د. فايزة كاب
بناء على دعوة عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية وانغ يي، يزور كل من وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، ووزير الخارجية الكويتي ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، ووزير الخارجية العماني السيد بدر بن حمد البوسعيدي، ووزير الخارجية البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف فلاح مبارك الحجرف معاً الصين في الفترة من 10 إلى 14. كما سيزور كل من وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان على التوالي الصين في 12 و14 يناير الجاري، وتعتبر هذه أول زيارة يقوم بها وزير الخارجية الإيراني إلى الصين منذ تولي إبراهيم رئيسي السلطة في أغسطس العام الماضي. كما أن اجتماع كبار المسؤولين من العديد من دول الشرق الأوسط لزيارة الصين في بداية العام الجديد، هو مشهد نادر والأول من نوعه في تاريخ التبادلات بين الصين والشرق الأوسط.
يعتقد المحللون أن هذه الزيارات "المزدهرة " ليست مفاجئة، حيث تأتي نتيجة سنوات من الإدارة الجدية للعلاقات بين الصين ودول الشرق الأوسط، وقبول المفهوم الصيني لتعزيز السلام من خلال التنمية على نطاق واسع. كما تشير الزيارات أيضاً إلى أن العلاقة بين الصين ودول الشرق الأوسط سترقى إلى مستوى جديد في العام الجديد.
مغزى التوقيت
تعتبر الزيارة التي سيقوم بها وزيرا الخارجية التركي والإيراني ملفتة للنظر للغاية من حيث التوقيت. أولاً، تتزامن الزيارة مع الزيارة "المكثفة" التي يقوم بها وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الأربع والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي للصين هذا الأسبوع. ثانيًا، المفاوضات جارية بين إيران والقوى الكبرى حول استئناف الاتفاق النووي الإيراني. ثالثًا، شن إيران هجومًا دبلوماسيًا. وقد قام وزير الخارجية الإيراني يوم الاثنين بزيارة سلطنة عمان التي يقوم وزير خارجيتها بزيارة الصين حالياً ضمن وفد مجلس التعاون الخليجي. وبحسب رويترز يعتزم الرئيس الإيراني رئيسي زيارة روسيا مطلع العام الجاري. وستكون هذه أول زيارة يقوم بها رئيس إيراني إلى روسيا منذ عام 2017، وأهم زيارة خارجية لرئيسي منذ توليه السلطة في أغسطس من العام الماضي. ويعتقد لي ويجيان، الباحث في معهد شانغهاي للدراسات الدولية ونائب رئيس جمعية الشرق الأوسط الصينية، أن "انضمام" وزيري خارجية تركيا وإيران إلى وفد الشرق الأوسط الزائر إلى الصين، يجب فهمه في إطار تعديل دول الشرق الأوسط علاقاتها داخليًا واتخاذ زمام المبادرة للاستجابة للوضع الجديد.
وتشهد دول منطقة الشرق الأوسط منذ العام الماضي، عملية إعادة تنظيم للعلاقات الداخلية، حيث استأنفت العلاقات الدبلوماسية بين قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر منهية عاصفة " الأزمة الدبلوماسية الخليجية ". وحسّنت تركيا العلاقات مع مصر والإمارات. وقام مستشار الأمن القومي الإماراتي على رأس وفد بزيارة إيران. وزار رئيس الوزراء الإسرائيلي الإمارات بعد ذلك. كما عقدت السعودية وإيران "عدوان قديمان" أربعة "اجتماعات سرية" في العراق. وفي هذا الصدد، أشار لي ويجيان إلى أن دول الشرق الأوسط تتخذ في الوقت الحاضر خيارات جديدة في مواجهة الوضع الجديد: انسحاب الولايات المتحدة تدريجياً من الشرق الأوسط وتحولت إلى التركيز على المنافسة الاستراتيجية بين القوى الكبرى، وتراجع نفوذها في الشرق الأوسط تدريجياً. والأهم من ذلك، عانت دول الشرق الأوسط بشدة من سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وقد أدى دخولها في صراعات داخلية غير مجدية في الماضي إلى استهلاك الكثير من الموارد وفقدان فرص التنمية. كما أدى تفشي الوباء إلى إعاقة عملية تحول التنمية لدول الشرق الأوسط، وأصبحت المشاكل الاقتصادية الداخلية أكثر بروزًا. لذلك، تولي هذه الدول مزيداً من الاهتمام لقضايا الحكم المحلي، معتقدة أنه لم يعد من الممكن "اختطافها" من قبل الولايات المتحدة، والحاجة لدبلوماسية مستقلة، وممارسة نفوذها في تشكيل النظام الإقليمي وخلق بيئة خارجية مواتية للانتعاش الاقتصادي في حقبة ما بعد الوباء، ويمكن لتعزيز التعاون مع الصين أن يجلب الفرص. وفي ظل زيارة وزراء خارجية دول الخليج الأربع للصين، تتطلع تركيا وإيران أيضًا إلى اغتنام الفرصة لممارسة الدبلوماسية بنشاط مع الصين حتى لا تتخلف عن الركب.
