القاهرة 12 نوفمبر 2020 (شينخوا) تسعى مصر جاهدة إلى تعزيز تواجدها في أفريقيا، من خلال تنفيذ مشروعات ضخمة في دول القارة، بحسب محللون سياسيون واقتصاديون مصريون.
وأشاد المحللون بهذا التوجه المصري، كونه يحافظ على الأمن القومي للبلاد ومصالحها الاقتصادية، وتوقعوا تواجدا أكبر لمصر وبمعدلات سريعة داخل القارة السمراء خلال السنوات القليلة القادمة.
وتنفذ مصر حاليا مشروعات ضخمة في أفريقيا للمرة الأولى في تاريخ العلاقات بين الجانبين، في مقدمتها سد ومحطة "جوليوس نيريرى" الكهرومائية في تنزانيا.
ويحظى هذا المشروع، الذي تفقده قبل أيام وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية المصري عاصم الجزار، باهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسي شخصيا، وتنفذه شركتان مصريتان بتكلفة 2.9 مليار دولار.
ويهدف هذا المشروع للسيطرة على فيضان نهر روفيجي من خلال إنشاء سد على النهر بسعة تخزينية نحو 34 مليار متر مكعب، ومحطة لتوليد الطاقة الكهرومائية بقدرة 2115 ميجاوات، وستكون الأكبر في تنزانيا.
وفي غانا، وقعت شركة مصر للطيران وحكومة غانا في أواخر أكتوبر الماضي على مذكرة تفاهم لتأسيس شركة طيران وطنية غانية باستثمار مصري غاني مشترك.
وفي السودان، بدأت الحكومة المصرية بالفعل تشغيل خط الربط الكهربائي مع الخرطوم، لإمدادها بـ 70 ميجاوات، على أن تزداد مستقبلا إلى 300 ميجاوات، كما يوجد بالفعل ربط كهربائي بين مصر وليبيا.
كما وقعت مصر أخيرا على وثيقة التعاون المشترك مع السودان في مجال الربط السككي، والذي سيمتد في مرحلته الأولى من مدينة أسوان المصرية حتى جنوب وادى حلفا السودانية.
وتدرس مصر، تنفيذ طريق بري يربطها بتشاد مرورا بالسودان، ليكون بوابة للتجارة بين الدول الثلاث ودول غرب أفريقيا، إلى جانب تنفيذ طريق القاهرة - السودان - كيب تاون، الذي يمر بتسع دول أفريقية.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية إن مصر تعزز وجودها في الساحة الأفريقية من خلال تنفيذ مثل هذه المشروعات.
وأضاف غباشي، في تصريح لوكالة أنباء ((شينخوا))، أن "مصر كانت قد أهملت هذا الأمر على مدار عقود، شهدت تنافس الكثير من القوى الإقليمية والدولية داخل السوق الأفريقية مثل تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا، ووسط كل هذا كان لابد على مصر أن تعود للساحة الأفريقية".
وتابع أنه "دون شك، إقامة هذه المشروعات تعكس التوجه القوي لدي مصر لزيادة التواجد داخل القارة، لأن الساحة الأفريقية بها ميزة وهى أنها ساحة خصبة تستقطب الكثير من الاستثمارات، خصوصا فى الاقتصاد والبنية التحتية، إلى جانب أن أفريقيا كتلة تسويقية لمصر على المستوى الدولي والإقليمي".
وأردف أن "التوجه المصري لزيادة التواجد فى أفريقيا توجه محمود وجيد جدا، واتصور وجود أكبر لمصر داخل القارة خلال السنوات القليلة المقبلة.. ومصر تحتاج إلى ضخ استثمارات وتوجيه رأس مال الاقتصاد المصري والشركات للعمل داخل أفريقيا والدول الأفريقية ترحب بهذا".
وأوضح أن "زيادة التواجد المصري فى أفريقيا يحافظ على الأمن القومي المصري"، مشيرا إلى أن "مصر تضررت من غيابها عن أفريقيا فى عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك".
وشاطره الرأي الخبير في الشأن الأفريقي الدكتور هاني رسلان بقوله إن "هذا المشروعات تأتى فى إطار عودة التوجه العام لمصر نحو أفريقيا".
وأوضح رسلان، وهو مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لـ ((شينخوا))، أن "مصر قررت منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي (الحكم) تنشيط دورها فى أفريقيا، باعتبارها دولة رائدة فى القارة الأفريقية ولها دور تاريخي مشهود في العمل الجماعى الأفريقي".
وأضاف أن "ما يتم الآن من مشروعات هو استكمال للمسيرة المصرية في أفريقيا، التى توقفت لبعض الوقت خلال الفترة من النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي وحتى 2014".
وتابع أن "مصر تسير حاليا فى عدة خطوط متوازية، أولا: دعم علاقاتها الثنائية مع معظم الدول الأفريقية، ومشروعاتها فى تنزانيا وغانا والكونغو وليبيا والسودان تأتى فى هذا الإطار، ثانيا: مصر تنشط بشكل كبير ومؤثر فى العمل الجماعي الأفريقي سواء فى إطار الاتحاد الأفريقي الذى كانت تترأسه في الدورة السابقة أو في مجلس السلم والأمن الأفريقي".
وزاد "كما أنها استضافت الكثير من الفعاليات وساهمت بكثير من الجهد خاصة فى المجال الاقتصادي لتحقيق التكامل الاقتصادى الأفريقي.. فضلا عن أنها تنشط أيضا فى دعم قوات حفظ السلام فى أفريقيا".
وتابع أنه "بالتأكيد، هذه المشروعات تعكس مدى اهتمام وزيادة توجه مصر للتواجد بشكل كبير فى أفريقيا خلال السنوات المقبلة".
واستطرد أنه "بالمعدل الذى نشهده، اتوقع تواجد مصرى بشكل أكبر فى أفريقيا، وواضح أن هذا التواجد يزداد بمعدلات سريعة وبمشروعات ضخمة".
وقال إن "مصر دولة أفريقية كبيرة ومهمة، ولها مصالح في القارة، لأنها جزء من أفريقيا وحوض النيل، ومن المهم زيادة التواجد المصري فيها، كما أن هناك فوائد اقتصادية لمصر جراء هذه المشروعات".
ولفت إلى أن "مصر تضررت من غيابها عن أفريقيا فى عهد مبارك، لأن ذلك شكل فرصة لبعض الدول أن تظهر وتلعب دورا إقليميا في القارة، لكن الآن هناك حضور مصري بشكل قوي في أفريقيا".
لكن الخبير الاقتصادي الدكتور وليد جاب الله كان له رأي مخالف، مشيرا إلى أن "مصر لم تغب عن أفريقيا فى أي وقت، لكن الطموحات الاقتصادية لمصر في عهد مبارك كانت أقل مما هي عليها الآن".
وقال جاب الله، وهو عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، لـ(شينخوا) إن "هناك الكثير من الإجراءات التى تقوم بها مصر للتقارب مع الدول الأفريقية، وتحاول تعزيز التعاون من خلال الكثير من المشروعات، مثل مشروعات الربط الكهربائي والسكك الحديدية، كما لديها خطة لنشر المناطق اللوجيستية فى أفريقيا لتسهيل عملية التبادل التجاري".
وأكد أن "زيادة التعاون مع الدول الأفريقية خيار استراتيجي لمصر، التي تسير بخطوات ومشروعات محددة في هذا الإطار، بعضها تم تنفيذه والبعض الآخر ننتظر تنفيذه".