بكين 4 مارس 2020 (شينخوا) بينما يواصل فيروس كورونا الجديد المسبب لمرض كوفيد-19 انتشاره من دولة إلى أخرى عبر قارات العالم المختلفة، ووسط انشغال الصين ودول أخرى بمكافحة الفيروس والسيطرة عليه، استغل بعض السياسيين الانتهازيين الخوف العالمي من هذا الطارئ الصحي القاتل في أشياء ليست مهمة مثل التشهير واختلاق الأكاذيب وسوق الاتهامات دون أساس.
ومؤخرا، اتهم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الصين وإيران بالتستر على شدة الوباء، في تصريحات تهمل الحقائق. وفي نفس المسلسل، اتهم البعض الصين بعدم الشفافية في مكافحة الفيروس، ولمح البعض إلى أن فيروس كورونا الجديد هو "سلاح حيوي من صنع الإنسان" وشوه آخرون الصين بأنها "حاضنة للمرض".
وبالرغم من توقيع اتفاق المرحلة الأولى التجاري بين الصين والولايات المتحدة في منتصف يناير، والتزام الصين المتكرر بتنفيذه وسط جهود مكافحة الفيروس، أوردت تقارير أمريكية مؤخرا أن بعض المسؤولين في واشنطن يفكرون في فرض حظر على محركات وأنظمة تحكم في الطيران تستخدمها طائرة الركاب الصينية الصنع سي 919، في خطوة قد تشكل انتهاكا واضحا للاتفاق.
-- خوف وهمي
صحيح أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال فيما بعد أنه يريد مواصلة تصدير تلك المنتجات إلى الصين، إلا أن التصعيد الأخير ضد الصين في إطار فيروس كورونا الجديد لا يعكس بنظر الخبراء نهجا انتهازيا معتادا بهدف انتزاع المزيد من التنازلات من بكين في المرحلة الثانية من محادثات التجارة فحسب، بل يعكس أيضا خوفا زائفا من الدولة الأكثر سكانا في العالم، تتجاوز أصوله الحد الأيديولوجي.
وفي سياق شرحه، يقول الباحث الصيني شين جيان، مؤلف كتاب "الخوف الوهمي: العلاقات الصينية-الأمريكية" الصادر مؤخرا في لندن،" الواضح أن الاستراتيجية القديمة للتحريض على الخوف والتلاعب بالرأي العام لا تزال تجد من يتبناها على الساحة السياسية في الولايات المتحدة. كما يعلم الجميع، فإن واشنطن محاصرة حاليا من قبل صانعي السياسة الصقور. وبنظر هؤلاء تشكل الصين دائما سببا للخوف".
ويرجع الباحث الخوف لثلاثة أسباب: أولا، الخوف من انهيار الاقتصاد الصيني. فالصين اقتصاد مهم بالنسبة للعالم ككل. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الصين "مصنع العالم" أكبر شريك تجاري لأكثر من 120 دولة ومنطقة، وأكبر مساهم في النمو العالمي بعد الأزمة المالية الدولية في عام 2008. ومن المتوقع أيضا أن تصبح أكبر سوق استهلاكية في المستقبل القريب. ومن شأن انهيار الاقتصاد الصيني أن يكون كارثيا ليس فقط على البلاد نفسها، بل وأيضا على العالم بأسره.
أما السبب الثاني، فيرجع إلى الخوف من تضرر العولمة. ويخشى كثيرون الآن من أن يؤدي فيروس كورونا الجديد في هذا العالم المتشابك للغاية إلى حدوث وباء عالمي، يسبب الفوضى في مجال النقل والإنتاج الاقتصادي والحياة اليومية. ناهيك عن اضطراب سلاسل التوريد والسلع الأساسية والأسواق المالية. وإذا تقلصت البصمة الجيوسياسية لبكين نتيجة لذلك، فإن هذا سيؤدي إلى عواقب عالمية غير مرغوب فيها. ويمكن للحمائية والانعزالية والأحادية أن تقود المجتمع الدولي إلى منطقة مجهولة لكنها محفوفة بالمخاطر.
لكن السبب الثالث ويمثل الأكثر خوفا بالنسبة لبعض الخبراء الأمريكيين هي مهارة الصين المدهشة في الحراك الاجتماعي، وهي التي تجلت في بناء مستشفيين في أقل من أسبوعين وإغلاق مدينة تضم أكثر من 10 ملايين نسمة وإبقاء 1.4 مليار شخص في المنزل تحت الحجر الصحي الذاتي. فقد تجاوزت كفاءة وانضباط الصين وشعبها الإدراك الغربي الشائع وخاصة مع مهارة بلد ضخم في جعل مثل هذه المهام الجسام تبدو سهلة.
-- أسباب أخرى
وإضافة إلى ذلك، يرى ني فنغ، نائب مدير معهد الدراسات الأمريكية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إن هذه هي الممارسة المعتادة من قبل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو وغيره من المناوئين للصين منبعها التحيز الأيديولوجي.
