الدوحة 29 فبراير 2020 (شينخوا) وقعت الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية اليوم (السبت) في الدوحة اتفاقا تاريخيا لإحلال السلام في أفغانستان، بعد أكثر من عام من مفاوضات خلف الأبواب المغلقة استضافتها قطر.
وقع الاتفاق عن الجانب الأمريكي مبعوث الولايات المتحدة للسلام في أفغانستان زلماي خليل زاد، وعن طالبان رئيس المكتب السياسي للحركة نائب زعيم الحركة الملا عبد الغني بارادر، بحضور وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ونظيره القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وعدد من قادة طالبان وممثلي 30 دولة ومنظمة دولية.
ويمهد الاتفاق لإنهاء أطول حرب أمريكية في الخارج.
وحددت واشنطن لطالبان شروطا لنجاح الاتفاق مشددة على أنها ستراقب التزام الحركة عن كثب، فيما أكدت الحركة التزامها بتنفيذ بنوده.
وقال بومبيو خلال مراسم توقيع الاتفاق، إن بلاده وطالبان تحملا عقودا من العداء وعدم الثقة، وتعثرت المباحثات السابقة.
وتابع بومبيو "لكن هذه الجهود أصبحت حقيقة فقط عندما أرسلت طالبان إشارات بأنها مهتمة باتباع مسار السلام وبإنهاء علاقتها مع تنظيم القاعدة والمجموعات الإرهابية الأخرى وأقرت بأن النصر العسكري مستحيل".
وأضاف أن اتفاق اليوم هو اختبار حقيقي لهذه الجهود، وأن بلاده ستراقب عن كثب امتثال طالبان لالتزاماتها، وتقيم وتيرة الانسحاب الأمريكي مع خطوات الحركة، مشددا على أن الاتفاق لن يعني شيئا إذا لم يتخذ الجميع خطوات ملموسة بشأن الالتزامات المنصوص عليها والوعود التي قطعت.
وحدد بومبيو الشروط والخطوات التي على طالبان اتخاذها لجعل هذا الاتفاق ناجحا، والتي تضمنت الوفاء بوعود الحركة بقطع علاقاتها مع القاعدة والإرهابيين الآخرين، ومواصلة قتال تنظيم داعش، والاحتفاء بالارتياح العميق لكل المواطنين الأفغان نتيجة الحد من العنف الأسبوع الماضي، وتكريس أنفسهم لمواصلة هذا الخفض.
كما شملت الجلوس مع الحكومة الأفغانية والقادة السياسيين الأفغان الآخرين والمجتمع المدني، والبدء بمحادثات صعبة بشأن الخارطة السياسية لأفغانستان، مع التحلي بالصبر حتى عندما يكونون محبطين، واحترام التنوع في بلدهم وإفساح المجال أمام كل وجهات النظر، وتقبل التقدم التاريخي الذي تحقق للنساء والفتيات والبناء عليه.
ويتألف الاتفاق من أربعة أجزاء، تضم التزام الحركة بعدم استخدام التراب الأفغاني للإضرار بالولايات المتحدة وحلفائها، وانسحابا تدريجيا لكامل القوات الأجنبية من أفغانستان خلال 14 شهرا، والبدء بمفاوضات أفغانية داخلية في 10 مارس المقبل، وأن تناقش هذه المفاوضات وقف إطلاق النار الدائم والشامل ومستقبل الخارطة السياسية للبلاد.
وأكد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان الأفغانية وكبير مفاوضي الحركة شير محمد عباس ستانكزاي في تصريحات لوكالة أنباء ((شينخوا)) تصميم الحركة على الالتزام بالاتفاق.
وقال ستانكزاي عقب مراسم التوقيع، إن الحركة أعطت الأوامر لكل قواتها في أفغانستان لتنفذ الاتفاق، قبل أن يضيف "إلى الآن كل ما اتفقنا عليه مع الولايات المتحدة أو الأطراف الأخرى التزمنا به وقمنا بتنفيذه"، متهما الولايات المتحدة بأنها هي دائما من تخرق الاتفاقات.
وبخصوص بنود الاتفاق، شدد على أنه بنهاية فترة الـ 14 شهرا لن يكون هناك أي جندي أجنبي في أفغانستان، وسيغادر كل الأجانب أفغانستان باستثناء البعثات الدبلوماسية.
