بكين أول أبريل 2022 (شينخوا) وُضع المشروع التجريبي الصيني "هوالونغ وان" (هوالونغ الأول)، مفاعل نووي من الجيل الثالث مُصمم محلياً، قيد التشغيل التجاري مؤخراً، وذلك مع دخول وحدته الثانية حيز الاستخدام، ما يُمثل تبوء الصين مقعداً بين دول الطليعة في مجال التكنولوجيا النووية في العالم، جنباً إلى جنب مع دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا.
وبعد اكتمال المشروع المذكور، من المتوقع أن تُولد وحدتا الطاقة النووية التابعتان للمشروع نحو 20 مليار كيلووات/ساعة من الطاقة الكهربائية سنوياً، ما يُعادل خفض 6.24 مليون طن من استهلاك الفحم المعياري، و16.3 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وتعتبر صناعة الطاقة النووية صناعة استراتيجية جديدة عالية وكثيفة التكنولوجيا، حيث لا يقتصر التشغيل التجاري للمشروع فقط على تحسين هيكل الطاقة الصيني، وتعزيز التنمية الخضراء ومنخفضة الكربون، والمساهمة في تحقيق هدفي الصين لبلوغ ذروة انبعاثاتها من الكربون بحلول عام 2030، وتحقيق "الحياد الكربوني" بحلول عام 2060، بل ويتميز أيضاً بأهمية كبيرة في رفع قدرة الصين التنافسية الدولية في صناعة الطاقة النووية، وتوسيع تعاونها في هذا المجال خارج البلاد.
واستناداً إلى أكثر من ثلاثة عقود من الخبرات المتراكمة في مجالات الأبحاث والتصميم، والإنشاءات والتشغيل لمرافق الطاقة النووية، أصبحت تقنية "هوالونغ وان"، التي طورتها الشركة الوطنية الصينية للطاقة النووية، نتيجة مبتكرة للجيل الثالث من مفاعل الماء المضغوط مع حقوق ملكية فكرية مستقلة، لتكون بطاقة عمل صينية جديدة في هذا الشأن.
وعادة ما يُمثل مستوى الأمان مصدر قلق كبير للمحطات النووية، فيما أسهمت كارثة "فوكوشيما" التي وقعت في اليابان عام 2011 في تعزيز المخاوف. إلا أن مفاعل "هوالونغ وان" صُمم بجميع مكوناته الأساسية المنتجة داخل الصين، ليكون قادراً على العمل لعمر افتراضي يبلغ 60 عاماً، مع مراعاة وتلبية أكثر وأعلى معايير السلامة والأمان صرامة في العالم، إذ أنه مزيج من نظامي السلامة النشط والسلبي، وهيكل احتواء مزدوج الطبقة، فضلاً عن المقاومة القوية للأضرار التي تنتج عن وقوع زلزال قوته 9 درجات.
ولضمان إنتاج كافة المكونات الأساسية محلياً، شاركت 17 جامعة ومؤسسة بحثية، علاوة على 58 شركة مملوكة للدولة، وأكثر من 140 شركة خاصة في جميع أنحاء الصين، شاركت في تطوير مفاعل "هوالونغ وان"، بينما تجاوز عدد الموردين للمشروع بأكمله أكثر من 5300 مورد.
ويحظى "هوالونغ وان" بـ716 براءة اختراع وطنية، و65 براءة اختراع دولية، وأكثر من 200 علامة تجارية خارجية، و125 من حقوق النشر البرمجية، التي تغطي تقنيات في مجالات تشمل التصميم والوقود والتشغيل والصيانة، ما من شأنه تلبية مختلف متطلبات العالم من المؤشرات الفنية ذات المعايير المتقدمة.
ولطالما كانت الصين مستعدة دائماً لتعزيز التعاون الدولي حول الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وتزويد بلدان العالم بتقنية "هوالونغ وان"، لا سيما المكونات الرئيسية، إلى جانب تقاسم ومشاركة الخبرات وتدريب الأفراد، متطلعة في ذات الوقت نحو تعاون أوسع مع دول أخرى، في تطوير تقنيات جديدة للطاقة النووية.
كما شاركت الصين بنشاط في المنظمات الدولية في مجال الطاقة النووية، مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لدفع التبادلات التكنولوجية الدولية، ومواجهة التحديات في هذا الصدد.
وفي هذا السياق، أقامت الشركة الوطنية الصينية للطاقة النووية، التي صممت مفاعل "هوالونغ وان"، نوايا للتعاون في مشاريع الطاقة النووية مع ما يزيد عن 20 دولة ومنطقة مثل باكستان، والأرجنتين، والسعودية، والبرازيل.
ومن بين المشاريع المعنية، دخلت الوحدة رقم 2 لمشروع تجريبي خارجي يُدعم بتقنية "هوالونغ وان"، والذي يقع في كراتشي بباكستان، قيد التشغيل التجاري، مع إكمال أعمال ربط الوحدة رقم 3 بالشبكة الكهربائية بنجاح، ما شكّل أقصر فترة لبناء مشروع خارجي من الجيل الثالث لتقنية الطاقة النووية في العالم.
كما وقعت الشركة المذكورة وعملاق الطاقة الفرنسي المملوك للدولة (إي دي إف) اتفاقيات مع الحكومة البريطانية في سبتمبر عام 2016، لبناء ثلاثة مشروعات في بريطانيا، حيث استوفى مفاعل "هوالونغ وان" معيار تقييم التصميم العام، ليحظى بالموافقة على استخدامه في البلاد في فبراير الماضي.
وفي الوقت نفسه، تم خلال العام الجاري توقيع عقد بناء مشروع للطاقة النووية باستخدام تقنية "هوالونغ وان" في الأرجنتين، بينما حظيت هذه التقنية باهتمام العديد من الدول الواقعة على طول مبادرة "الحزام والطريق" التي لديها خطط لتطوير الطاقة النووية فيها، ووفرت لها خياراً هاماً آخر.
وبدأت أعمال البناء واسع النطاق لمفاعل "هوالونغ وان" في الصين، حيث وافقت البلاد على مشروعين جديدين في مقاطعتي هاينان وتشجيانغ، باستخدام هذه التقنية في سبتمبر عام 2020، فيما ستأخذ حصة أكبر في سوق الطاقة النووية العالمية، في ظل قدرتها على تقديم الخدمات في كل سلاسل الصناعة.
وأظهرت نتائج بيانات أصدرتها الجمعية الصينية للطاقة النووية، أنه وحتى نهاية عام 2021، كان لدى الصين 53 وحدة طاقة نووية عاملة، تُولد 407.141 مليار كيلووات/ ساعة من الكهرباء، ما يُمثل نسبة 5.02 بالمائة من إجمالي إنتاج الطاقة في البلاد.