وبحسب هوا لي مينغ، سفير الصين السابق بطهران، فإن زيارة وزراء خارجية أربع دول خليجية والأمين عام لمجلس التعاون الخليجي ووزير خارجية إيران إلى الصين تكشف عن توجه مهم، وهو أنه من المتوقع أن تشهد العلاقات بين إيران والسعودية ودول الخليج الأخرى تحسناً، وستلعب الصين دورًا مهمًا في الوساطة. وأشار هوا لي مينغ إلى أن الهدف من تأسيس مجلس التعاون الخليجي هو استهداف إيران، ومن الصعب إزالة اللون المعادي لإيران حتى الآن. ومع ذلك، فقد تغير الوضع في الشرق الأوسط بشكل كبير. وتأمل دول الشرق الأوسط أن تعتمد على نفسها وأن تجد طريقها الخاص في ظل تقلص استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتهميش الصراع العربي الإسرائيلي، وتتراجع أهمية الشرق الأوسط في الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة. لذا، تسعى الدول العربية إلى تسهيل العلاقات مع إيران. وتلعب الصين في هذه العملية دور "الوسيط" المهم بشكل متزايد. وبهذا المعنى، ليس من قبيل المصادفة أن تصبح الصين وجهة مشتركة لزيارتها من دول مجلس التعاون الخليجي وكبار المسؤولين الإيرانيين في نفس الوقت، وترتيب مثل هذا الاستقبال الدبلوماسي الواسع النطاق أثناء تفشي الوباء له مغزى كبير. ومن خلال هذه الزيارة، ستلعب الصين دورًا مهمًا في تحسين العلاقات بين الجانبين. ومقارنة بالقوى الكبرى الأخرى، تتمتع الصين بمزايا فريدة في هذا الصدد، فالصين لا تتدخل في الصراعات الداخلية في الشرق الأوسط، وليس لها أعداء في الشرق الأوسط، وتحافظ على علاقات طيبة مع دول المنطقة.
وفي حديثه عن توقيت وخلفية المفاوضات النووية الإيرانية، قال لي ويجيان إن المفاوضات حول عودة الولايات المتحدة وإيران إلى الاتفاق النووي الإيراني تمر بلحظة حاسمة. وقد كانت الصين طرفًا مهمًا في الاتفاق النووي الإيراني الموقع في عام 2015، وتأمل إيران أن تلعب الصين دورًا في دفع الولايات المتحدة إلى رفع العقوبات أو تخفيفها. وفي الوقت نفسه، تقوم إيران بالاستعدادات لدراسة تعزيز العلاقات مع الصين وروسيا لكسر العقوبات الأمريكية وسياسة عزلتها، إذا ما صعب كسر الجمود في المفاوضات. وهذه اعتبارات مهمة لزيارة وزير الخارجية الإيراني إلى الصين أيضًا.
