"المقامات" .. فن يحكي تاريخ وعادات "الأويغور" المسلمين في شينجيانغ والحكومة تحارب لمنع اندثاره

/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/  2019:08:27.10:27

كتب – محمود سعد دياب:

على الرغم من أن فن المقامات، اشتهر به العرب منذ القرن العاشر الميلادي، عندما أنشأه الشاعر والأديب الفارسي العربي بديع الزمان الهمذاني، فإنك لو تواجدت في مدينة أوروموتشي عاصمة منطقة شينجيانغ الأويغورية ذاتية الحكم، شمال غرب الصين، ستجد معنى وطرقا أخرى تم تطويرها لفن المقامات، تتفرد به قومية الأويغور المسلمة.

يختلف فن المقامات من العرب إلى الصينيين، فعند العرب هو مجموعة حكايات يبدع القاص فيها في الوصف والحكي بما يقارب الواقع، أما في الصين فهو فن يجمع عدة فنون منها الغناء والرقص والعزف على الآلات الموسيقية التاريخية، وإذا صادفك الحظ وتوجهت إلى مسرح شينجيانغ لفن المقامات في أوروموتشي، ستجد عروضا يومية تقام في المسرح منذ مئات السنين حتى الآن، وتحكي العروض ثقافات من يعيشون في المنطقة من قوميات مختلفة، ويشارك فيها أبناء جميع القوميات التي تعيش في تلك المنطقة، أبرزهم الأويغور والهان والكازاخ والأوزبك والطاجيك والروس والقرغيز والهنود والمنغول والهوي والشيبو.

تمثال توردي ياخون الأب الروحي لفن المقامات

توردي ياخون

في حديقة المسرح يتوسط تمثال ضخم لـ"توردي ياخون"، وهو شخص يعتبره الصينيون الأب الروحي لفن المقامات، وأول من حافظ على ذلك الفن وعلمه للأجيال التي عاصرت حياته خلال الفترة من 1881 حتى 1956، وحافظ على ذلك الفن الذي تتوارثه الأجيال منذ 4000 سنة من الانقراض.

حكاية المقامات الإثني عشر

تتكون المقامات من 12 مقامًا، وهي عبارة عن موسيقى فلكولورية، تقليدية احترفها بشكل أكبر قومية الأويغور، وهو فن يجمع بين التقاليد الموسيقية الموجودة في مناطق شولة وتسيوتسي وتان، والتي تبرز خصائص فنون شينجيانغ المتمثلة في الجمع بين الغناء والرقص وعزف الموسيقى، فحينما يوجد الأويغور يكون هناك مقام معين يحترفه مجموعة من عشاق الفن، ويعتبر أبرز إنجاز ثقافي لتلك القومية.

فتاة اويغورية تؤدي فن المقامات من خلال الرقص الاستعراضي

تكريم اليونسكو

وقد احتفت منظمة العلوم والثقافة "اليونسكو" بذلك الفن واعتبرته أحد فنون التراث الإنساني، وإحدى وسائل التعرف على الثقافات القديمة لمن عاشوا على تلك الأراضي، وصنفت اليونسكو مقام شينجيانغ الأويغوري جزءا من التراث البشري غير المادي في 25 نوفمبر 2005، كما كان القمر الصناعي الصيني "المسبار تشانج آه"، والذي أطلق بنجاح لكي يدور حول القمر عام 2017، يحمل 31 أغنية من ضمنها مختارات من المقامات الاثني عشرية، باسم "أم الموسيقى اليوغورية"، حيث كانت كل مجموعة من المقامات تتكون من 3 أجزاء أبرزها "نغمة تسونج"، وهي من الأغاني العاطفية، فضلا عن مقطوعات آلاتية وموسيقى غنائية يصاحبها رقصات، ولكل منها ألحان فرعية من 20 : 30 لحنا فرعيا، ويحتاج غناء مقام كامل إلى حوالي ساعتين كاملتين، فيما تتألف مجموعة الاثني عشر مقامًا كاملًا من 360 لحنا مختلفا تحتاج إلى أكثر من 24 ساعة لعزفها بشكل كامل.

مقام توربان

المقامات الإقليمية الثلاثة الأخرى، هي مقام قومول "هامي"، ومقام ودولان، ومقام توربان وهي مميزة عن الاثني عشر مقامًا في هيكلها حيث تعد مقامات توربان جزءا مهما من فن المقامات الأويغوري في شينجيانغ، وتنتشر في بلدة لوكتشي بمحافظة شانشان ومدينة توربان ومحافظة توكسون المجاورة التابعة لمنطقة شينجيانغ الأويغورية ذاتية الحكم شمال غرب الصين، وتشمل مقامات توربان 11 جزءا، تحتاج إلى أكثر من 10 ساعات لأدائها بشكل كامل.

