بقلم/ تشو مينغ، مدير مكتب التعاون الإقليمي ومركز غرب آسيا وشمال افريقيا بمعهد شانغهاي للدراسات الدولية
ترجمة: صحيفة الشعب اليومية اونلاين
يشهد الوضع السياسي في الجزائر والسودان بشمال افريقيا تغيرات كبيرة في الآونة الاخيرة، حيث تم تنحية الرئيسين الحاكمين السابقين عبد العزيز بوتفليقة وعمر البشير على التوالي بعد الاحتجاجات الجماهيرية المستمرة والتدخل العسكري. وما يحدث في الجزائر والسودان قد يشبه الى حد ما الاضطرابات السياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال بضع السنوات القليلة الماضية، ولكن بعيد عمَّا تصفه بعض وسائل الاعلام الغربية بالموجة الثانية من الاضطرابات في المنطقة.
إن الواقع لا سبيل إلى إنكاره هو الوجه الشبه القائم بين العوامل التي وقفت وراء الاضطرابات والتغيرات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط سابقا والجزائر والسودان اليوم، حيث ظل الزعماء في السلطة لفترة طويلة (حكم كل من رئيس الجزائر والسودان لأكثر من 20 عامًا و30 عامًا على التوالي)، كما انعكس تباطؤ النمو الاقتصادي على مستوى معيشة الفرد ورفاهيته وأدى الى تفاقم الازمة المعيشية. في الوضع السوداني، أثر استقلال جنوب السودان في عام 2011 كثيرا على السودان مما تسبب في خسارة 75 ٪ من عائداتها النفطية، ومنذ ذلك الحين، تراجعت الايرادات المالية للسودان، وانخفضت قيمة العملة، وازداد العجز التجاري بشكل كبير وارتفع معدل التضخم في السودان إلى 72 ٪ في عام 2018. ومن الناحية الجزائرية، التي لا تعاني من الصعوبات المالية التي تعاني منها السودان نتيجة التقسيم، إلا أن انخفاض أسعار النفط العالمية في السنوات الأخيرة كان له أيضًا تأثير كبير على هذه الدولة المصدرة للنفط ـــــ ـــ بلغ احتياطي النقد الأجنبي في الجزائر 179 مليار دولار في عام 2014، ولكن بحلول عام 2017، انخفض إلى نصف مستوى 2014.
ومع ذلك، حسب الوضع الحالي، لم يتم الاطاحة بالمسؤولين من ذوي المراتب العالية في البلدين. ويمكن القول إن سقوط بوتفليقة والبشير ليس نتيجة احتياجات شعوبهما فقط، بل إنما نتيجة تخلي نخبة البلدين عنهما أيضا. ولا يزال يلعب الجيش في البلدين دورًا محوريًا في تحقيق الاستقرار وحتى اتخاذ قرار بشأن الوضع السياسي في المستقبل، وعدم خروج الاحتجاجات في البلدين عن السيطرة حتى الآن، مما يمكن تشبيه هذا التطور بنموذج التطور السياسي المصري لعام 2013، وليس سوريا وتونس وليبيا.
والأهم من ذلك، من منظور التطورات المستقبلية، يرجح أن يحظى مثل هذا التحول الديمقراطي تحت حماية "السلاح" بالإذعان والدعم من القوى الأوروبية والدول المجاورة لإفريقيا وقوى الشرق الأوسط، بسبب عدم استعدادهم لمواجهة مخاطر العملية الانتقالية ذات عواقب لا يمكن التنبؤ بها وعملية لا يمكن السيطرة عليها في أول وثالث أكبر بلدان افريقيا مثل الاستعمال غير المشروع للأسلحة وأزمة اللاجئين وفقدان السيطرة على الإرهاب.
باختصار، يبدو أن المظاهرات الطويلة الأجل للشعبين لعبت دوراً في التغيير الكمي (للسلطة السياسية)، ومع ذلك، فإن ما يسمى " التغيير الجودة" هو أكثر من مجرد " تخلي" النخبة على القادة في البلدين، وليس تحديث شامل للقيادة. ويعتمد تسوية الوضع السياسي في الجزائر والسودان على لعبة أخرى للقوى السياسية المختلفة في البلاد، وفي نفس الوقت، ستلعب تدخلات القوى الخارجية دورا أيضا.