وأوضح الخبير أن الصين واجهت مشاكل في استجابتها الأولية للفيروس، لكن لم تكن في هذا الوقت شدة الوباء واضحة. وبعد فهم الفيروس، تم تنفيذ تدابير فعالة في الوقت المناسب. وأضاف "يحتاج الناس إلى وقت لفهم مشكلة غير مألوفة، وبالتالي كان التناقض أمرا طبيعيا، لكن الهجوم على الصين كان نتيجة ضيق أفق وعقلية صفرية".
وقال الخبير أن الوضع الآن في الولايات المتحدة لا يختلف عن نظيره في الصين فى وقت إندلاع المرض. على سبيل المثال، تناقض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع تحذير سابق للمراكز الأمريكية للوقاية من الأمراض والسيطرة عليها من الانتشار "الحتمي" لـ كوفيد-19 في الولايات المتحدة، "قد لا يرغب الساسة الأمريكيون في إثارة حالة من الذعر، أو أنهم يولون الأولوية للوضع الاقتصادي الأمريكي والانتخابات الرئاسية المقبلة".
وشاطره الرأي شين تشيانغ، نائب مدير مركز الدراسات الأمريكية بجامعة فودان في شنغهاي، مضيفا أن صقور السياسة الأمريكيين يلومون النظام السياسي في أي بلد ترى الولايات المتحدة أنه منافس من أجل تضخيم الرأي العام وكسب الدعم سياسيا في الداخل والحلفاء في الخارج.
وأضاف أن العالم يرى بوضوح ما فعلته الصين منذ اندلاع الوباء حتى الآن. بشكل عام، تبنت الصين موقفا مفتوحا ومسؤولا. وإلى جانب نشر المعلومات في الوقت المناسب وتقاسمها مع منظمة الصحة العالمية والدول الأخرى من أجل إفادتها في إجراءات الوقاية، أغلقت مراكز اندلاع الفيروس مدينة ووهان، واعتمدت تدابير حجر صحي صارمة لمنع الفيروس من الانتشار خارج حدودها، مما قد يتسبب في أضرار اقتصادية قصيرة الأجل، ولكنها إجراءات أثبتت فعاليتها في احتواء الفيروس.
وتابع أن "عدم تفويت البعض للفرصة لطمس الحقائق وتشويه سمعة الصين يرجع أيضا إلى الاستراتيجية الأمريكية الخارجية لاحتواء الدول التي تعتبرها الولايات المتحدة منافسة لها".
-- تغليب صوت العقل
وفي أزمة صحية دولية هكذا، يرى الخبراء أن حملات التشهير والهجوم المتكررة لن تجبر الصين على إعطاء تنازلات بشأن القضايا الأساسية، بل من شأنها أن تضر بالتبادلات الطبيعية بين الصين والولايات المتحدة وتعرضها للخطر بشكل متزايد، ومن المصلحة المشتركة تغليب صوت العقل.
ووسط ذلك، ظهر الكثير من الأمريكيين الذين يعتقدون أن مثل هذه الأزمة الصحية العامة تشكل تهديدا يواجهه جميع البشر، ويجب على البلدان أن تتضافر لمحاربتها.
وقال ني فنغ "بالفعل الوباء يمثل تحديا لجميع البشر، ومن شأنه تسييسه أن يعوق التعاون الدولي، ويقود الولايات المتحدة نفسها إلى موقف سلبي في التعامل مع الفيروس".
وأشار شين تشيانغ إلى أن الكذب قد يخدع بعض العقول على المدى القصير. لكن على المدى البعيد، سيضر الكذب بمصداقيتهم. " انتصار الصين على كوفيد-19 سيكون أفضل سلاح لمحاربة مثل هذه الافتراءات".
لكن ما ذكره شين جيانغ في كتابه يستحق الإمعان لعلاقات صينية-أمريكية أفضل، إذ يقول إن "ما يفعله بعض السياسيين الأمريكيين عمدا من شأنه أن يزيد الفجوة بين البلدين. وفي هذه الأثناء، لا ينبغي إغفال حقيقة أنه في عالم معولم به اتصالات ومعلومات فورية متاحة على شبكة الإنترنت، فإن الخوف وسوء الفهم يرجعان إلى حد ما إلى الجهل".
ويستشهد الباحث في كتابه بما ذكره المخرج البريطاني مالكولم كلارك، الحائز على جائزة الأوسكار، قائلا "إن من يعرفون الثمن الذي دفعته الصين مقابل نجاحها، فسوف يعجبون بالصين بدلا من خوفهم منها، لأنهم سيجدون أن هذا الثمن باهظ للغاية لأن يدفعوه".
ويضيف أن العالم الجديد بحاجة إلى رؤية جديدة، فوجهة النظر الدائرة منذ قرون بشأن الصراع بين القوى العظمى وسياسات القوة لم تعد متوافقة مع العصر الجديد بعد الآن.
"ينبغي أن تظل فكرة الصراع بين الصين والغرب أو الجنوب والشمال محصورة في الكتب المدرسية التاريخية. ولتفكيك الوهم بشأن الصين وتبديد المخاوف غير المبررة حولها، تحتاج الولايات المتحدة والغرب أيضا إلى الانخراط في بعض التفكير الذاتي".