دمشق 15 ابريل 2019 / يتمسك سكان بلدة معلولا الواقعة في سلسلة جبال القلمون شمال شرق العاصمة السورية دمشق، بلغتهم الأصلية الآرامية لغة السيد المسيح.
وتبعد معلولا نحو 50 كم عن دمشق، وهي ذات أغلبية مسيحية ينطلق أهلها بالآرامية الى جانب اللغة العربية.
وتحوي معلولا معالم أثرية من أديرة وكنائس وممرات صخرية، وتعد من أقدم البلدات التي ما تزال مأهولة بالسكان منذ تشييدها في الألف الأول قبل الميلاد على أيدي الآراميين.
وقبل اندلاع الأزمة في سوريا في مارس 2011، كانت معلولا ، مقصدا سياحيا للكثير من الباحثين والمستشرقين الأجانب المهتمين باللغة الآرامية.
وفي عام 2007 أنشأت الحكومة السورية معهدا لتدريس الآرامية ، وكان هناك اقبال من قبل السوريين على تعلمها وخاصة من أبناء المنطقة.
إلا أن تسارع وتيرة الأحداث ودخول المسلحين إلى معلولا، دفع الكثير من الأهالي الى الخروج منها، الأمر الذي شكل تهديدا على الآرامية لأن معظم من هاجر كان يتكلم بتلك اللغة ويحفظها كي ينقلها الى الأجيال اللاحقة.
في الوقت الراهن، يبذل سكان البلدة جهودًا كبيرة لإحياء تلك اللغة وتعليمها للجيل الشاب حيث يتم إعادة تأهيل منطقتهم بعد تحريرها من المسلحين.
وبينما كانت أعمال البناء لاتزال جارية في الميدان الرئيسي في تلك البلدة، كان هناك فصلان دراسيان في أحد الأديرة يستقبلان الأطفال لتعليمهم اللغة الآرامية.
وقالت أنطوانيت موخ، وهي من سكان معلولا وتقوم بتدريس الآرامية للأطفال، إنها ورثت اللغة من والديها وتود أن تنقلها إلى الأطفال، لكي يتعلموها وينقلوها بدورهم الى أولادهم في المستقبل.
وأوضحت أنطوانيت لوكالة أنباء ((شينخوا))، أن عملية تدريس اللغة الآرامية هي عملية "لفظية" فقط، غير مكتوبة لأنها ستكتب الكلمات الآرامية بالحروف العربية.
"نحن نعلم الأطفال اللغة لفظياً وليس في شكل مكتوب لأن هدفنا الرئيسي هو الحفاظ على هذه اللغة"، قالت أنطوانيت.
وأكدت السيدة أن الجهود تبذل في الوقت الحاضر للحفاظ على اللغة من الانقراض القريب.
والآرامية لغة قديمة جدا تعود بدايات كتابتها إلى القرن العاشر قبل الميلاد، وسادت مناطق كثيرة، بدءا من القرن الخامس قبل الميلاد بعد هزيمة المملكة "الآشورية".
وقد كتب بها سفرا "دانيال وعزرا"، ومخطوطات البحر الميت، وهي اللغة الرئيسية في التلمود، ومن المؤكد أن الآرامية هي لغة يسوع المسيح، وبها تأثرت لغات عديدة ومنها لغة الضاد.
وتعد اللغة الآرامية وثيقة الصلة بالعبرية والسريانية والفينيقية ، وقد كُتبت بخط مشتق من الأبجدية الفينيقية ، ويتم تداولها إلى الآن في ثلاث قرى واقعة في سلسلة جبال القلمون وهي معلولا، جبعدين، بخعة.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لنقل اللغة، لم يخف الناس في معلولا مخاوفهم من انقراضها لأنها أصبحت مجرد لغة دينية يتم تداولها في الطقوس الدينية في عدد من البلدان.
وفي أحد أديرة البلدة، تتلو ريتا وهبة (25 عاما) ، الصلوات بالآرامية بصوت جميل دافئ يخترق صمت القاعة في الكنيسة، ليأخذ المستمع في رحلة سفر إلى تلك الحقبة التاريخية حيث كان الناس يتحدثون ويصلون بتلك اللغة.
وقالت ريتا "في زمن الحرب، فر الكثير من الناس من المدينة خارج سوريا، وعاد عدد قليل منهم وأولئك الذين عادوا لا يتحدثون اللغة الآرامية بالكامل، ولهذا السبب هناك خوف على اللغة الآرامية".
وأعربت ريتا عن أملها في أن تتمكن الحكومة من فعل شيء لإبقاء اللغة حية، وقالت "آمل أن تتمكن الحكومة من بذل المزيد من الجهد للحفاظ على اللغة، إما من خلال تدريسها في جامعة دمشق أو في المعهد الآرامي هنا".
اما بالنسبة إلى حنان شمسة، وهي امرأة من بلدة معلولا أيضا تبيع الهدايا التذكارية بالقرب من دير مار تقلا الشهير المقام في سفح جبل في معلولا، فإن الخوف على اللغة يأتي مع زيادة اهتمام الناس باللغة العربية.
وقالت شمسة لوكالة (شينخوا) بدمشق، "ازداد الاهتمام باللغة الآرامية لأن الناس هنا أصبحوا أكثر عرضة للتحدث بالعربية لأنها اللغة الرئيسية في سوريا"، مشيرة إلى أن الجهود المبذولة للحفاظ على الآرامية إيجابية رغم ذلك.
وقال المؤرخ والمتحدث باللغة الآرامية جورج زعرور، لـ (شينخوا) ان اللغة في خطر حقيقي.
ويملك زعرور (68 عاما) مكتبة مقابل أحد الكنائس التي تعلم اللغة الآرامية.
وقال زعرور إن "اللغة الآرامية في وضع خطير لأسباب عديدة منها الحرب في سوريا والمعارك في معلولا التي أدت إلى هجرة العائلات التي كانت مخزن اللغة في هذا النقطة الجغرافية".
وأضاف "لقد أكدت مرارا أن اللغة الآرامية يجب أن تدرس في جميع المدارس الابتدائية في معلولا حتى أن الجيل القادم يمكن أن يساعد في ان يجعلها آمنة وقابلة للاستمرارية "، محذرا من أن "جيلا كاملا ذهب بفعل الازمة حاليا".
ومع ذلك، فإن عشاق هذا التراث والتاريخ، يبذلون قصارى جهدهم للحفاظ على الآرامية على قيد الحياة من خلال العديد من الناشطين الذين يعملون على إحياء بعض الامسيات الغنائية القديمة باللغة الآرامية، وليس الاقتصار فقط على الصلوات في الكنائس.
ومؤخرا، أقام حسام الدين بريمو، وهو موسيقي سوري ومؤسس أحد الجوقات، أول مهرجان غنائي باللغة الآرامية في دمشق، الامر الذي ساهم في لفت اهتمام البعض الى هذا التراث الجميل المهدد بالاختفاء.
وقال بريمو لـ(شينخوا) إنه على الرغم من المخاطر، فإن الآرامية لا تزال حية.
وتابع يقول "إن الأغنية باللغة الآرامية تلقى صدى طيبا لدى الجمهور، وستعود هذه اللغة للحياة مع الجهود التي تبذل للحفاظ عليها".