بكين 15 ديسمبر 2018 /محيطان، أربع قارات، 60 ألف كيلومتر، 70 ساعة وأكثر من 100 حدث ... تشهد الأرقام على رحلات الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال أقل من شهر، حيث أخذته إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا وأمريكا اللاتينية.
وهذه مجرد نظرة خاطفة على جدول الرئيس شي الدبلوماسي المزدحم لهذا العام، الذي تضمن استضافة أربعة أحداث رئيسية داخل البلاد، وإجراء زيارات خارجية متعددة، بحيث أصبحت من خلالها الرؤى الدبلوماسية للرئيس شي، والمعروفة جمعيا باسم "دبلوماسية شي"، مفهومة ومشتركة بشكل متزايد من قبل أجزاء أخرى في العالم.
-- رؤية ريادية
على هامش قمة مجموعة العشرين التي اختتمت لتوها في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، قال الرئيس شي للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إنه قد فكر طويلا في كيف يمكن للبلدان في جميع أنحاء العالم أن تعمل معا من أجل المنافع المشتركة وتحقيق الانسجام في التنوع والتعاون من أجل نتائج مربحة للجميع. وأدى ذلك إلى اقتراحه لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية ومبادرة الحزام والطريق.
من جانبه، أفاد غوتيريش أن الصين التزمت دوما بنهج متعدد الأطراف للشؤون العالمية، ودعمت التعاون الدولي في معالجة مسألة تغير المناخ وغيرها من المجالات، ولعبت دورا نموذجيا في تنفيذ اتفاق باريس، مضيفا أن الأمم المتحدة تعترف بدور الصين في الشؤون العالمية.
وكان الاجتماع الوجيز بين الرئيس شي وأمين عام الأمم المتحدة بمثابة اعتراف بالصين كمؤيد متحمس للتعاون العالمي. وعلاوة على ذلك، فقد سلط الضوء على دعوة الصين إلى إصلاح الآليات الدولية القائمة من أجل مزيد من الإنصاف والعدالة.
في مطلع عام 2017، ألقى الرئيس الصيني خطابا رئيسيا في مقر الأمم المتحدة بجنيف بعنوان "العمل معا لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية" في لحظة حرجة شهد فيها النمو العالمي توترا بسبب سياسات التعددية والحمائية.
وأكدت تصريحات شي للعالم أن الصين مستعدة للعمل مع البلدان الأخرى لوضع خطة للمستقبل، خطة تقوم على التعاون.
ونالت هذه الرؤية، التي وضعت موضع التنفيذ في مناسبات متعددة مختلفة خلال العامين الماضيين، نالت اعترافا دوليا واسعا وجاذبية كحل صيني للتعامل مع التحديات العالمية.
فمن جانبه، قال ديفيد غوسيه مؤسس المنتدى الأوروبي الصيني إن الصين تتبع مفهوم "داتونغ" أو "عالم يحظى بتناغم كبير" منذ قديم الزمان، وإن فكرة بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية هي إعادة ترجمة لـ"داتونغ" في القرن الـ21.
وأضاف غوسيه انه مع التنمية المستمرة التي تشهدها الصين، سيكون لهذه الفكرة -- المتجذرة في الحكمة الصينية -- سيكون لها بالتأكيد تأثير عميق على العالم.
-- جهود رائدة
استنادا إلى قناعة بالمستقبل المشترك، أكد شي مجددا في عدة مناسبات على تعهد الصين بتحقيق مزيد من الانفتاح. وعلى هذا الصعيد، تقطع الصين الآن أشواطا للأمام.
فمن خلال استضافتها للدورة الأولى من معرض الصين الدولي للواردات في شانغهاي في نوفمبر من هذا العام، أكدت الصين مجددا التزامها بتجارة حرة ومتوازنة، وبرهنت مرة أخرى على أن البلاد لن تغلق بابها أمام العالم.
وأشار الخبراء إلى أن الصين تظل عامل استقرار في الاقتصاد العالمي من خلال التغيرات الكبيرة التي حققتها داخل البلاد مع الاحتفال بالذكرى الأربعين لبدء تطبيقها لسياسة الإصلاح والانفتاح.
وعلى الصعيد العالمي، تقود الصين الجهود فيما يتعلق ببناء نظام متعدد الأطراف يتسم بكونه شامل ومعقول.
ومن مبادرة الحزام والطريق إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية ومن مناصرة الحوار والتشاور بشأن القضايا العالمية الملحة إلى الدعوة إلى التعاون والتكامل الإقليميين، ضخت الصين جرعة من الثقة واليقين في العالم من خلال سلسلة من المساعي العملية.
وقال إنريكي دوسيل بيترز رئيس مركز الدراسات الصينية المكسيكية في جامعة المكسيك الوطنية المستقلة في حديثه لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن الصين تقدم نماذج جديدة للنمو من خلال تعزيز اقتصاد عالمي أكثر انفتاحا وتكثيف التعاون.
وذكر دوسيل "من هو أفضل من الصين في مناصرة هذه الإجراءات"، مشيرا إلى أن الصين قامت خلال الأربعين عاما الماضية بعملية إصلاح وانفتاح "ناجحة للغاية" نالت اعترف العالم.
-- تحقيق التآزر
أصبحت الرؤى الدبلوماسية للرئيس شي مصدر إلهام للبلدان أخرى، فيما تتحمس المزيد والمزيد من الحكومات للمشاركة في المبادرات التي اقترحتها الصين وتبدى استعدادها إلى تحقيق التضافر بين خططها التنموية ونظيرتها الصينية.
فقد أكد رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان مجددا أن مبادرة الحزام والطريق ومشروعها الرائد في باكستان، وهو الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، سيكونان بمثابة فوز مشترك للمنطقة وخارجها.
ونقلت صحيفة ((ذا نيشن)) الصادرة بالإنجليزية في باكستان عنه قوله إنه يتابع الرئيس شي عن كثب كرجل دولة، وإن حكومته حريصة أيضا على التعلم من تجربة الصين في مكافحة الفقر والفساد.
وقال الرئيس البرتغالي مارسيلو ريبيلو دي سوزا في مقابلة أجرتها معه وسائل الإعلام الصينية قبل زيارة الدولة التي قام بها الرئيس شي إلى بلاده إنه يعتقد أن مبادرة الحزام والطريق ذات أهمية بالنسبة للبرتغال.
وقال ريبيلو دي سوزا: "أعتقد أننا نمكن من تحقيق التقارب في هذا الصدد"، مشيرا إلى الموقع الإستراتيجي للبرتغال كبوابة لأوروبا.
لقد تطورت مبادرة الحزام والطريق، التي اقترحتها الصين قبل خمس سنوات، لتصبح منصة لجميع الأطراف لتقاسم الفرص والسعي إلى تحقيقة التنمية المشتركة. ووقعت أكثر من 140 دولة ومنظمة دولية وثائق تعاون بشأن مبادرة الحزام والطريق مع الصين.
وقال ستيفن بيري رئيس مؤسسة "نادي مجموعة 48" البريطانية إن "معظم الاقتصاديين يدركون أنه لا يمكن أن يكون هناك نمو طويل الأجل أو حتى متوسط الأجل دون الاستثمار في البنية التحتية".
وذكر بيري أن مبادرة الحزام والطريق "تحويلية لأنها عابرة للحدود الوطنية"، مضيفا بقوله "لهذا، فإن تطوير البنية التحتية في إطارها يمكن أن يصبح أكثر شمولا فيما يتعلق بتحقيق التنمية".