حمص، سوريا 13 مارس 2021 (شينخوا) مع حلول الذكرى العاشرة للأزمة السورية المتواصلة في هذا البلد العربي المنهك، أدرك العديد من الآباء المسنين أن آمالهم وأحلامهم بالعودة إلى منازلهم المدمرة قد لا تتحقق في حياتهم، لذا فهم يتفقدونها بين الحين والآخر، وينقلون هذا الحلم إلى أبنائهم على أمل أن يتمكنوا منه يوما ما.
ففي الجزء القديم المترامي الأطراف من مدينة حمص وسط سوريا، لا تزال مساحات شاسعة من المناطق، التي استعادت الحكومة السورية السيطرة عليها، في حالة خراب ودمار، بما فيها من منازل لا يمكن إصلاحها، وكتل بناء كاملة لا تزال محطمة وجاثمة على الأرض تتنظر عملية إعادة الإعمار.
فقد تركت الحرب اثارا عميقة جدا في تلك المنطقة، كما هو الحال في العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء البلاد.
ويبدو أنه من الصعب جدا معالجتها في أي وقت قريب، حيث أن الوضع في البلاد يزداد سوءا من الناحية الاقتصادية نتيجة الحصار والعقوبات الغربية على الحكومة السورية، رغم أن الحكومة السورية تقوم بين الحين والآخر ببعض عمليات الإصلاح والتنظيف في تلك المناطق.
وفي حي الحميدية في مدينة حمص، يقف هادي غصون، مدرس اللغة الإنجليزية السوري المتقاعد، وهو في أواخر الستينيات من عمره، أمام منزله المدمر يراقب بعض العمال أثناء إزالة الركام وتدمير الكتل الأسمنتية الكبيرة، التي سقطت من المبنى والقيام بتنظيفه لإصلاحه لاحقا إن أمكن.
فنصف المبنى بالكامل يجب إزالته، بينما يمكن إصلاح النصف الآخر، لكن غصون يحتاج إلى الكثير من المال والمساعدة من قبل بعض الجهات الرسمية لكي يتمكن من العودة إلى منزله لأنه لا يستطيع هو والآخرون من سكان المنطقة تحمل تلك الأعباء لوحدهم.
ونزح الرجل الستيني من منزله عندما اقتحم المسلحون منطقته واستولوا عليها في عام 2012.
وبعد عودته إلى الحي عندما استعاد الجيش السيطرة في عام 2014، لم يستطع غصون تصديق عينيه لأن الدمار كان هائلا مؤلما بالنسبة له.
وهو الآن عندما يريد الدخول إلى ما تبقى من منزله المحطم، يصعد درجا متضررا إلى حد كبير ويدخل المنزل من خلال حفرة في الأرض من منزل جاره.
وقال الرجل، وهو يحمل بين يديه بضع شهادات قديمة تخص ابنتيه وجدها تحت أنقاض منزله، لوكالة أنباء ((شينخوا)) "إن الأوراق والذكريات هي كل ما تبقى من حياته كلها".
وتابع "الذكريات تعيدني إلى الأوقات الجميلة، التي قضيتها مع بناتي عندما كنا سعداء ونعيش في سلام واعتقدنا أن المستقبل سيكون مشرقا، ولكن للأسف كان المستقبل قاتما وكئيبا".
وفي مثل هذا العمر، قال الرجل إنه فقد الأمل في العودة إلى منزله بعد كل هذه السنوات وحقيقة أن منزله يحتاج إلى الكثير ليعود إلى ما كان عليه من قبل.
ومع ذلك، قال إنه يأمل أن يتحقق حلمه في العودة لبناته، وأن يمكنهن في يوم من الأيام العودة وتحقيق حلم والدهم في العيش في منزل العائلة مرة أخرى.
وأضاف غصون إن الحياة أظهرت له وجهها القبيح خلال الحرب، مشيرًا إلى أنه لم يخطر بباله أبدا أنه سيبتعد عن منزله كل هذا الوقت وأن عودته ستكون بمثابة حلم بعيد المنال.
وقال "آمل فقط أن تتحقق أحلام وآمال بناتي لأنني تقدمت في السن ولم تعد الأحلام تسعفني بالعودة . سوف يمر الوقت سواء كنا حزينين أو سعداء لذلك آمل أن يقضي الناس وقتهم في سعادة".
وفي نفس المنطقة، كان السوري نعيم لويس، وهو رجل يبلغ من العمر (80 عاما) يقف على ما كان في السابق رواق منزله المدمر، يشاهد منظر الدمار أمام عينيه بينما كانت رياح قوية تهب وتنثر الغبار لتملأ المكان.
وقال الرجل الثمانيني إنه كان من بين آخر الأشخاص الذين غادروا الحي عندما سيطر المسلحون على المنطقة. ولم يخطر بباله أنه قد لا يتمكن من العودة أبدًا بسبب حجم الدمار وقلة القدرة على إصلاح المنطقة بسرعة.
لذلك، قال لويس إن حاله يشبه حال غصون، وأنه سيترك حلمه بالعودة إلى المنزل لأولاده، الذين كما قال، كانوا متحمسين جدًا للعودة إلى المكان الذي أمضوا فيه طفولتهم.
وأضاف ل(شينخوا) إنه "عندما نزح اعتقد أن الأمر سيستغرق بضعة أيام فقط، وأنه رأى جميع جيرانه يأخذون أغراضهم ويغادرون لذلك قرر المغادرة أيضا على الرغم من أن خروجه من منزله كان على مضض".
وتابع أنه "عندما عاد، تم تدمير كل شيء، والآن نحن ننتظر الحصول على المساعدة لإصلاح أماكننا لأنه بدون مساعدة في حياتي لن أعود إلى منزلي، وسيتعين على أطفالي العناية به وإصلاحه في المستقبل عندما يعملون ويصبحون قادرين على إصلاح ما تم تدميره".
وتشبه قصة الرجلين المسنين غصون ولويس، حالة ملايين النازحين داخل سوريا.
ووفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، هناك 6.2 مليون شخص، بما في ذلك 2.5 مليون طفل نازحون داخل سوريا، وهي أكبر مجموعة نازحة داخليًا في العالم. وقالت المنظمة إن وتيرة النزوح لا تزال بلا هوادة.