ولفت إلى أن المفاوضات والحوار الأفغاني الداخلي سيجمع كل الأطراف الأفغانية معا لمناقشة الخارطة السياسية للبلاد كمسألة الحكومة المستقبلية والدستور المستقبلي وكل هذه الأمور، مردفا " نحن نأمل أننا قريبا سنجلس معا وسيكون لدينا حكومة يقبلها معظم أطياف الشعب الأفغاني".
وعن المدة الزمنية التي قد يستغرقها الحوار، ذكر أنه من الصعب تحديد وقت لأن المناقشات معقدة وقد تحتاج وقتا طويلا، مستشهدا بالمفاوضات مع واشنطن والتي قال إن الحركة كانت تتوقع لها شهرين أو ثلاثة لكن الأمر استغرق عاما ونصف تقريبا، وربما يكون الحال نفسه مع الحوار الأفغاني.
لكنه تعهد بمحاولة القيام بأفضل ما يمكنهم لكي يكون لديهم نوع من الإعداد قبل انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان.
وعلى غرار ستانكزاي، أكد سفير طالبان السابق لدى باكستان عبد السلام ضعيف لـ ((شينخوا)) التزام الحركة بالاتفاق.
وقال ضعيف إن "طالبان تريد أن تجلب السلام والاستقرار لأفغانستان لأن هذا بلدهم، وأي شخص يريد لبلده السلام والاستقرار، والحرب لم يخترها الشعب الأفغاني أو طالبان هذا شيء فرض على طالبان وكانوا يدافعون عن بلدهم وعن كرامتهم وعن حقوقهم في أفغانستان".
واستطرد بشأن مسألة الالتزام "هذا السؤال يجب أن يوجه للأمريكان، نحن نشعر بالريبة من الأمريكان هل سيكونون صادقين معنا أم لا".
واعتبر ضعيف الانتهاء من التوقيع بمثابة "نصر" للحركة التي كانت عند مستوى التوقعات، على حد تعبيره، مشيرا إلى أن الآن هو الوقت الفعلي للمضي نحو الخطوة المقبلة "وهذا يعطي إشارة جيدة وأملا بشأن مستقبل أفغانستان للشعب الأفغاني بأن السلام سيحل أخيرا في بلدنا".
من جانبه رأى المبعوث الألماني إلى أفغانستان ماركوس بوتزل أن اتفاق اليوم مهم، لكنه ليس نهائيا بل خطوة أولى نحو محادثات ومفاوضات مباشرة بين طالبان والوفد الأفغاني يجب أن تبدأ في غضون عشرة أيام حسب الاتفاق، مشددا على ضرورة أن يكون الوفد شاملا لمختلف أطياف الشعب الأفغاني.
وأضاف بوتزل في تصريحات لـ ((شينخوا)) أنه "للوصول إلى هذا الهدف هناك الكثير مما يجب فعله، إنه هدف طموح والطرفان عليهما العمل معا وإظهار النية لأن يأتيا معا للجلوس على طاولة الحوار"، لكنه لم يحدد مكانا لهذا الحوار، قائلا إن الأمر متروك للأفغان ليقرروا.
وأعرب عن تفاؤله بالمستقبل، بالقول "أنا متفائل دائما عند الحديث عن أفغانستان، كما شاهدنا في الحوار الأفغاني الذي عقد العام الماضي في الدوحة، عندما يجلس الأفغان مع بعضهم يمكن للثقة أن تبنى وأن تكون هناك ديناميكية في تبادل الآراء والمطالب والآمال ومواقفهم المختلفة، ويمكنهم أن يضيقوا الفجوة فيما بينهم".
واستنادا إلى هذا، يعتقد بوتزل أنه في نقطة ما يمكن للأفغان أن يصلوا إلى اتفاق من أجل بناء مجتمع تندمج فيه طالبان، وفي الوقت نفسه لا تضيع الإنجازات التي تحققت خلال الأعوام الـ 18 أو 19 الماضية، في حفظ حقوق النساء والأقليات وحرية الصحافة وغيرها، وهي أمور شدد المبعوث على أهميتها.