دلالات الزيارة
يتوقع أن تتضمن المحادثات بين الصين وتركيا وإيران المشاورات السياسية والاقتصادية والشؤون الدولية ذات الاهتمام المشترك. سياسياً، سيتم تعزيز العلاقات الثنائية بين الصين وتركيا، والصين وإيران. بمعنى ما، فإن زيارة وزيري الخارجية التركي والإيراني للصين هذا الأسبوع هي أيضًا بمثابة رد لزيارة وانغ يي لتركيا وإيران في مارس الماضي. كما تحمل العلاقات بين الصين والبلدين كلمة "استراتيجية": الصين-تركيا هي علاقة الشراكة الاستراتيجية، والصين -إيران علاقة الشراكة الاستراتيجية الشاملة. لذلك، يعتبر التواصل والتنسيق الاستراتيجي جزءًا من موضوع زيارة وزيري الخارجية إلى الصين أيضًا. وكما ذكرت وزارة الخارجية الصينية، فإن الصين وإيران "تدعمان بعضهما البعض بقوة"، والصين وتركيا "تتفهمان وتدعمان بعضهما البعض" في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية لكل منهما. وأشار هوا لي مينغ إلى أنه بعد تولي إبراهيم رئيسي السلطة في إيران، كان لدى العالم الخارجي الكثير من التكهنات حول السياسة الخارجية للرئيس المحافظ المتشدد، معتقدًا أنها قد تكون أكثر راديكالية، لكن الحقائق أثبتت أن رئيسي لم يعكس سياسة حكومة روحاني، بل واصل تحسين العلاقات مع دول الخليج واستمر في سياسة إيران الخارجية "آسيا أولاً"، والصين هي الشريك الرئيسي لهذه السياسة.
اقتصاديًا، مناقشة خطة التعاون الشامل بين الصين وإيران، وتعزيز التوافق بين استراتيجيات التنمية الصينية التركية. وقد كشف متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عند الإعلان عن زيارة وزير الخارجية للصين يوم الاثنين، عن أن مناقشة خطة التعاون الشامل التي وقعها البلدان العام الماضي ستكون موضوعا هاما. ففي مارس من العام الماضي، وقعت الصين وإيران خطة تعاون شاملة مدتها 25 عامًا، تهدف إلى الاستفادة من إمكانات التعاون بين البلدين في مجالات الاقتصاد والثقافة، وتخطيط آفاق ومسارات تعاون طويل الأجل. ومع ذلك، قال المحللون إن خطة التعاون الشامل هذه ليست سوى خارطة طريق وإطار عمل، ولا تتضمن عقودًا أو مؤشرات محددة كمية، ولم يتم التفاوض على تفاصيل التعاون المحددة من قبل الطرفين. وفي هذا الصدد، قال هوا لي مينغ إنه منذ توقيع الوثيقة الاستراتيجية في مارس من العام الماضي، تعمل الصين وإيران على تعزيز تنفيذ خطة التعاون. ويتضمن محتواه الأساسي في تعزيز تجارة النفط وبناء البنية التحتية وتطوير التصنيع. ومع ذلك، أعيق تنفيذ خطة التعاون بسبب فرض الولايات المتحدة عقوبات على إيران وإساءة استخدام "الولاية القضائية طويلة المدى". وعلى صعيد التعاون مع تركيا، يتوقع أن تعزز هذه الزيارة الارتباط العميق بين مبادرة "الحزام والطريق" و "الممر الأوسط" التركي. وبالنسبة لتركيا، من المهم بشكل خاص تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع الصين في ظل أزمة انخفاض قيمة عملتها والتضخم الحاد. كما ستتبادل الصين وجهات النظر مع تركيا وإيران حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. على سبيل المثال، فيما يتعلق بالقضية الأفغانية، قال هوا لي مينغ إنه لا يوجد حتى الآن موقف دولي واضح تجاه نظام طالبان في أفغانستان. لذلك، يتوقع أن يكون كيفية التعامل مع العلاقات مع أفغانستان ومساعدة الأخيرة على الخروج من محنتها الاقتصادية والإنسانية موضوع زيارة وزيري الخارجية الإيراني والتركي للصين.
