بكين 11 مارس 2020 (شينخوا) كانت ليلة السابع من مارس ليلة خاصة جدا بالنسبة لمطار بغداد الدولي في العراق. فبعد فترة وجيزة من هبوط طائرة تابعة للخطوط الجوية العراقية، ترجل منها سبعة رجال، يرتدون سترات تجمع بين اللونين الأحمر والأبيض ويحمل كل منهم حقيبة سوداء، واستقبلهم مسؤولو الصحة المحليون بحرارة.
لقد تبين أن هؤلاء المسافرين المميزين هم مجموعة من خبراء الصحة الصينيين الذين سيمكثون في العراق لمدة شهر لمساعدة البلاد على مكافحة كوفيد-19. كما أحضروا معهم معدات طبية هائلة.
وقال وكيل وزارة الصحة العراقي جاسم الفلاحي في المطار "نحن نثمن حقا هذا الدعم المقدم من الصين حكومة وشعبا في هذا الوقت الدقيق للغاية".
فقد وصلت المعركة ضد كوفيد-19 إلى مرحلة حرجة. وقال مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس إن الفيروس أصبح له موطئ قدم في العديد من الدول، وأصبح خطر حدوث وباء "حقيقيا للغاية".
ووسط ارتفاع كبير في عدد حالات الإصابة عالميا، تعمل الصين، التي حققت تقدما ملحوظا في مكافحة الفيروس، عن كثب أيضا مع المجتمع الدولي. وقد قدم مسعاها، الذي نال اعتراف العالم على نطاق واسع، مثالا يحتذى به في كيفية بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية.
-- تشكيل حصن على الجبهة الأمامية
منذ ظهور المرض في مدينة ووهان الصينية، تخوض البلاد بأكملها معركة موحدة ضد الفيروس تحت قيادة الرئيس الصيني شي جين بينغ.
فقد تم إرسال حوالي 41600 من العاملين في المجال الطبي من جميع أنحاء البلاد إلى مقاطعة هوبي. وتم إغلاق مدينة ووهان، المدينة الأشد تضررا في هوبي، وتجديد وبناء 86 مستشفى متخصص و16 مستشفى مؤقت تستوعب أكثر من 60 ألف سرير.
وقد تم تكريس علماء صينيين لتطوير أبحاث، ومن المتوقع أن تخضع بعض اللقاحات المضادة المرض لتجارب سريرية بحلول منتصف إبريل أو حتى قبل ذلك.
وبفضل الجهود الشاملة، انخفض عدد حالات الإصابة الجديدة في الصين إلى أرقام مزدوجة يوم الجمعة للمرة الأولى منذ 20 يناير.
وقال الرئيس شي يوم الثلاثاء، خلال تفقده أعمال الوقاية من الفيروس والسيطرة عليه في مدينة ووهان، إنه قد تم كبح انتشار الفيروس بشكل أساسي، فيما أكد على ضرورة مواصلة اعتبار الوقاية من الفيروس والسيطرة عليه مهمة ذات أهمية قصوى.
وذكر تقرير صدر في أواخر فبراير عن اللجنة المشتركة بين الصين ومنظمة الصحة العالمية حول كوفيد-19 أن "الصين أطلقت ربما أكثر جهود احتواء المرض طموحا وسرعة وحزما في التاريخ".
وباعتباره قائد فريق البعثة، صرح بروس أيلوارد لصحيفة ((نيويورك تايمز)) بأنه يشعر أنه وصل إلى "قمة الجبل" وشاهد "ما هو ممكن" بعد رحلة الدراسة الميدانية التي استغرقت تسعة أيام إلى الصين.
وقال إن "جميع من تتحدث إليهم لديهم شعور بأنه تجرى تعبئتهم كما هو الحال عند خوض حرب ضد الفيروس وكذا يجرى تنظيمهم".
ومن وجهة نظر تيدروس، أدت الإجراءات الحاسمة التي اتخذتها الصين إلى الحد من انتشار الفيروس داخل البلاد وخارجها، وبالتالي وضع معيار جديد للاستجابة لأى تفشي للمرض.
وذكرت مجلة ((الإيكونوميست)) في مقال بارز أن تجربة الصين "تحتوي على ثلاثة دروس مهمة - التحدث إلى الجمهور، وإبطاء انتقال المرض، وإعداد النظم الصحية لزيادة في الطلب".
وقالت إنه نظرا لكون الصين قد أتاحت للحكومات في أنحاء العالم وقتا للاستعداد، "فعليهم أن يستفيدوا من ذلك".
-- الانفتاح والشفافية
قال الرئيس شي في أواخر فبراير خلال محادثة هاتفية مع نظيره الشيلي سيباستيان بينيرا إنه في هذه المعركة ضد تفشي الفيروس، التزمت الصين دائما برؤية مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية وتبنت موقفا من الانفتاح والشفافية والمسؤولية.
في الواقع، منذ بداية تفشي الفيروس، لم تقم الصين فقط بتقاسم معلومات هامة مثل تسلسل الجينوم الكامل للفيروس مع العالم، وإنما تقاسمت معه أيضا تجربتها في التشخيص والعلاج.
علاوة على ذلك، أنشأت أيضا آليات اتصال وثيقة على المستوى التقني مع منظمات دولية مثل منظمة الصحة العالمية والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والآسيان.
