بكين 21 يوليو 2020 (شينخوا) بمناسبة حلول الذكرى الـ30 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والمملكة العربية السعودية هذا العام، أشاد خبراء وأكاديميون صينيون بعلاقات الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين، قائلين إنها تمضي بخطى سريعة ارتكازا على الثقة المتبادلة والمنفعة المشتركة وإن أساس التعاون العملي بين البلدين متين ويتمتع بآفاق رحبة ويمضي نحو قطاعات جديدة تحمل إمكانات واعدة لا سيما في إطار مبادرة الحزام والطريق.
فقد قال لي شاو شيان، الخبير الصيني المخضرم في شؤون الشرق الأوسط، إن "الصين طرحت مبادرة الحزام والطريق في السنوات الأخيرة، وقوبلت المبادرة باستجابة نشطة من السعودية، ما جعل الجانبين شريكين مهمين في المبادرة واكسب التعاون بينهما معنى كبيرا".
وذكر لي أن تنمية العلاقات الصينية السعودية تحمل أهمية كبرى، مشيرا إلى أنه نظرا لكون الشرق الأوسط منطقة مهمة في العالم والسعودية دولة مؤثرة في المنطقة والصين عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي وتهتم بالاستقرار والأمن في الشرق الأوسط، فإن دفع تطوير العلاقات بين بكين والرياض يساهم في السلام والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط ويتفق مع المصالح الدولية والإقليمية.
وتابع قائلا إن حفاظ الجانبين الصيني والسعودي على علاقاتهما التعاونية أمر في غاية الأهمية للبلدين، إذ تعد الصين مستوردا كبيرا للطاقة فيما تعتبر المملكة أحد البلدان التي تمتلك احتياطيات كبرى من الطاقة في العالم.
وأكد لي أن علاقات التعاون بين الصين والسعودية شهدت تنمية عميقة مستمرة في شتى المجالات، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن "الصين تدعم السعودية في الاضطلاع بدور بناء في تحقيق الاستقرار باعتبارها دولة كبيرة في الإقليم، فيما تعبر السعودية باستمرار عن دعمها للصين".
ومن ناحية أخرى، قال لي إن التعاون الصيني السعودي في مجال مكافحة الإرهاب مهم جدا، مضيفا أن السعودية تسعى إلى مكافحة التطرّف وهذا شيء مهم لكل من الصين والعالم.
وحول جائحة فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، أشاد لي بالتبرعات التي قدمتها السعودية للصين في أسرع وقت ممكن بعد تفشي الجائحة في الصين وبتبرع الصين أيضا بمستلزمات طبية وإرسالها فرقا طبية إلى السعودية، لافتا إلى أن ذلك يبرز اهتمام كل من البلدين بالتعاون في مكافحة كوفيد-19.
وبشأن التعاون الاقتصادي الراسخ بين الصين والسعودية، تحدثت تشن مو الباحثة في معهد دراسات غرب آسيا وإفريقيا بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية قائلة إن التعاون الثنائي في المجال الاقتصادي حقق طفرة كبيرة في السنوات الأخيرة.
وألمحت في هذا الصدد إلى التنمية التي يشهدها توطيد مجتمع أمن الطاقة الصيني السعودي المشترك، وإلى أن الإصلاح الاقتصادي السعودي يعزز الاستثمارات الصينية السعودية المتبادلة في مجال الطاقة، ما يؤدي بدوره إلى إتاحة فرص جديدة لتعزيز مستوى التعاون الصيني السعودي والارتقاء به إلى آفاق أرحب.
وأضافت تشن أن الصين والسعودية نجحتا في شق طريق جديد خاص بعد التوصل إلى عدة اتفاقيات خلال زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود للصين في عام 2019 بما في ذلك تأسيس شركة هواجين أرامكو المحدودة للبتروكيماويات، وهي شركة صينية سعودية مشتركة مقرها مقاطعة لياونينغ بشمال شرق الصين.