وحاليا، يشارك 1332 فنانا شعبيا في مقامات توربان بمدينة توربان، درة مدن طريق الحرير القديم، منهم وريث فن مقامات توربان بالدوجة الوطنية ووريثا مقامات توربان بدوجة المنطقة و26 وريثا للمدينة، ومن أجل حماية هذا الفن التقليدي، خصصت الحكومة المحلية 2.38 مليون يوان لبناء مركز مقامات توربان للأداء على مساحة 1700 متر مربع في عام 2008، لتوفير مكان للعرض والتدريب للفنانين المحليين.

حديث مع حامية تراث مقامات الأويغور

ووليا إسماعينووا .. هي فتاة من قومية الأويغور المسلمة، وتعمل في ستديو "تيان شان"، وتعبر أحد المدافعين بحماس عن بقاء فن المقامات لقومية الويغور، وقد قالت إنها أخرجت فيلما تليفزيونيا وثائقيا بعنوان "ماضي المقامات"، في عام 2009، ويحكي تاريخ فن المقامات، منذ فجر التاريخ مرورًا بإشرافه على الاندثار، حتى إدراجه ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي العالمي، وتسرد قصص ومآثر الذين قدموا مساهمات بارزة لإنقاذ هذا الفن.

فن المقامات تأثر بالثقافة الإسلامية

وفن المقامات بشكل عام يشير إلى المقامات المتنوعة المنتشرة في الأماكن المأهولة بأبناء قومية الأويغور في شينجيانغ، والثابتة من ثقافة تلك القومية المحلية القديمة، والتي تأثرت كثيرًا بالثقافة الإسلامية، والمقامات التي قدمها المسلمون والعرب القادمون إلى المنطقة عبر طريق الحرير، حيث استخدمت فيها مختلف الأساليب الموسيقية والأدبية والأوبرالية والرقص التي تعكس الحياة المميزة والأخلاق الرفيعة لأبناء قومية الأويغور المسلمة، وطموحاتهم وأفراحهم وأحزانهم في قديم الزمان.

الرقص الاستعراضي احد اركان فن المقامات

توريث المقامات شفهيًا

وتؤكد إسماعينووا أن فن المقامات جمع كل الفنون في بوتقة واحدة، وكان توريثه بين الأجيال المتعاقبة يتم بشكل شفهي فقط ما عرضه لخطر الاندثار، في العصر الحديث، حتى أخرجت هي الفيلم التليفزيوني "ماضي المقامات"، بهدف توريث ذلك الكنز الثقافي الفني القومي الثمين، مضيفة أنها دعت ورثة فن المقامات قبل تصويرها الفيلم، إلى جلسات في الاستديوهات لإقامة حلقات نقاشية، حيث تحدثوا عن أسباب دراستهم فن المقامات وحبهم له.

ويضيف تشو سيمبن، سكرتير عام مسرح شينجيانغ لفن المقامات، أن تطور أنماط الحياة في شينجيانغ، على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، والمشروعات التي دشنتها الدولة لتأهيل المقاطعة لكي تكون أحد أهم المحطات على طريق الحرير الجديد، غير من معتقدات وثقافات جيل الشباب من أهالي المقاطعة، خصوصًا مع قدوم ثقافات جديدة عبر الطريق الجديد غيرت من أنماط حياتهم، ومفاهيم الجمال والهوايات، لأبناء قومية الأويغور ما جعل توريث فن المقامات من الصعوبات، خصوصًا وأن الأساليب الثقافية والترفيهية المتنوعة تقلل من فرص الناس في الاستمتاع بفن المقامات التقليدية في هدوء والاهتمام به وأدائه.

كيف تدعم الحكومة توريث المقامات

ولفت تشو سيمبن، إلى أن حكومة الإقليم، تدعم توريث فن المقامات من خلال أنشطة كثيرة يشارك فيها الفلاحون، وتمنحهم مساعدات مالية للمشاركة في إحياء ذلك الفن، وأنشأت معهدا للفنون بشينجيانغ، ومعهد بحوث المقامات، وجامعات ومعاهد عديدة، تستهدف إعداد المؤدين والعازفين للمقامات والتي شهدت إقبالا على المشاركة فيها خصوصًا من فئة الشباب.