وأكد الرئيس شي في وقت سابق من هذا الشهر على أنه من الأهمية بمكان تعزيز التواصل والتبادل مع منظمة الصحة العالمية والقيام بتعاون في مجال البحث العلمي مع البلدان الأخرى، وخاصة تلك المتضررة بشدة من الفيروس.
وفي الأسبوع الماضي، عقدت السلطات الصحية الصينية مؤتمرا عبر الفيديو مع خبراء من أذربيجان وبيلاروس وجورجيا ومولدوفا وأرمينيا وتركمانستان وأمانة منظمة شانغهاي للتعاون لتبادل الخبرات مع الصين.
وأعلنت بعثة الصين لدى الاتحاد الأوروبي أن مؤتمرين عبر الفيديو حول كوفيد-19 قد عقدا بين مسؤولين وخبراء من الصين والاتحاد الأوروبي في فبراير.
وقال ماسيمو جالي، رئيس قسم الأمراض المعدية في مستشفى إل. ساكو في مدينة ميلانو الإيطالية والذي أجرى مكالمة هاتفية مع باحثين صينيين قبل عدة أيام، إن الباحثين "يبذلون قصارى جهدهم لمواجهة هذه المشكلة، وتبادل نتائج البحوث والإستراتيجيات بانفتاح تام".
وذكر فابريزيو بريغلياسكو الباحث في قسم علوم الطب الحيوي للصحة بجامعة ميلانو أن العلماء والقادة السياسيين الصينيين بذلوا جهودا لمساعدة العالم على فهم الفيروس واحتواء انتشاره.
وقالت رئيسة الحزب الشيوعي النرويجي رونا إيفنسن وسكرتير الشؤون الدولية بالحزب سفيد هاكون جاكوبسن في رسالة مشتركة إن الصين تتبادل الخبرات في مجال الوقاية من تفشي الفيروس ومكافحته مع المجتمع الدولي بأسلوب منفتح، لتقدم بذلك للعالم نموذجا يحتذى في الجهود الموحدة لمواجهة التحديات العالمية.
-- التعاون العالمي
ذكر الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون "بالعمل معا، يمكننا كتابة فصل جديد في التاريخ عن الكيفية التي ناضلنا بها دون خوف للدفاع عن البشرية وإحراز النصر".
في الواقع، مع وجود هدف مشترك يتمثل في التغلب على تفشي الفيروس ورغبة مشتركة في العمل معا لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك، أصبح التعاون بين الصين والعديد من البلدان الأخرى، كبيرة كانت أم صغيرة، نموذجا يحتذى به في الأوقات الصعبة.
عندما كافحت الصين الفيروس بشدة، تلقت تبرعات من الإمدادات التي اشتدت الحاجة إليها وكذا أصدق التمنيات القلبية من العديد من البلدان في أنحاء العالم.
وحتى الآن، أعرب قادة أكثر من 170 دولة ورؤساء أكثر من 40 منظمة إقليمية ودولية عن تعاطفهم مع الصين ودعمهم لها من خلال وسائل مختلفة.
وحتى 2 مارس، تعهدت إجمالي 62 دولة وسبع منظمات دولية بتقديم إمدادات للوقاية من الفيروس والسيطرة عليه.
تقول أبيات شعرية مكتوبة باللغة الصينية على صناديق الكمامات التي تبرع بها مكتب امتحان تقييم مستوى إتقان اللغة الصينية (أتش أس كيه) الياباني "على الرغم من أننا في أماكن مختلفة، لكننا نعيش تحت نفس السماء". ولإظهار الدعم للصين، قام تلاميذ بريطانيون بأداء أغنية اسمها "املؤا العالم بالحب". كما أُضيء برج خليفة في دولة الإمارات العربية المتحدة تضامنا مع الصين.
والآن، ترد الصين الجميل كصديق حقيقي في وقت الضيق للآخرين.
فقبل إرسال خبراء إلى العراق، أرسلت الصين بالفعل مجموعة تضم خمسة من خبراء الصحة إلى إيران. وعند وصولهم، بدأ هؤلاء الخبراء في معرفة وضع تفشي الفيروس على الأرض وتبادل الخبرات مع الجانب الإيراني وتعزيز التعاون في مجال الطب والصحة.
وقالت ماريا فان كيركوف، الرئيس الفني لبرنامج الطوارئ الصحية في منظمة الصحة العالمية، إن ذلك يقدم "مثالا ممتازا على تبادل الخبرات بين النظراء"، مضيفة أن منظمة الصحة العالمية تتطلع إلى رؤية مزيد من التفاعل المباشر من هذا القبيل.
وبالإضافة إلى ذلك، أجرت الصين أيضا تعاونا دوليا نشطا من خلال توفير مواد هناك حاجة ماسة إليها، مثل أدوات الاختبار والكمامات، لدول ومنظمات مثل إيران وباكستان واليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الإفريقي.
وقد أعلنت الصين يوم السبت قرارها التبرع بمبلغ وقدره 20 مليون دولار لمنظمة الصحة العالمية في أحدث خطوة اتخذتها لدفع التعاون العالمي في مكافحة تفشي الفيروس.
وقال نائب وزير الخارجية الصيني ما تشاو شيوي "عندما نساعد هذه الدول، فهذا يهدف إلى مساعدتها في مكافحة الفيروس، وأيضا رد الجميل الذي قدمته".
وذكر أنه "فيما يتعلق بالتعاون الدولي، ستظل الصين حاضرة".