إن ظاهرة الظلم العنصري في الولايات المتحدة لافتة للنظر للغاية، وأثارت الكثير من الانتقادات في الولايات المتحدة وخارجها في السنوات الأخيرة. وقد دعى جو بايدن بعد توليه منصب الرئاسة الامريكية بداية السنة الحالية، لجعل تعزيز المساواة العرقية إحدى الأولويات الأربع في ولايته ودعا إلى الوحدة ومعالجة القضية. ويعتقد مقل نشرته مجلة " تايم " في الولايات المتحدة مؤخرا، أن بايدن يواجه "تفكيرًا وطنيًا في العدالة العرقية".
في الواقع، لطالما كان التمييز العنصري موجودًا ومنهجيًا في الولايات المتحدة، ومصدر الفوضى لا ينضب، ومن الصعب القضاء على الفوضى. وإن تلك الحوادث المروعة للتمييز العنصري في الولايات المتحدة، والتي أصبحت بؤرًا دولية ساخنة، كلها مجرد غيض من فيض.
وفي الوقت الحالي، تفضح التحديات التي يفرضها كوفيد-19 الضربات "الإضافية" التي عانت منها الأقليات في الولايات المتحدة، مما يعكس الظلم المنهجي في حيازة الموارد الاقتصادية والاجتماعية للأعراق المختلفة في الولايات المتحدة. وقال الدكتور انتونى فوسى كبير أطباء الأمراض المعدية بالولايات المتحدة الأمريكية، بصراحة:" عدم المساواة بين الأعراق هو أحد الجوانب غير العادية لهذا الوباء." وحتى أن سيليا ماكسويلبو، العميد المشارك للأمريكيين الأفارقة في كلية الطب بجامعة هوارد في الولايات المتحدة، تنهدت قائلة: "انظر إلى مجموعتنا العرقي، نقص في الطعام، ونقص في المواصلات، ونقص في التعليم.... ليس لدينا كل العوامل الاجتماعية المفيدة للصحة."
إن الحقوق الصحية للأقليات في الولايات المتحدة ضعيفة بطبيعتها، وقد أصبحت أكثر بروزًا في مواجهة الوباء. ووفقًا لدراسة نشرتها مؤسسة عائلة كايزر في عام 2020، بين عامي 2010 و2018، كانت نسبة الأمريكيين الأفارقة الذين ليس لديهم تأمين طبي 1.5 ضعف نسبة الأمريكيين البيض. ونسبة الأمريكيين من أصل إسباني الذين ليس لديهم تأمين صحي أعلى بـ 2.5 مرة من نسبة الأمريكيين البيض. وقد أجبرت النفقات الطبية الباهظة عددًا كبيرًا من الأقليات العرقية على التخلي عن العلاج. كما لم ينته بعد الظلم الذي تعاني منه الأقليات العرقية بعد دخول المستشفى لإجراءات العلاج. وأصدرت الدكتورة الأمريكية من أصل أفريقي سوزان مور مؤخرًا، مقطع فيديو لها، تندد فيه بوجود عنصرية في علاج كوفيد-19، الأمر الذي أثار صدى كبيرا. وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن عددًا كبيرًا من الدراسات أظهر أن المرضى الأمريكيين من أصل أفريقي يتلقون غالبًا علاجًا أقل من المرضى البيض. كما بدأ يظهر الاختلاف في نسبة التحصين بين الأعراق عندما بدأت الولايات المتحدة في الترويج للقاح ضد كوفيد -19. وأعلنت CNN مؤخرًا أن نتائج الاستطلاع تظهر أن معدل تطعيم البيض أعلى بكثير من معدل تطعيم الأقليات في العديد من الولايات في الولايات المتحدة، كما أن معدل تطعيم البيض في بعض الولايات يزيد عن ثلاثة أضعاف معدل تطعيم الأقليات.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن الصعوبات التي تواجه الأقليات في الولايات المتحدة أكثر حدة. ووفقًا لبيانات من بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، في الفترة من فبراير إلى أبريل من العام الماضي، أفلست 41٪ من الشركات التي يديرها الأمريكيون الأفارقة، وخلال نفس الفترة، كانت نسبة الشركات التي يديرها البيض 17٪. وأفاد موقع "السياسي" الأمريكي مؤخرًا، أنه في ظل الأضرار الاقتصادية التي سببها الوباء، كانت الأقليات في الولايات المتحدة هي أول من تأثر، واتسعت فجوة الثروة بين المجموعات ذات الألوان المختلفة. ويعتقد تحليل التقرير أن الأمريكيين من أصل أفريقي يواجهون "نموذجًا موثقًا للتمييز الاقتصادي"، على سبيل المثال، من المرجح أن يتم رفض منح القروض للأمريكيين الأفارقة أكثر من البيض الذين لديهم وضع ائتماني مماثل، وحتى إذا حصلوا على قروض، فغالبًا ما يحتاجون إلى دفع فائدة أعلى. وأشار رون باسبي ، الرئيس التنفيذي لغرفة التجارة الأمريكية الأفريقية ، إلى أن الحصول على مساعدة من برنامج المساعدة المالية للحكومة الفيدرالية بالنسبة للأفارقة صعب للغاية.
تظهر نتائج عدد كبير من استطلاعات الرأي أن معظم الأمريكيين غير راضيين عن الوضع العرقي في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإنه في عملية صنع القرار السياسي، عانت العديد من تدابير الإصلاح المتعلقة بالظلم العنصري دائمًا "الإجهاض السياسي". ومن الصعب على حكومة الولايات المتحدة أن تحدث فرقاً في حل القضايا العرقية بسبب قيود الاستقطاب السياسي. وفي السنوات الأخيرة، لم يكن من الممكن الحفاظ على الحد الأدنى من الأخلاق عندما اندلعت النزاعات العرقية في الحكومة الفيدرالية. ويحرص بعض السياسيين في الولايات المتحدة على ممارسة لعبة الخطاب، وقد حولوا القضايا العرقية التي كان على المجتمع الأمريكي أن يواجهها معًا إلى أسلحة هجوم سياسي، وهو ما تسبب بالفعل في إرهاق الشعب وتراكم عدم الرضا. وأشار راشارد روبنسون ، ناشط في مجال العدالة العرقية، إلى أن ما يتعين على الولايات المتحدة الآن فعله لتغيير قضية التمييز العنصري هو "تحويل قضايا الخطاب إلى قضايا حكم." وأكد ديريك جونسون، رئيس الجمعية الأمريكية لتقديم الأشخاص الملونين(NAACP)، أن المساواة العرقية تتطلب أكثر من مجرد التعبير عن موقف شخصي، وإنما "سلسلة من النتائج الواضحة".
كلما تأخرت المساواة العرقية، وذهبت العدالة العرقية أبعد وأبعد، سيصبح الغضب العنصري أكثر حدة. وإن ما يحتاجه الرأي العام الأمريكي هو إجراءات منهجية وجذرية وأفعال حقيقية.