قال القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي كريستوفر ميلر في 15 يناير الجاري، أن عدد القوات الأمريكية المتمركزة في أفغانستان والعراق قد انخفض إلى حوالي 2500 جندي. حيث بلغ العدد الحالي للقوات الأمريكية في أفغانستان أدنى مستوى له منذ الغزو. وقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة، تسريع انسحاب قواتها من العراق وأفغانستان وسوريا والصومال. إلا أن انسحابها من العراق وأفغانستان ترك فراغا أمنيا في البلدين، وألقى بظلاله على الوضع في الشرق الأوسط.
في هذا السياق، قال وانغ جين، الاستاذ بمعهد الشرق الأوسط بجامعة شمال غرب الصين، أن الانسحاب من الشرق الأوسط، هو اتجاه طويل الأمد للولايات المتحدة، في إطار سياستها لتقليل حجم قواتها المتمركزة في أفغانستان والعراق. وهو أيضًا خيار استراتيجي ضروري للولايات المتحدة في المنطقة، لموازنة إيجابيات وسلبيات سياساتها في افغانستان والشرق الأوسط. في ذات الوقت، تتراجع ثقة الولايات المتحدة في سياسات التدخل العسكري، وتكرّس المزيد من الاهتمام على الشؤون الداخلية وقضايا الأمن القومي.
الحلفاء منزعجون من سياسة "امريكا أولا"
أثار تقليص حجم القوات الأمريكية المتمركزة في أفغانستان والعراق، مخاوف حلفاء أمريكا وأعضاء الناتو في المنطقة. حيث أشار تقرير لقناة "سي آن بي سي" في نوفمبر 2020، إلى أن الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ قد حذّر وزير الدفاع الامريكي كريستوفر ميلر، حينما قرر تقليص حجم قوات بلاده في افغانستان والعراق، من جميع أعضاء الناتو لا يرغبون في بقاء قواتهم أكثر من الوقت الضروري، بعد ما يقرب من 20 عاما من العمل في افغانستان. لكنه نبه إلى أن الانسحاب المبكر أو غير المنسق سيكلّف الناتو ثمنا باهظا. حيث قد تصبح أفغانستان مرة أخرى "محطة انطلاق للهجمات الارهابية على الغرب"، كما من المرجح أن تستغل المنظمات الارهابية الفراغ الأمني في أفغانستان، لتطوير قدراتها، وتوجيه هجمات ضد دول الناتو.
ويعتقد وانغ جين، أن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان والعراق، يمس بشكل غير مباشر علاقات متعددة بين الولايات المتحدة ودول المنطقة وحلفاء الناتو. كما يرى بأن الحكومة الأفغانية غير مستعدة لسحب القوات الأمريكية، كما تأمل بعض الفصائل السياسية في العراق أيضًا بقاء القوات الأمريكية. وتفضل بعض دول المنطقة مثل السعودية وإسرائيل بقاء الجيش الأمريكي، لأن تواجد القوات الأمريكية يعلب دورًا استراتيجيًا معينًا في كل من أفغانستان والعراق، يحظى بقبول ودعم بعض دول المنطقة. إذ يأمل حلفاء أمريكا الاقليميين وأعضاء الناتو أن تستمر الولايات المتحدة في تحمل مسؤولية الحفاظ على التوازن السياسي الإقليمي بالمنطقة.
وأشارت صحيفة نيويورك تايمز في موقعها الالكتروني، إلى أن الانسحاب من النزاعات الخارجية، كان دائمًا يمثل أحد المكوّنات الرئيسية لسياسة "أمريكا أولا". ورأى وانغ جين أن الحرب في العراق وأفغانستان قد استنزفت الكثير من القدرات الأمريكية، لكنها فشلت في كبح التطرف والارهاب. ولذلك، بات الانسحاب العسكري هدفا استراتيجيا في المرحلة الحالية.
الانسحاب التام على المدى الطويل
قالت صحيفة بلومبيرغ على موقعها على الانترنت، أن الانسحاب السريع للقوات الأمريكية قد يخدم قوى التطرف في أفغانستان والعراق. وبحسب وكالة رويترز، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية مارك ميلي إن القوات الأمريكية المتبقية في افغانستان ستشرف على مهمتين أساسيتين: مساعدة قوات الأمن الأفغانية ومحاربة المنظمات المتطرفة.
ويُظهر تقرير إحصائي صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية لعام 2019 أن الولايات المتحدة قد أنفقت أكثر من 1.57 تريليون دولار في الحرب في أفغانستان والعراق وسوريا وأماكن أخرى، في الفترة من 11 سبتمبر 2001 إلى 30 سبتمبر 2019. وتمثل الحرب الأفغانية الحرب الأطول أمداً في تاريخ الولايات المتحدة، وقد دفعت أمريكا من أجلها ثمنا بشريا وماديا باهظا.
لكن وانغ جين يرى بأن التدخل العسكري الأمريكي قد كسر التوازن السياسي الإقليمي، ووفّر مناخا لنمو التطرف والعمليات الارهابية في العراق وافغانستان. وهو ما دفع أمريكا خلال السنوات الأخيرة، إلى توجيه ضرباتها نحو المنظمات الارهابية، الشيء الذي لعب دورا ما في كبح التطرف والارهاب في العراق وافغانستان.
ويضيف وانغ جين بأنه من منظور عسكري، وفي مواجهة المتغيرات الجيوسياسية المعقدة، فإن آلاف الجنود الأمريكيين في أفغانستان والعراق لا يمكنهم تلبية احتياجات حماية الأمن الإقليمي. كما أن تقليص التواجد العسكري في الشرق الأوسط، سيجعل القوات المتبقية في وضع أكثر خطورة على خط الجبهة.
وترى وسائل اعلام امريكية، أنه في ظل احتدام الصراع بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية، ستواجه الولايات المتحدة مشاكل جديدة. حيث من جهة، ترغب الولايات المتحدة في سحب قواتها، بينما من جهة ثانية، تأمل الحكومة الأفغانية في أن تكون الولايات المتحدة "حليفًا موثوقا" بامكانه أن يقدم لها الدعم اللازم.