بكين 15 مايو 2019 /تتمتع الصين والدول العربية بتاريخ طويل من التبادلات والتراث العميق. كلتاهما قدمت مساهمات كبيرة في تقدم الحضارة العالمية. وفي كلمته في مقر جامعة الدول العربية بمصر عام ٢٠١٦، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن الحضارتين الصينية والعربية تحتويان على مفاهيم ومساع مشتركة، "وكلتاهما تؤمن بقيم الوسطية والوئام والسلام والوفاء والتسامح والانضباط الذاتي."
وفي الواقع، رفعت الصين والدول العربية دائما راية الحوار الحضاري. وفي السنوات الأخيرة بذل الجانبان جهودا فعالة لتجاوز الحاجز الحضاري بالتبادل الحضاري، وتجاوز التصادم الحضاري بالاستفادة المتبادلة حضاريا، وتجاوز التفوق الحضاري بالتعايش الحضاري، ووضع نموذج حيوي للتواصل والتعلم المتبادل والتعايش بين مختلف الحضارات الإنسانية.
وبينما تواصل الصين "التوجه غربا" وتستمر الدول الغربية في "التوجه شرقا" على طول طريق الحرير، تعزز التفاهم المتبادل والاحترام المتبادل وتعمق التواصل بين الجانبين بروح مبادرة "الحزام والطريق".
وطرح الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013 مبادرة الحزام والطريق بهدف دعم التشاور والتشارك والتقاسم وتعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل الثقافي والإنساني.
وتشجع المبادرة، التي تهدف إلى ربط آسيا بأفريقيا وأوروبا بنيويا وتجاريا على طول مسارات التجارة القديمة لطريق الحرير وما وراءها، على إجراء تعاون مكثف في التعليم والتكنولوجيا والثقافة والصحة والرياضة والإعلام والسياحة. كما تسهل التبادل بين الأحزاب السياسية والمنظمات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني ومراكز الفكر والمنظمات النسائية والسلطات المحلية.
وفي إطار التعاون المشترك لبناء الحزام والطريق وقعت 17 دولة عربية اتفاقيات تعاون مع الصين حول المبادرة وأصبحت 7 دول عربية من بينها مصر والإمارات والسعودية أعضاء مؤسسين في البنك الآسيوي للاستثمار في البينية التحتية، أحد الأذرع التمويلية الكبيرة لمشاريع المبادرة.
وقد دخل التعاون الجماعي في المجال الإنساني والثقافي بين الجانبين حقبة جديدة وتحققت نتائج مثمرة وانجازات مشرقة. فبالإضافة إلى دورات عديدة عقدت لندوة العلاقات الصينية-العربية والحوار بين الحضارتين، أقيمت مهرجانات فنية عربية في الصين ومهرجانات فنية صينية في الدول العربية. وتواصلت استضافة الصين لأنشطة الفنون الشعبية الإبداعية لكبار الفنانيين العرب.
ومنذ عام ٢٠١٢، أرسلت الصين حوالي 4 ألف مجموعة من أكثر من 150 فرقة فنية لتنظيم المعارض والعروض والتراث الثقافي والأنشطة الأخرى بحسب وثيقة لمركز دراسات منتدى التعاون الصيني- العربي بشانغهاي في مايو 2018. ومنذ عام ٢٠١٦، في إطار" الاحساس بروح الصين" عقدت ورش عمل لفنانين ومسؤولي فنون عربية ومسارح لزيارة الصين وغيرها.
وشهد أيضا التعاون في مجال الإذاعة والتلفزيون والصحافة والنشر والترجمة والمراكز البحثية تطورا سريعا. ومن ثماره، باتت الدراما الصينية تبث على الشاشات العربية والأفلام العربية تترجم على نحو متزايد إلى الصينية.
كما تطورت مجالات التواصل بين الجانبين وباتت أشكال التبادل أكثر تنوعا. إذ تم عقد منتديات حول المرأة الصينية والعربية، وأطلقت اتفاقات توأمة بين مدن صينية وعربية عديدة. وتطورت التبادلات السياحية بشكل مطرد، وأصبحت ١٣ دولة عربية على الأقل مقاصد للسياح الصينيين.
