بقلم محمد مازن
بكين 7 مارس 2020 (شينخوا) بعد اندلاع فيروس كورونا الجديد، ورغم التأخر في البداية في التعامل مع الحالات الأولى من جانب الحكومة المحلية، اتخذت الحكومة المركزية الصينية إجراءات غير مسبوقة لوقف انتشار الفيروس. أغلقت مدينة ووهان، مركز تفشي الفيروس ويبلغ عدد سكانها أكثر من 10 ملايين نسمة، وعززت الضوابط، وبنت المستشفيات، وحشدت العاملين في المجال الطبي، وشاركت المعلومات مع منظمة الصحة العالمية، وبدأت الأبحاث حول لقاح فعال.
الإجراءات التي اتخذتها الصين في الوقت المناسب للتعامل مع الفيروس، لم تحسن الآفاق داخل الصين فحسب، بل أعطت بعض الوقت لباقي العالم للرد.
لكن الجهود السريعة والمضنية التي بذلتها الحكومة لمكافحة التهديد الصحي لا تقارن بما أظهره الشعب الصيني من وحدة ومرونة وتصميم، تجربة مليئة بالعبر والدروس المستفادة، التي يمكن استلهام منها ما يمكن للحفاظ على السلامة العامة، والسيطرة على الأمراض، وتحويل "الوباء" إلى فرصة للتقدم والرقي والازدهار.
مع فيروس شديد ينتشر بسرعة ما زال الغموض يحيط أجزاء كبيرة منه إلى حد كبير، التصرف بمسؤولية هو الضمانة الأولى للنجاة بنفسك وحماية الآخرين أيضا. والثقة بالحكومة وجهازها الطبي في لحظة مثل هذه هي مفتاح تجاوز أي أزمة صحية بنجاح. لعل ذلك هو الدرس الأبزر من تجربة الصين حتى الآن، فثقة الناس في الحكومة لم تهتز حتى في أوج المرض وتوالي الثغرات، وحققت الصين تقدما كبيرا في مكافحة المرض بموقف منظم ومسؤول من قبل الشعب، وجهد الجهاز الحكومي بالعاملين الطبيين على الخطوط الأمامية.
--المسؤولية الفردية
إذا شعرت بأعراض برد قد تعتقدها عادية، فيفضل أن تعزل نفسك ذاتيا، وتتصرف بمسؤولية تجاه الآخرين من أفراد عائلتك ومجتمعك، أعراض البرد مثل الحمي والسعال لا تعني بالضرورة إصابتك بالفيروس، لكن طلبا للسلامة، تجنب الآخرين حولك قدر الإمكان، وابدأ في تناول الأدوية المتوفرة لعلاج الأعراض، واذا لم تنجح الأدوية معك، ما عليك إلا أن تذهب الى المستشفي المخصص لذلك مرتديا الكمامة. وفي الطريق، تجنب أخذ أي وسيلة نقل جماعية، أو ملامسة الآخرين، حتي تصل إلى المستشفي وتقابل الطبيب.
في المستشفى احذر ملامسة المصعد أو السلالم، ومن الأفضل أن تلبس القفاز الطبي حتى لا نتنقل العدوى في حال لو كنت مصابا بالفيروس. وخلال وجودك في المستشفى أيضا، عليك أن تتقبل عدم زيارة الأهل و الأصدقاء طوال فترة وجودك في العزل، وهم عليهم أن يتفهموا ذلك جيدا من أجل سلامة الجميع.
في تلك الفترة، لابد من تجنب التحيات التقليدية بالأحضان والقبلات، وتجنب الأسطح المعدنية قدر الإمكان. في الصين، تم رفع جهاز البصمة من كافة المؤسسات، ويتجنب الناس لمس لوحات مفاتيح المصاعد بدون قفازات أو أغطية، حتى أن البعض لجأ إلى طرق مبتكرة وغير تقليدية.
الاستخفاف بالمرض أمر خطير للغاية. في كل منزل، وجود الكمامات وترمومتر قياس الحرارة والقفاز الطبي ضروري. وبالإضافة إلى غسل اليدين باستمرار وخاصة بعد العودة الى المنزل، يفضل تجنب ملامسة أو مصافحة أفراد الأسرة قبل القيام بذلك. ويجب تعليم الأطفال كيفية ارتداء الكمامة وعدم تبادلها مغ الأفراد الاخرين كأولوية. ومن الضروري قياس درجات حرارتهم يوميا لملاحظة أي تغير قبل وبعد المدرسة. ولا غبار طبعا من الحفاظ على وجود المعقمات والكحول الطبي والمطهرات في المنزل. وتجنب الأماكن المزدحمة والفعاليات والنشاطات الجماعية أمر مفروغ منه وقت الانتشار.
