودية بشكل خاص يتطور بشكل ملحوظ وشهد نموا مقارنة بالسنوات الماضية و"الدليل على ذلك الإقبال المستمر من جانب العديد من الشركات الرقمية الصينية على دخول السوق السعودية".
-- إمكانات كبيرة
مع التطور المتسارع للتكنولوجيا، صار الاقتصاد الرقمي يشغل مكانة ذات أهمية أكبر في التنمية الاقتصادية. وبدورها، أولت الصين والدول العربية اهتماما بالغا بالاقتصاد الرقمي وأصدر الجانبان استراتيجيات مختلفة لدفع تنمية هذا المجال. ففي الصين، وصل متوسط معدل نمو الاقتصاد الرقمي خلال الفترة ما بين عامي 2012 و2021 إلى 15.9 في المائة. وفي أوائل العام الجاري، وضع مجلس الدولة الصيني خطة لتسهيل تنمية الاقتصاد الرقمي خلال فترة الخطة الخمسية الـ14 (2021-2025) لتحسين البنية التحتية ذات الصلة ورفع مستواها، ودفع التحول الرقمي للشركات، وتوسيع التعاون الدولي في الاقتصاد الرقمي.
في الإمارات، التي تتصدر عملية التحول الرقمي في المنطقة، أطلقت الحكومة "استراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة" في عام 2017 بهدف تحقيق اقتصاد وطني تنافسي قائم على المعرفة والابتكار والتطبيقات التكنولوجية المستقبلية. وفي السعودية، أطلقت الحكومة سياسة الاقتصاد الرقمي في المملكة في أواخر 2020 لدفع تنمية البنية التحتية الرقمية والبيانات والمنصات الرقمية بشكل خاص. وإلى جانب هذين البلدين، أصدرت أكثر من 10 دول عربية أخرى خططا واستراتيجيات رقمية، حسبما ذكر صندوق النقد العربي.
وأشارت التحليلات إلى فرص واعدة أمام تكامل الاستراتيجية الرقمية الصينية مع نظيراتها العربية نظرا لمزايا الصين في قطاعات الاقتصاد الرقمي مثل اتصالات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي من ناحية واحتياجات الدول العربية الملحة لتنمية الاقتصاد الرقمي من ناحية أخرى، وهو ما يفسح المجال أمام الإمكانات الكبيرة للتعاون الصيني العربي على هذا الصعيد.
وقد كتب وانغ شياو يو، المحاضر بمركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية، في مقال نُشر مؤخرا بمجلة ((غرب آسيا وإفريقيا))، يقول إن التعاون الصيني العربي في الاقتصاد الرقمي آخذ في التطور مع ارتقاء العلاقات الصينية العربية والدفع المستمر لبناء الحزام والطريق، كما إنه يستشرف آفاقا جديدة، مسلطا الضوء على إقامة آليات تبادل وتعاون بين الجانبين تغطي قطاعات بالاقتصاد الرقمي مثل الاتصالات وتدريب المواهب وأمن الشبكات، وكذا مشاركة الشركات الصينية بصورة فاعلة في تعزيز التحول الرقمي بالدول العربية.
وتابع وانغ حديثه ليشير إلى حاجة الصين إلى تكثيف الجهود لدفع التعاون في بناء البنية التحتية الرقمية والاهتمام بتدريب المواهب وتشييد مدن ذكية جديدة والارتقاء بالتجارة الإلكترونية عبر الحدود فضلا عن فتح فصل جديد في الحوكمة الرقمية، على نحو يساهم في دفع التنمية عالية الجودة لبناء الحزام والطريق.
من جانبه، أعرب جوزيف عن تفاؤله بهذا الخصوص، حيث قال إن "حجم التعاون في مجال الاقتصاد الرقمي بين الدول العربية والصين قد لا يعتبر كبيرا مقارنة بحجم التعاون على صعيد المقاولات والإنشاءات، لكنني مازلت أعتقد أنه سيصبح من أهم محاور التعاون مستقبلا".