بقلم/ سالمة العبد الحي ، مصرية مقيمة بالعاصمة الصينية بكين
مراجعة وتدقيق: صحيفة الشعب اليومية أونلاين
بدأت قصتي مع الصين منذ سن الخامسة عشر عندما أحببت مشاهدة العروض الفنية للاوبرا الصيني على التلفاز ذات الأنغام الهادئة المستوحاة من الطبيعة والمتجانسة بأصوات الطيور مما كانت تعطيني الخيال الحالم كأني اسير بين الأشجار في وسط بستان ما بالقرب من البحيرة المتلألئة ألوانها البراقة مع انعكاس اشعة الشمس عليها ونسيم الرياح الهادئة. كانت تلك النغمات المنبعثة من الموسيقي الصينية تثمر الامل بداخلي الذي طالما قد حلمت به منذ الصغر بأن اسمع تلك المقطوعة الصينية بينما اتجول بين شوارع بكين التاريخية مما قد جعلني اشعر وكأني قد عبر بي الزمان الي جمال طبيعة الحياة الصينية التقليدية ..ففي كل سنة كنت احرص علي مشاهدة حفل عيد الربيع الصيني مباشرة من بكين بالرغم من اختلاف عدد الساعات بين الصين ومصر ٦ ساعات حين ذاك وكنت اتكلم مع عائلتي عن مدي حلمي الشديد لزيارة الصين وشغفي لدراسة اللغة الصينية هناك.
مضت عشر سنوات الي أن صار الحلم حقيقة وجئت إلي الصين في عام ٢٠١٥ لدراسة اللغة الصينية وتحضير لرسالة الماجستير الي الوقت الحالي عام ٢٠١٩،فقد كنت اتشوق بشدة لتمضية أول عيد ربيع صيني لي وانا في بكين مع اصدقائي الصينيون الذين افتخر بهم جدا لمساعدتهم لي وجعلي بأن اشعر بمثابة فرد منهم ،فمن خلال تمضية وقتي في الصين قد تعلمت الكثير من الاشياء التي تعد ذات قيمة في الحياة ليست فقط اللغة الصينية بل ايضاً الثقافة الطيبة التي قد اعتاد عليها الشعب الصيني ،مثلاً قد تعلمت ممارسة الرياضة كل يوم والاستيقاظ باكراً والعمل بجد و إخلاص لنيل ما قد احلم به طوال عمري، تعلمت أيضاً شرب الشاي الاخضر والمواظبة عليه كل يوم والماء الساخن مما يعطي تأثير إجابي كلياً علي الصحة العامة .
ومما قد اعجبني في الصين خاصة في اعياد الربيع هو الترابط العائلي بين بعضهم البعض وعلاقة الجد بالحفيد، فقد كان لدي المدرسة الخاصة بي لتعلم اللغة الصينية بحيرة صغيرة كنت اجلس بالقرب منها عند غروب الشمس واستمتع بمشاهدة الاطفال الصغار وهم يلعبون مع الاجداد ويتكلمون بكل براءة ومحبة ويتعلمون كل شيء حولهم بمساعدة اجدادهم في ذلك مما بعث شعور قوي داخلي وهو كم الاعجاب والتقدير للحياة الاسرية لدي الصينيون.
لذا اعتقد في المستقبل عند عودتي إلى بلادي سوف أروي كل ما قد تأثرت به خلال حياتي في الصين، فلن أنسي التكلم عن بائعة الباوتز "المعجنات الصينية" الماكثة بالقرب من الجامعة التي ادرس بها والتي كانت تخبز أفضل المعجنات التقليدية وتبتسم لي في كل مرة اسير بجانب متجرها مما كانت تعطني شعور بالسعادة والألفة كأني فرد من العائلة الصينية.
ها قد اتي عيد السنة الصينية ٢٠١٩ لسنة الخنزير وها أنا اذهب واتجول بين كل الاسوق والمراكز التجارية مع اصدقائي الصينيون لشراء الحلوى التقليدية والكعك الصيني والزينة بالشرائط الحمراء الذهبية اللامعة في كل انحاء المدينة خلال تلك الفترة من العام لعيد الربيع، ففي كل مرة اشعر بالسعادة لرؤيتي للعائلات الصينية وهم متحمسون لقضاء العطلة وشراء الهدايا والملابس الجديدة لحضور العشاء العائلي المتميز في ليلة العيد والمشاركة بالمهنئات مع الاقارب والاصدقاء المقربون.
فقد نظمت مدرستي يوما للتعرف على الثقافة الصينية وعادات عيد الربيع الصيني من المشاركة لكل الطلاب الاجانب لإعداد اطباق السنة الصينية مثل "الجياو زي" وكيفية لفة وطهيه بالطريقة الصحيحة وكيفية اكلة بالعيدان الصينية وايضا قد تعلمنا كيفية كتابة الرموز الصينية للتهنئة بالحظ السعيد علي الاوراق الحمراء بالحبر الاسود والذهبي.
أتي يوم العيد وها أنا اذهب مع اصدقائي لزيارة الحدائق العامة المغطاه بكافة شرائط الزينة الحمراء والمصابيح التقليدية ذات النور الذهبي وقد انبعث بداخلنا الشعور الدافئ بأجواء العيد والاحتفال، فقد اصطف الناس حول بائع حلوي السكر المختلف أشكاله بكافة أبراج السنة الصينية كالخنزير والفأر ...الخ. لذا قد اشترينا إحدى الحلوى المتشكلة والتي تعبر خصيصاً عن تلك السنة. ومما قد اعجبني ايضا هو عروض الرقص التقليدي على أنغام موسيقي الاوبرا الصينية والساحر الصيني متعدد الاقنعة مما قد أثار فينا الاندهاش والتعجب عند رؤيته بتغير الاقنعة بطريقة مذهلة وعجيبة عند اقترابه من إحدى صديقاتي، حقاً لم اري مثل هذا من قبل...، ثم اشترينا العديد من الاطعمة التقليدية لاحقاً وعدنا للسكن الجامعي بينما لم نكف بالتكلم عن مدي خفة يد الساحر الصيني واجواء العيد الشيقة.
لهذا اشعر وكأني محظوظة حقاً بقضاء عيد الربيع تلك السنة وانا اعيش في الصين. اتمني حقاً سنة صينية سعيدة لكل من حولي وخاصة لمعلمتي واصدقائي وعائلاتهم بتمضية سنة مليئة بالتفاؤل والمحبة والصحة الجيدة والحظ السعيد لهذا العام وكل عام على الدوام.