د. تمارا برّو، باحثة في الشأن الصيني
لم تكتف المرأة بتحقيق إنجازات على الأرض، بل وصل بها المطاف إلى الفضاء، حيث عملت الكثير من النساء من مختلف الجنسيات في المجال الفضائي. وكانت رائدة الفضاء السوفياتية "فالنتينا تيرشكوفا" أول امرأة صعدت إلى الفضاء وذلك في العام 1963. وشكّل هذا الحادث حافزاً لنساء أخريات حيث توالت الرحلات لرائدات الفضاء وارتفع عددهن وتركن بصمات عميقة وجليّة في هذا المجال.
والصين التي ازداد نشاطها في مجال الفضاء خلال السنوات الأخيرة، وتخطط لبناء محطة فضائية كبيرة في العام 2022، وتنوي إرسال رواد فضاء صينيين إلى القمر في العام 2030، قامت بإرسال النساء إلى الفضاء وأثبتن كفاءتهن في هذا المجال.
عندما أعلن الزعيم الصيني "ماو تسي تونغ" أن النساء يمسكن بنصف السماء، اتخذت الصين العديد من التدابير لتعزيز دور المرأة في العديد من المجالات، وكان للصينيات الكثير من الانجازات ليس على الأرض فقط، بل في الجو أيضاً.
بعد أن أطلقت الصين أول رائد إلى الفضاء في العام 2003، وافقت اللجنة العسكرية المركزية في العام 2004 على اقتراح بانضمام النساء إلى برنامج تدريب رواد الفضاء.
وفي 16 حزيران/يونيو من العام 2012 أرسلت الصين أول رائدة فضاء وتدعى "ليو يانغ" على متن بعثة شنتشو 9 مع رائدين آخرين. وأُطلقت المركبة في اليوم نفسه الذي شهد وصول الروسية "فالنتينا تيرشكوفا" إلى الفضاء. وبذلك أصبحت الصين ثالث دولة ترسل امرأة الى الفضاء بعد الاتحاد السوفياتي/روسيا والولايات المتحدة الأميركية.
ولدت "ليو يانغ" في مدينة Zhengzhou في مقاطعة Henan في العام 1978، وانضمت لسلاح جو جيش التحرير الشعبي الصيني في العام 1997، وتخرجت كطيار قبل أن تصبح نائب رئيس وحدة الطيران برتبة رائد، ولديها خبرة طيران 1680 ساعة. تم اختيارها في العام 2010 لتكون من بين المرشحين لمهمة الصين الفضائية المأهولة القادمة، وخضعت لبرامج تدريبية بدنية ونفسية ومواد أكاديمية. تم اختيارها قبل إطلاق البعثة بيوم واحد.
بقيت المركبة شنتشو 9 في الفضاء 13 يوماً وتمكنت من الالتحام مرتين بوحدة المختبر الفضائي الصيني. فقد نجحت المركبة في اتمام عملية الالتحام الفضائي اليدوي مع وحدة المختبر الفضائي تيانقونغ-1، ما يعد أول محاولة من نوعها في تاريخ الريادة الفضائية الصينية. وقبل ذلك كانت المركبة قد التحمت مع المختبر آلياً. والجدير بالذكر أن الالتحام اليدوي للجهازين كان عملية معقدة للغاية نظراً لأنهما يتحركان في الفضاء بسرعة 7.8 كيلومتر في الثانية، وعملية الالتحام مهمة جداً لإنشاء محطة فضائية .
قبل إطلاق الرحلة قالت "ليو يانغ" إنها تشعر بالفخر للسفر إلى الفضاء نيابة عن مئات الملايين من الإناث الصينيات. وأضافت أن للرجال والنساء مزايا وقدرات خاصة بهم في تنفيذ المهام الفضائية، ويمكنهم أن يكملوا بعضهم البعض ويؤدوا مهماتهم بشكل أفضل.
وقال عنها جينغ هاي بينغ قائد المهمة شنتشو 9 إنه على الرغم من أن ليو يانغ بدأت تدريبها متأخراً، إلا أنها اليوم على المستوى نفسه معنا. تجاوزت توقعاتنا ونحن فخورون بها.
وفي العام التالي أرسلت الصين "وانغ يابينغ" ثاني امرأة إلى الفضاء في بعثة شنتشو 10 في حزيران/يونيو 2013. وتمكنت المركبة الفضائية التي بقيت في الفضاء 15 يوماً من الالتحام مع المختبر الفضائي تيانقونغ-1 آلياً، كما نجحت مرة ثانية في الالتحام يدوياً معه. وقامت وانغ بإعطاء دروس تطبيقية في الفيزياء من داخل المختبر الفضائي نقلت عبر البث التلفزيوني المباشر إلى حوالي 60 مليون طالب ومعلم. وقالت وانغ "نحن جميعاً طلاب في مواجهة الكون الواسع... نتطلع إلى الانضمام إلى أصدقائنا الشباب ونتعلم ونستكشف الكون الجميل والخلاب."
لقد أثبتت كل من "ليو يانغ" و "وانغ يابينغ" كفاءتيهما وقدرتيهما على تحمل الصعاب والمشقات، لذلك انتخبتا نائبتين في المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني.
ومؤخراً اختارت الصين مجموعة ثالثة من رواد الفضاء لمحطة الفضاء الصينية القادمة ومن بينهم امرأة. كما لعبت قائدة في الفريق الفضائي الصيني تبلغ من العمر 24 عاماً دوراً بارزاً في برنامج استكشاف القمر تشانغ آه-5 الذي جلب عينات من القمر.
تحظى مشاركة المرأة الصينية في الفضاء باهتمام كبير لتحول إلى حقيقة أسطورة قديمة متوارثة تقول إن تشانغ آه وهي زوجة رامي السهام الماهر "خو إي" استطاعت قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام الوصول إلى القمر والسكن فيه، وتشانغ آه الآن هو اسم البرنامج الصيني لإرسال مسبار الى سطح القمر.
تلعب المرأة الصينية دوراً بارزاً في المجتمع الصيني، ووصلت إلى أعلى المستويات في المجالات السياسية والثقافية والاقتصاد والأعمال والعلوم ولها حضور عالمي مميز. فقد اختارت مجلة Forbes الأميركية 9 نساء صينيات ضمن قائمة أكثر 100 امرأة تأثيراً في العالم لعام 2020. كما ضمّت المجلة امرأتين صينيتين إلى قائمة أغنى عشر نساء في العالم لعام 2020، وها هي قد وصلت الى الفضاء وقدمت نموذجاً للمرأة التي اخترقت مجالات جديدة وصعبة كانت لفترة طويلة حكراً على الرجال، وشجعت الكثير من النساء الصينيات وغير الصينيات على اقتحام مجالات علمية جديدة مثل التقنيات النووية، هندسة الطيران، علوم الفيزياء الفلكية وغيرها من المجالات التي تشكل حجر الزاوية للتقدم والتطور على الصعيدين المحلي والخارجي.
تساهم المرأة الصينية في تحقيق الحلم الفضائي الصيني، والعمل على إنشاء محطة فضائية مأهولة، وأثبتت كفاءتها ونشاطها في ذلك وتطمح للمزيد. لذلك ليس حلماً أن نرى رائدة فضاء صينية تطأ قدماها سطح القمر أو تصل إلى المريخ.