تدمر، سوريا 28 يونيو 2019 (شينخوا) في حافلة كبيرة ركب السوري الأربعيني خالد الرشيد، مع عائلته عائدا إلى منزله في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي وسط سوريا بعد أربعة أعوام من النزوح قضى معظمها في مخيم الركبان "سيء الصيت" الواقع جنوب شرق البلاد قرب الحدود مع الأردن.
وكان الرشيد من بين الاف اللاجئين السوريين، الذين خرجوا على دفعات في الآونة الأخيرة من مخيم الركبان من أجل العودة إلى بلداتهم ومناطقهم.
وغادر أكثر من 13500 لاجئ من مخيم الركبان في الآونة الأخيرة، حسب ما كشفت هيئتا التنسيق السورية الروسية حول عودة المهجرين السوريين في نهاية مايو الماضي.
ووفقا للأمم المتحدة، فإن المخيم الذي أنشئ في عام 2014 في المنطقة الحدودية مع الأردن من الجهة السورية، للاجئين السوريين على طول 7 كيلومترات، كان يقيم به نحو 50 ألف لاجئ سوري.
ويعيش سكان المخيم أوضاعا إنسانية صعبة.
وحملت دمشق وموسكو الولايات المتحدة مسؤولية تدهور الأوضاع الإنسانية في مخيم الركبان، ودعتا أكثر من مرة إلى إغلاقه وعودة اللاجئين إلى بلداتهم.
وفي 19 فبراير الماضي أعلنت دمشق عن فتح ممرين إنسانيين لخروج النازحين من المخيم إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية.
مخيم الركبان
ويصف الرشيد فترة حياته في مخيم الركبان بأنها كانت "كارثية وأشبه بالجحيم".
وقال الرجل، الذي خرج من المخيم قبل أسابيع، لوكالة أنباء ((شينخوا)) بدمشق "أثناء وجودنا في مخيم الركبان كنا نعاني من قلة الطعام والدواء".
وتابع، وهو يستقل الحافلة في الطريق إلى منزله في مدينة تدمر "كنا نعيش في خيمة لا تحمي من أشعة الشمس صيفا ولا من البرد القارص شتاء".
وكان الرشيد المكنى ابو ياسر، يبيع الخبز في المخيم لتوفير حياة ملائمة لعائلته، ورغم ذلك "كانت لقمة العيش مغموسة بالذل"، حسب ما قال.
ويتذكر الرشيد "بحزن وألم شديد" حياته في مخيم الركبان، ويؤكد أنه عاد للحياة من جديد عندما غادره صوب مناطق سيطرة الحكومة السورية.
وقال "عندما خرجت من مخيم الركبان ولدت من جديد، فكل الذكريات السوداء والمؤلمة دفنتها في تلك البقعة من الأرض".
ومضى قائلا إن "مخيم الركبان سيء الصيت، هو أشبه ما يكون بسجن كبير، كل شيء فيه ممنوع".
ويتهم الرشيد المسلحين الموالين للولايات المتحدة الأمريكية بأنهم يتخذون من المواطنين دروعا بشرية ويعرقلون عملية خروجهم من مخيم الركبان.
ويوضح "كان يقولون (المسلحون) إن الجيش السوري سيضع الخارجين من هنا في السجن"، مشيرا إلى "أن الناس كانت أحيانا تصدق هذا الكلام".
ويقع مخيم الركبان على مقربة من قاعدة التنف العسكرية الأمريكية، التي يستخدمها التحالف الدولي بقيادة واشنطن في عملياته بسوريا.
وفي ظل هذه الأوضاع، تنفس الرشيد الصعداء عندما ركب قبل أسابيع حافلة وتوجه نحو المعبر المخصص للخروج منه باتجاه مناطق سيطرة الحكومة السورية.
ويتوجه المهجرون السوريون الخارجون من مخيم الركبان في الغالب إلى معبر جليغم بريف حمص الشرقي قبيل نقلهم إلى مدينة حمص وسط البلاد للإقامة في مراكز إقامة مؤقتة، أو إلى مناطقهم.
وفي طريق عودته إلى منزله في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي، لم تفارق الرشيد أيضا ذكريات النزوح منه لأول مرة قبل أربع سنوات.
رحلة نزوح صعبة
بدأت "رحلة الشقاء" للرشيد وعائلته مع سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مدينة تدمر الأثرية، حسب ما يقول.
وسيطر تنظيم الدولة الإسلامية على مدينة تدمر لأول مرة في مايو من العام 2015، وذلك قبل أن يستعيدها الجيش السوري بالكامل.
وأوضح ابو ياسر "غادرت مع عائلتي مدينة تدمر باتجاه مدينة السخنة، بلدة زوجتي، لنستقر بها"، وهي تقع على بعد 70 كيلومترا شمال شرق تدمر.
ولم يمض وقت طويل قبل أن يسيطر التنظيم المتطرف أيضا على بلدة السخنة، ما اضطر عائلة الرشيد إلى الفرار باتجاه أماكن أخرى في تلك المنطقة الصحراوية في الريف الشرقي النائي من محافظة حمص.
وكان مخيم الركبان المحطة الأخيرة ونهاية المطاف لعائلة الرشيد في رحلة النزوح قبل الخروج منه مؤخرا صوب معبر جليغم عبر حافلات تابعة للحكومة السورية.
وفي نهاية الأمر، عاد الرشيد مع عشرات العائلات إلى ديارهم في تدمر.
شجرة التين
وخلال هذه الرحلة، كان أكثر ما يشغل بال خالد الرشيد، وهو خارج تدمر "شجرة التين"، التي زرعتها والدته المتوفاة قبل دخول تنظيم الدولة الإسلامية إلى المدينة الأثرية بسنوات.
كما كان الرجل "متلهفا" لرؤية منزله، حسب ما قال.
ولم تسع الفرحة الرشيد، عندما وصل ووجد هذه الشجرة "خضراء" تتوسط صحن منزله شبه المدمر.
وقال ابو ياسر الذي حطت به الحافلة في تدمر بالقرب من منزله "الحمد لله ، لقد تمكنت أخيرًا من رؤية منزلي وحالته ليست سيئة مثل الممتلكات الأخرى".
وتابع، وهو يقف قرب شجرة التين بعد مسيرة من التعب والشقاء، أنه سيغلق الثقوب في الجدران والنوافذ المكسورة بالبطانيات ليتمكن من العيش مرة أخرى في منزله.
وأضاف "أنا مستعد للعودة حتى لو أغلقت النوافذ والأبواب المكسورة بالبطانيات. ليس لدي مشكلة في ذلك. أريد فقط راحة البال".
ومضى قائلا "الآن بعد أن عدت إلى قريتي ومنزلي وأصبحت بين أصدقائي وأقاربي لن يكون هناك ضغوطات كبيرة علي مثلما كنت خارج بيتي".
وبعد جولة سريعة داخل المنزل، جلس الرشيد مع عائلته تحت "شجرة التين" يتناول طعاما أحضره معه، قائلا "هذه أول مرة منذ أربع سنوات أتناول الطعام وأنا أشعر بالراحة المطلقة".