وقالت تشن إن توسيع التعاون الاقتصادي التجاري بين البلدين يحمل آفاقا واعدة، لافتة إلى أن "رؤية 2030" السعودية تتضمن الكثير من المشروعات غير النفطية والمزيد من الخطط للصناعات الجديدة التي يمكنها الاستفادة من مميزات التكنولوجيا الصينية، الأمر الذي يتيح للتعاون العلمي بين البلدين فرصا جديدة في قطاعات الزراعة والبنى التحتية والنقل والمواصلات والاتصالات والأقمار الصناعية وغيرها.
بالنسبة إلى التعاون الاقتصادي، قال عضو مجلس الأعمال السعودي الصيني ماجد العتيبة إن التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين شهد نموا كبيرا على مر السنين، مما أدى إلى نجاح مذهل في التجارة الثنائية.
أضاف ماجد أن السعودية أصبحت أكبر مورد للنفط الخام للصين ، وهو ما لم يكن ليحدث بدون النمو الملحوظ للاقتصاد الصيني خلال هذه السنوات. تهدف مبادرة الحزام والطريق الصينية إلى تعزيز التعاون في الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية من خلال العمل المشترك بين القطاعين العام والخاص، وهذا يتماشى مع خطط الإصلاح لرؤية المملكة 2030.
كما اكتسب التعاون في المجال الثقافي بين الصين والسعودية قوة دفع كبيرة منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، إذ أشاد شيويه تشينغ قوه، البروفيسور بجامعة الدراسات الأجنبية ببكين والأمين العام لجمعية بحوث الأدب العربي في الصين، بمكانة السعودية في العالم العربي علي صعيد الثقافة، قائلا إن "السعودية دولة ذات ثقل ثقافي في العالم العربي. وبالإضافة إلى مؤلفاتها الأدبية الممتازة، فإنها تذخر أيضا بكبار المفكرين وعدد من مراكز الفكر الهامة التي تحظى بتأثير كبير".
وأضاف شيويه أن التعاون الثقافي الصيني السعودي يتجسد في عدة فعاليات من النشاطات الثقافية ومن بينها قيام أساتذة صينيين بترجمة أعمال ثقافية من اللغة العربية إلى الصينية وكذلك عرض كتب لكتاب سعوديين في معرض بكين الدولي للكتاب، لافتا إلى أن "قرار إدراج اللغة الصينية في المناهج السعودية يعبر عن الاهتمام السعودي بالتعاون الثقافي بين الصين لأن اللغة هي جسر للتواصل".
ومن جانبه، أشاد فو تشي مينغ نائب عميد كلية اللغات الأجنبية بجامعة بكين بالتعاون التعليمي بين البلدين وخاصة الدعم والمساعدات التي قدمتها السعودية للصين في مجال التعليم، قائلا إنه "في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وبفضل الدعم المالي الذي قدمته إحدى المؤسسات السعودية، تمت طباعة المواد التعليمية الخاصة بدراسة اللغة العربية في جامعة بكين. كما ساعدت السعودية حينها أيضا جامعة بكين في إنشاء معامل للغة داخل الجامعة".
وفي السنوات الأخيرة، أوفدت بعض الشركات السعودية بما فيها شركة أرامكو موظفين ممتازين إلى الصين لدراسة اللغة الصينية والتكنولوجيا الرقمية والتجارة وغيرها من التخصصات، حسبما ذكر فو.
كما تحدث فو عن فرع مكتبة الملك عبد العزيز العامة في جامعة بكين الذي تم البدء في إنشائه في مارس 2017 ثم اُفتتح في مارس 2018، قائلا إنه يُشكل جسرا ورابطة لدفع التبادلات الثقافية بين البلدين. وفي الوقت نفسه، قال رئيس مركز البحوث والتواصل المعرفي يحيى جنيد إن العلاقات السعودية الصينية شهدت إنجازات كبيرة في المجالين السياسي والاقتصادي وتوسعت الآن لتشمل القطاع الثقافي. مع قرار إدخال اللغة الصينية في المناهج السعودية ، لينتقل التعاون الثقافي الثنائي إلى مستوى أعلى.
وأكد فو مجددا على أن "دفع التعاون في مجال التعليم يلعب دورا أساسيا في ارتكاز التعاون الاقتصادي والتجاري على أرضية صلبة"، مسلطا الضوء على جهود الجانبين الصيني والسعودي في تعميق وتطوير التبادلات الثقافية بين شعبيهما.