أصدرت وزارة التجارة الأمريكية تقريرها الأولي عن الناتج المحلي الإجمالي للربع الرابع من عام 2020 في 28 يناير. وكان معدل النمو ربع السنوي للناتج المحلي الإجمالي يقدر بـ 4 بالمائة، أي أقل من المتوقع 4.3 بالمائة، كما أن الناتج المحلي الإجمالي انكمش بنسبة 3.5 بالمائة في عام 2020 أيضا، ما يعد أول انخفاض منذ عام 2009 الذي سجل انخفاضا بنسبة 2.5 بالمائة من جراء الأزمة المالية، كما انه أدنى مستوى جديد منذ عام 1946.
يعتبر هذا التقرير هامشيا بالنسبة للاقتصاد الأمريكي المضطرب في العام الماضي، كما أنه يحذر إدارة بايدن من أن الركود الاقتصادي الناجم عن كوفيد-19 لم ينته بعد.
كرر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي باول بأن تعافي الاقتصاد الأمريكي يعتمد على ما إذا كان بالإمكان السيطرة على الوباء بشكل فعال أم لا.
قال خبراء الإقتصاد الأمريكيين إنه حتى لو تمت السيطرة على كوفيد-19، فلن يعود الاقتصاد إلى طبيعته على المدى القصير. وقال هامريك صاحب شركة مدرجة في بورصة ناسداك في الولايات المتحدة: "مع دخول الربع الثاني، يجب أن يبدأ الاقتصاد الأمريكي في التعافي. لكن من الواضح أن كل هذا يستغرق وقتا أطول بكثير مما توقعه أي شخص. قد يستغرق الأمر بعض الوقت لكي يتعافى كل شيء".
ومما زاد الطين بلة بأن المشكلات المزمنة المتمثلة في عدم المساواة بين الأعراق وبين الجنسين في المجتمع الأمريكي يجعل فكرة المساواة تتعايش مع تناقضات متعددة، وقد أثرت لفترة طويلة على الاقتصاد الأمريكي مثل الأشباح. وفقا لوكالة بلومبرغ الإخبارية، أظهرت دراسة أجرتها ماري دالي رئيسة البنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكوأن عدم المساواة بين الأعراق والجنسين داخل المجتمع الأمريكي قد أدت إلى زيادة الخسائر الاقتصادية في الولايات المتحدة، حيث وصلت الخسائر إلى 2.6 تريليون دولار أمريكي في عام 2019. ووفقا لتقديرات الباحثين بلغ إجمالي تكلفة عدم المساواة بين الجنسين 70.8 تريليون دولار أمريكي على مدار الثلاثين عاما الماضية.
كما تسببت مؤخرا الموجة الثانية من تفشي كوفيد-19 في صدمات للاقتصاد الأمريكي. وفيما يتعلق بالتوظيف مثلا ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز وعلى الرغم من تعافي أكثر من نصف الوظائف المفقودة في الربيع الماضي البالغ عددها 22 مليونا، إلا أن زيادة الإصابات الجديدة أجبرت الشركات على إغلاق وتسريح العمال، مما أضرّمرة أخرى وبشدة بقطاعي الترفيه والفندقة، لهذا كان الانتعاش محبطا.
قالت وزارة العمل الأمريكية إنه في الأسبوع الأول من العام الجديد ارتفع عدد الأشخاص المتقدمين للحصول على إعانات البطالة الحكومية للمرة الأولى مرة أخرى ليصل عددهم إلى 1.15 مليون شخص، وهي المرة الأولى منذ يوليو من العام الماضي التي يتجاوز فيها هذا الرقم مليون طلب. في يناير 2021، بلغ متوسط عدد الطلبات الجديدة لمساعدة البطالة في الولايات المتحدة في غضون أسبوع واحد 848 ألف و250 طلب. وقبل تفشي كوفيد-19 كان إجمالي عدد الطلبات في الأسبوع الواحد يقدر عادةبحوالي 200 ألف.
لقد أدى تفشي كوفيد-19 إلى انهيار الصناعات القائمة على التواصلبين الناس، وتتحمل صناعة الخدمات العبء الأكبر من الركود، كما أن تأثير الفيروس على ذوي الدخل المنخفض شديد للغاية. وسيؤدي الضعف المستمر في سوق العمل إلى ما يسمى بالانتعاش على شكل حرف K، أي أن أداء العمال ذوي الدخل المرتفع جيد بينما يكون أداء ذوي الدخل المنخفض في وضع سيء.
من أجل التخفيف من تضرر المجتمع الأمريكي من كوفيد-19 أعلن الرئيس بايدن في 14 يناير عن "خطة الإنقاذ الأمريكية" بقيمة 1.9 تريليون دولار، بهدف ضخ عملية إسعاف للاقتصاد والمجتمع الأمريكي.
تغطي الخطة بشكل أساسي ثلاثة جوانب: حيث سيتم استخدام أكثر من 400 مليار دولار أمريكي لمكافحة الفيروس وتعزيز إنتاج اللقاحات وتوزيعها وإعادة فتح المدارس في غضون 100 يوم. وسيتم استخدام حوالي 440 مليار دولار أمريكي لمساعدة المجمعات السكنية والشركات الأمريكية، بما في ذلك حكومات الولايات والحكومات المحلية وتقديم 350 مليار دولار أمريكي لتعويض النقص في الميزانية ؛ وسيتم استخدام ما تبقى من تريليون دولار أمريكي للمساعدة المباشرة للعائلات الأمريكية بما في ذلك المنح المباشرة التي تقدر بـ 1400 دولار أمريكي لمعظم الأمريكيين. لكن بمجرد الإعلان عن هذه الخطة فقد واجهت شكوكا من جميع الجهات. إذ يعتقد بعد النواب بأن هذه الخطة مكلفة للغاية و "غير مستهدفة" و "غير واضحة بما فيه الكفاية".
نشرت "بيزنس ووتش" الأمريكية مقالا أشار إلى إحدى الظواهر وهي أنه منذ التسعينيات كلما تولى الحزب الجمهوري السلطة يصيب الاقتصاد الأمريكي حالة من الركود ثم يأتي الحزب الديمقراطي للسلطة ليقوم بعملية الإنعاش مجددا. على الرغم من أن هذا الاستنتاج عرضي لا محالة إلا أن ظاهرة الافتراء المتبادل بين السياسيين والنفقات الضخمة على الحملات الإنتخابية وضعف استمرارية السياسات الاقتصادية الناجمة عن النظام السياسي الأمريكي هي ظاهرة حقيقية.
من السهل هدم أي منزل لكن من الصعب إعادة إعماره، فهل تستطيع "خطة الإنقاذ الأمريكية" البالغة 1.9 تريليون دولار إنقاذ الاقتصاد الأمريكي؟ أما الذين فقدوا وظائفهم ودخلهم جراء هذا الركود الاقتصادي فإلى من يلتجئون لإيجاد تفسير مقنع عن تردي أحوالهم؟