وفي معرض إشارته إلى الشرق الأوسط باعتباره منطقة للتلاقي الحضاري بما يضم من حضارات عريقة وثقافات متنوعة، شدد الرئيس شي في مناسبات عدة على ضرورة الاستفادة المتبادلة بين الحضارات واتخاذ إجراءات لتعزيز الصداقة.
وفي منتدى الحزام والطريق الثاني للتعاون الدولي الذي اختتم الشهر الماضي في بكين، حددت الصين مستقبل مبادرة الحزام والطريق بأنه طريق يجمع الحضارات المختلفة، مما يعكس ثقة الصين في تعزيز التبادلات الحضارية والتفاهم المتبادل والتعايش الحضاري. ومن خلال المبادرة، يمكن للبلدان أن تفهم وتحترم وتثق في بعضها البعض
ويأتي مؤتمر الحوار بين الحضارات الآسيوية، الذي يعقد في بكين في الفترة من 15 إلى 17 مايو الجاري، كخطوة عملية في هذا الاتجاه، إذ يوفر فرصة جديدة للجانبين الصيني والعربي، بل لكل دول آسيا، للعمل سويا على تعزيز التفاهم المتبادل، وإحياء المزيد من القيم الإيجابية في الثقافات والحضارات الآسيوية المختلفة.
ويحفل المؤتمر، الذي استلهم شعاره من زهرة الفاوانيا الصينية، رمز الرفاه والثروة والازدهار في عيون الصينيين، بمشاركة آسيوية واسعة. ويتزامن معه عقد مهرجانات وأنشطة ثقافية متنوعة حول السياحة والطبخ والسينما وغيرها. ويأتي شعار المؤتمر على هيئة فاوانيا من ست بتلات في إشارة إلى التقسيمات الجغرافية الست في آسيا.
وتأخذ البتلات شكل شخصيات بشرية متكاتفة الأيادي تجسيدا للتبادلات والحوارات بين الحضارات المختلفة في آسيا، وعمل الشعوب الآسيوية سويًا لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك، بينما تعكس ألوان البتلات مختلف ألوان الأعلام الوطنية للبلدان الآسيوية وترمز إلى تلون الحضارات الآسيوية.
وعلى عبق الزهرة، يوفر المؤتمر للمشاركين فرصة للالتقاء ومناقشة كيفية تعزيز التبادلات بين الحضارات الآسيوية بما فيها العربية بشكل أفضل وصولا إلى مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية.
ورأى زياد عبيد، وهو خبير سياسي لدى جامعة الدول العربية يشارك في الحوار بين الحضارات الآسيوية إن المنتدى يحمل أهمية كبيرة للدول العربية، حيث قال "نصف الدول العربية دول آسيوية ونصفها الثاني أفريفية وبالتالي الحوار بين الدول الآسيوية حوار هام"، مضيفا أن الحوار يخدم التعاون بين الجانبين الصيني والعربي وخاصة في ضوء مبادرة الحزام والطريق.
ويفتتح الرئيس الصيني شي جين بينغ المؤتمر ويلقي كلمة رئيسية. ويشارك فيه قادة دول من آسيا ومناطق أخرى ورؤساء منظمات دولية كما ستنضم منظمات إعلامية ومجموعات ثقافية ودينية ومنظمات غير حكومية إليه.
وخلاله سيتبادل مندوبون من مختلف الدول، ليس آسيا فقط، وجهات نظرهم في موضوعات تتعلق بالحوكمة والتنمية وتقاسم الخبرات والتجارب، تركيزا على موضوع التبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات الآسيوية، وبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية.
ويهدف المؤتمر إلى المضي قدما بالإنجازات الرائعة للحضارات في آسيا والعالم، وبناء منصة للتعلم المتبادل والتنمية المتبادلة، وتعزيز ثقة الثقافة الآسيوية، وتعزيز التعاون والثقة المتبادلة في آسيا. كما يهدف إلى بناء إجماع حول تنمية آسيا وتحفيز حيوية الابتكار في آسيا وتوفير الدعم الروحي لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك لآسيا والبشرية.