فتح التقويم الدبلوماسي للعام الجديد
أبرزت رحلة وانغ يي إلى الشرق الأوسط في مارس من العام الماضي أن الدبلوماسية الصينية قد دخلت "توقيت الشرق الأوسط"، وتشير الساعة الدبلوماسية الحالية لدول الشرق الأوسط بلا شك إلى "توقيت الصين"، وبالتالي، فتح التقويم الدبلوماسي للعام الجديد. ويعتقد المحللون أن هذه بداية مهمة ترسي أساسا لمستوى أعلى من العلاقات بين الصين ودول الشرق الأوسط هذا العام.
وأشار هوا لي مينغ إلى أنه في السنوات الأخيرة، أصبحت مكانة الشرق الأوسط وأهميته في الدبلوماسية الصينية الشاملة بارزة بشكل متزايد، كما استمر تطور العلاقات الثنائية في التحسن من حيث النمو والجودة. وتعتبر الصين أكبر شريك تجاري في الشرق الأوسط، وأن الأخيرة أكبر مورد للطاقة للصين، وشريك مهم في البناء المشترك لـ "الحزام والطريق". كما حققت الدبلوماسية الصينية اختراقات كبيرة عند التعامل مع شؤون الشرق الأوسط، حيث غيرت موقفها المنفصل نسبيًا في الماضي إلى حد معين. الآن، أصبح الأمر أكثر استنادًا إلى مسؤوليات دولة كبرى، وانطلاقًا من مصالحها الوطنية الخاصة، وأخذ زمام المبادرة لإقناع استئناف محادثات السلام وتعزيز، والحفاظ على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
"هذا العام ، أعتقد أن علاقات الصين مع دول الشرق الأوسط سترقى على مستوى أعلى". قال هوا لي مينغ إن الصين ستواصل تعزيز محادثات السلام على الصعيد السياسي. ومن الناحية الاقتصادية، ستعزز التعاون الاقتصادي والتجاري، والبناء المشترك عالي الجودة لـ "الحزام والطريق". كما سيواصل الجانبان تعزيز التعاون في بناء البنية التحتية والتصنيع، مما سيضخ زخماً في التعافي بعد الوباء في دول الشرق الأوسط. ويساعد في حل مشكلة التوظيف لعدد كبير من الشباب في الشرق الأوسط.
وقال لي ويجيان إن الزيارات المكثفة لكبار المسؤولين من دول الشرق الأوسط إلى الصين تبدو نادرة، بل قد يراها البعض على أنه اهتمام مفاجئ لدول الشرق الأوسط بالصين، لكن هذا ليس هو الحال، حيث أنها تأتي نتيجة لتعميق العلاقة بين الصين ودول الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، كما أنها نتيجة الممارسة طويلة المدى للصين المتمثلة في "تعزيز السلام من خلال التنمية"، والتي تم التحقق منها وقبولها بشكل متزايد من قبل دول الشرق الأوسط.
هناك مقولة تقليدية:" تعتمد دول الشرق الأوسط على الولايات المتحدة في أمنها والصين في اقتصادها"، لكن هذه المقولة تستحق النقاش في سياق العصر الجديد. في الواقع، اتسع مدلول الأمن في الوقت الحالي، ومقارنة بالتهديدات الأمنية التقليدية مثل الصراعات الإقليمية، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه دول الشرق الأوسط هو تهديد سوء الإدارة لأمن النظام. لذلك، تهتم دول الشرق الأوسط بشكل أكبر بتنميتها وحكمها الوطني، ويمكن للتعاون مع الصين أن يحل ثلاث قضايا تتعلق بالتنمية الوطنية، والحوكمة الأمنية، والاستقرار الإقليمي. لذا، فإن التعاون بين دول الشرق الأوسط والصين سيصبح أقرب وأوثق في المستقبل، وهو نتيجة لتطور الوضع العام.