أعادت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر ودول أخرى في الأيام القليلة الماضية، ووفقًا لنتائج القمة الـ 41 لمجلس التعاون الخليجي، فتح موانئها البرية والبحرية والجوية لقطر، منهية بذلك حصارها الشامل لأكثر من ثلاث سنوات. وأعلن اجتماع القمة الذي عقد منذ وقت ليس ببعيد أن السعودية، والبحرين، والإمارات العربية المتحدة، ومصر استأنفت العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع قطر، وتم حل "أزمة قطع العلاقات الدبلوماسية" الخليجية التي استمرت عدة سنوات.
أعلنت العديد من دول الخليج العربية على رأسها السعودية قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر في يونيو 2017، وفرضت عقوبات وحواجز على أساس أن قطر "تدعم الإرهاب" و "تقوض الأمن الإقليمي". ومنذ ذلك الحين، استمر الانقسام الداخلي لدول مجلس التعاون الخليجي في التزايد، مما ألحق ضرراً واضحاً بالتعاون بين دول الخليج العربية والسلام الإقليمي، وأصبح عاملاً مهماً يؤثر على الأوضاع في الشرق الأوسط.
يعتقد ليو تشانغ، باحث مساعد، معهد البلدان النامية، معهد الصين للدراسات الدولية، أنه بناء على اعتبارات مختلفة، فإن المصالحة بين السعودية والدول الأخرى وقطر هي في الواقع مسألة طبيعية. وأنه على الرغم من أن المملكة العربية السعودية مارست ضغوطًا على قطر بعدة طرق لأكثر من ثلاث سنوات، إلا أن قطر لم تنجُ من أصعب اللحظات فحسب، بل احتاجت عملية الإنقاذ إلى توثيق العلاقات بسرعة مع إيران وتركيا، الأمر الذي أضعف بشدة النفوذ الإقليمي للمملكة العربية السعودية. وفي الوقت نفسه، فإن الموقف الصارم للمملكة العربية السعودية تجاه قطر جعل عمان والكويت وهما عضوان في مجلس التعاون الخليجي يحافظان على علاقاتهما الجيدة مع إيران، متعاطفين مع قطر، وخوفًا من أن تعاملها المملكة العربية السعودية بنفس الأساليب المتشددة. والأهم من ذلك، من المرجح أن تعمل الإدارة الأمريكية الجديدة على تسهيل العلاقات مع إيران في المستقبل، والانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني من جديد، والسعي لإعادة بناء التحالف مع تركيا في إطار حلف الناتو. وهذا بطبيعة الحال يجعل المملكة العربية السعودية، التي هي على خلاف مع إيران وتركيا، متوترة. وإن حل "أزمة قطع العلاقات الدبلوماسية"، وإعادة تشكيل وحدة مجلس التعاون الخليجي، وإحياء قيادتها في المنظمة يمكن أن يزيد من أوراق المساومة السعودية مع الحكومة الأمريكية الجديدة.
ويرى ليو تشانغ، أنه من الناحية القطرية، رغم أنها صمدت أمام قمع وحصار السعودية ودول أخرى في "أزمة قطع العلاقات الدبلوماسية"، إلا أنها دفعت ثمناً باهظاً، وتأثرت تأثيرا مزدوجا من وباء كوفيد -19، وانخفاض أسعار النفط، ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد القطري بنسبة 4.3٪ في عام 2020. وإن العودة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وإعادة فتح الحدود مع المملكة العربية السعودية سيساعدها على تخفيف الضغط الخارجي، وتعزيز التعافي الاقتصادي، وتطوير علاقاتها مع إسرائيل بشكل أكثر شرعية.
كما يعتقد ليو تشانغ، أن الطريق إلى المصالحة الشاملة لدول الخليج العربي لا يزال طويلاً للغاية، ولا يزال يتعين رؤية الاتجاه المستقبلي للوضع الإقليمي، بالرغم من أن "أزمة قطع العلاقات الدبلوماسية" قد تم حلها.
كما لا تزال هناك فجوات واضحة في النظرة الجغرافية الأمنية، والسياسات الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي، والاختلافات في المواقف تجاه إيران بارزة بشكل خاص، بالرغم من أن العلاقات بين قطر والمملكة العربية السعودية ودول أخرى قد تم تخفيفها بشكل كبير. حيث تتمتع قطر، وعمان، والكويت بعلاقات جيدة مع إيران، بينما تعتبرها السعودية، والإمارات، والبحرين، أهم تهديد خارجي، وهذا الوضع الأساسي "للانقسام" لا يمكن تغييره على المدى القصير. ومن أجل نجاح هذه القمة، لم يتم طرح مرة أخرى لشروط الـ 13 نقطة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية، مثل مطالبة قطر بسحب دبلوماسييها في إيران، وإنهاء كل تعاون عسكري مع إيران، لكن هذا لا يعني أن التناقضات داخل دول مجلس التعاون الخليجي ستنتهي تلقائيا. بالإضافةإلى ذلك، فإن هذه القمة قد توسع آفاق تطبيع العلاقات بين دول الخليج العربية وإسرائيل، وستساعد بشكل موضوعي في الحد من النزاعات العربية الإسرائيلية، وتعزيز السلام الشامل في المنطقة، لكن احتمالات قيام دولة فلسطين المستقلة أكثر كآبة، أو أنها ستدفن أخطارا خفية جديدة على الاستقرار الإقليمي.
يعتقد المحللون أن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية ودول أخرى مع قطر يمكن اعتباره أيضًا "هدية اللقاء الأول" المتقدمة للرئيس الأمريكي المنتخب بايدن. حيث أن العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها العرب في الخليج قد لا تكون قريبة كما كانت في عهد ترامب بعد تولي بايدن منصبه. وفي ظل هذه الظروف، فإن تعزيز وحدة مجلس التعاون الخليجي يفضي إلى الاستجابة المشتركة لجميع الدول للتغيرات في العلاقات مع الولايات المتحدة، وسعيًا لجعل إدارة بايدن تقدم بعض "الطمأنينة الاستراتيجية" الجديدة لضمان عدم تأثر أمن البلاد بتعديل السياسات الإقليمية للولايات المتحدة، لا سيما عدم تعرض لتهديدات بسبب تغيير الولايات المتحدة سياستها تجاه إيران.
بطبيعة الحال، فإن تعزيز وحدة مجلس التعاون الخليجي سيساعد على استعادة الحيوية الاقتصادية الإقليمية، وتعزيز الحوكمة الإقليمية. وقد دعا "إعلان العلا" الذي تم تبنيه في القمة جميع الدول إلى العمل سويًا لتسريع عملية التكامل الخليجي، واستكمال بناء الاتحاد الجمركي، والسوق المشتركة لدول الخليج في أسرع وقت ممكن، والتأكيد على أنه يتعين على جميع الأطراف العمل معًا للرد على تهديد كوفيد -19. وإن حل "أزمة قطع العلاقات الدبلوماسية" هو على الأقل بداية جيدة، فهو سيساعد دول الخليج على تعزيز علاقاتها مع بعضها البعض، وسيساعد العالم الخارجي على استكشاف المزيد من فرص التعاون مع دول الخليج، والمساهمة في إحلال سلام دائم في الخليج والشرق الأوسط.