--الوحدة والتعاون
وتقدم دراسة التجربة الصينية أفكارا مفيدة. ليس هذا الوقت لمقارنة النظم الاجتماعية أو الاقتصادية أو الصحية. إنه وقت التفكر في كيفية مواجهة الأزمة العالمية. إن الوباء ليس له حدود بشرية، وأن تصرفك أنت كشخص، هو أول طوبة في حائط الصد ضد هذا الفيروس، قد لا تكون طبيبا أو ممرضا أو عاملا في مستشفي، لكنك أيضا جزء من الخط الأمامي، يمكنك أن تساعده إيجابيا باتباع إجراءات السلامة الصحيحة، ويمكنك أن تهدمه بتصرف غير مسؤول.
الكل في قارب واحد، ولابد من الوحدة والتعاون. إن أحدا لن يستفيد لو انتشر الفيروس. وموقفك السليم لن يحافظ على بلدنا فقط، بل سيساعد في المكافحة العالمية للوباء. إنه أمر في مصلحتك ومصلحة الوطن ومصلحة العالم في آن واحد.
استغلال تحدي الفيروس كفرصة لإظهار الوحدة وإظهار الصبر والتضامن. هناك من يتحدث عن فوضوية السلوكيات وإن البعض غير مستعدين لمواجهة ذلك الفيروس، ولكن باظهار الصبر والتضامن والثقة الكبيرة يمكن إبهار العالم بدروس إنسانية جديدة.
يتعين استغلال المرض كفرصة لإظهار التكاتف. تكثيف التعاون بين الدول المختلفة والصين في هذا التوقيت وتبادل الخبرات بشأن الفيروس يدعم الفحص السريع والإجراءات الاحترازية وتعزيز جهود احتوائه.
وفي وجود التقنيات الحديثة، يمكن للخبراء بشكل مشترك التواصل عبر الإنترنت ومناقشة المشاكل والعلاجات المحتملة. ويمكن للجهود البحثية المشتركة أن تعزز الابتكار والإبداع وتقدم مفاهيم جديدة في مواجهة مثل هذه الوباء الآن وغيره من الأوبئة مستقبلا.
يمكن للشركات أن تتعاون وتعمل معا على تطوير تطبيقات جديدة للهواتف الذكية لجمع البيانات حول الحالة الصحية للمواطنين وتوفير الإرشادات وكيفية طلب الفحوصات. الاتجاه نحو أتمتة النظام الصحي، كما بدأت بعض الحكومات اتجاه إيجابي وفي الطريق الصحيح. ومشاركة ما يتم من إنجازات على الأرض الكترونيا من شأنه أن يشرك الجمهور في تلك المشاريع ويثير نقاشات حيوية حول النتائج الإيجابية والسلبية.
--فرص الوباء
الحياة تتغير والتكيف مع الإنجازات التكنولوجية الجديدة والرقمنة أمر ضروري. وما يهم أكثر هو الكفاءة والاستجابات السريعة والتنسيق الناجح والسلامة العامة. وفي هذا الصدد، النقاش الهادئ بشأن كل هذه الإجراءات والأفكار الضرورية وتحسين مراحل الفحوص والعلاج وغيرها، أمر في غاية الأهمية أيضا.
بقدر التحدي الذي يفرضه الفيروس هناك فرص يمكن أن تستغل بشكل مشترك. وتفرض أزمة عالمية كهذه ضرورة التحرك بسرعة في المجالات الجديدة المدفوعة بالفيروس، مثل التجارة الالكترونية عبر الهاتف المحمول. وقد أحدثت تلك التجارة فرقا كبيرا في حياة الشعب الصيني من المزارع الصغير الذي يمكنه أن يعرض ويبيع منتجاته بسهولة إلى المتاجر والشركات الكبري التي تبيع الخدمات وحتى تذاكر القطار والطيران، ناهيك عن تجارة التجزئة ذاتية التشغيل التي لا تحتاج إلى عمال، والتفاعلات الاجتماعية الافتراضية، والترفيه عبر الانترنت، والعلاج الطبي عبر الإنترنت، والتعليم عن بعد، والروبوتات الصناعية والمدن الذكية.
إن التحرك باتجاه مجالات كهذه يساعد كثيرا في تنظيم حركة الناس وخصوصا في أوقات صعبة مثل انتشار الأوبئة. وكل هذه القطاعات يمكن أن تكتسب قوة دفع قوية من إدخال تقنية الجيل الخامس في البلاد المختلفة، والتي يمكن أن تفيد أيضا في إدارة الصحة العامة مثل القيادة عن بعد وإدارة البيانات الضخمة وروبوتات الوقاية من الأوبئة وقياس الحرارة بالأشعة تحت الحمراء، وكله من أجل بناء وحماية مجتمع عالمي ذي مستقبل مشترك للبشرية جمعاء.