بكين 20 نوفمبر 2018 / مع الإقبال منقطع النظير على تعلم اللغة الصينية في بلدان العالم العربي، تنتشر معاهد كونفوشيوس وفصول كونفوشيوس الدراسية انتشارا واسعا هناك لتقدم هذه اللغة على طبق ممتع وجميل للشغوفين إلى دراستها وتسهم في توطيد علاقات الصداقة بين الصين والمنطقة العربية اللتين تذخران بمخزون حضاري وافر.
تعتبر معاهد كونفوشيوس منصة مهمة لمعرفة الصين وكذا نافذة للتبادل الثقافي بين الصين والبلدان الأخرى. وقد فُتح الباب أمام تكثيف التبادلات الثقافية بين الصين والعالم العربي بعدما تكللت الجهود في عام 2007 بافتتاح أول معاهد كونفوشيوس في لبنان. وحتي يومنا هذا، أنشأت الصين 12 من معاهد كونفوشيوس و4 من فصول كونفوشيوس الدراسية في تسع دول عربية، وقدمت دورات تدريب أكاديمية لـ70 ألف طالب، فيما شارك 13336 طالبا في اختبار إجادة اللغة الصينية المعروف باسم (HSK).
وقالت الطالبة حسناء ناوي (19 عاما) من جامعة محمد الخامس بالرباط لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه قد طلب منها عند بداية دراستها الجامعية أن تختار دراسة لغة أجنبية ثانية، وترددت في الاختيار ولكن أختها ووالدتها أوصتاها بتعلم اللغة الصينية وبتشجيع منهما بدأت في تعلمها، لتجد نفسها أمام آفاق واعدة ولاسيما في ظل التقارب المتزايد بين المغرب والصين.
"مع مرور الوقت، بدأت أحب هذه اللغة أكثر فأكثر، وازداد إعجابي بعراقة الثقافة الصينية. أشعر أن حياتي تغيرت كثيرا بعد تعلم الصينية"، هكذا أكدت حسناء بكل ثقة. وأوضحت أن فرحتها كانت غامرة بمشاركتها في مخيم صيفي بالصين نظمه معهد كونفوشيوس عام 2017، قائلة "كنت متحمسة جدا للتعرف عن قرب على التقاليد الصينية".
كما ترسل الحكومة الصينية العديد من المدرسين والموظفين والمتطوعين إلى الدول العربية، حيث أقام وعمل معظمهم في الشرق الأوسط لعدة سنوات. ويسهم هؤلاء الذين يلقبون بناشري الحضارة الصينية في تغيير انطباع العرب عن الصين تدريجيا، وهو انطباع ناتج عن الافتقار إلى التواصل والتبادل المكثف بينهما فيما مضي. فإن آفة التمييز والتكبر من أي جانب تأتي نتاجا لعدم التعامل وسوء الفهم؛ وها هو معهد كونفوشيوس يعمل الآن على بناء جسر بين الجانبين ليقضى على هذه الآفة.
وتتذكر رئيسة معهد كونفوشيوس بجامعة قناة السويس تشو يان تينغ أنه في بداية إقامتها بمصر وعندما كانت تخرج لتتمشي في الشوارع، كان المصريون يلقون عليها التحية باللغة اليابانية قائلين "كو ني تشي واي"، أما الآن، فغالبيتهم يحيونها هي وزملاءها باللغة الصينية قائلين "ني هاو". وقالت إن الكثيرين في مصر باتوا يسألونها عن كيفية إرسال أبنائهم إلى الصين لمواصلة دراستهم فيها.
وفي السنوات الأخيرة، أخذت الشركات الصينية تضخ مزيدا من الاستثمارات في الدول العربية وتفتح فروع لها هناك، وهذا جذب بدوره المزيد من العرب لدراسة اللغة الصينية وارتفعت مكانة هذه اللغة في المنطقة. ولعب معهد كونفوشيوس دورا في إعداد أشخاص أكفاء ليعملوا في الشركات الصينية العاملة في البلدان العربية، ما قدم بشكل جزئي مساهمة في حل مشكلة البطالة.
ومع هبوب نسمات دراسة اللغة الصينية في العالم العربي، صار المزيد من الطلاب العرب يرغبون في زيارة الصين أو الدراسة فيها. فمعهد كونفوشيوس ليس مجرد مدرسة لتعليم اللغة والتعريف بالثقافة التقليدية الصينية، وإنما يعمل أيضا كجسر يربط الجانبين ببعضهما البعض، من خلال تقديم المعرفة عن الصين اليوم وبما يهتم الصينيون وكيف يفكرون، وأيضا من خلال تسهيل حياة الأجانب في الصين ودمجهم فيها من خلال الاختلاط مع الصينيين.
فعلي سبيل المثال، تقول فاطمة الطيار المبعوثة من مصر إلى الصين لدراسة ماجستير تعليم اللغة الصينية للأجانب والتي كانت طالبة ممتازة في معهد كونفوشيوس بجامعة القاهرة، تقول إن حياتها الجديدة في الصين تعجبها كثيرا رغم أنها وصلت إلى الصين من ثلاثة أشهر فقط، بل وتعودت عليها، فصارت تدفع بالهاتف المحمول وتركب الدراجة التشاركية وتشتري البضائع من على الإنترنت. وفي وقت الفراغ، تقرأ الكتب الصينية السائدة، وتأكل الأطعمة الصينية مثل القدر الساخن والمعجنات الصينية المطهوة على البخار مع زملاءها وأصدقاءها الصينيين.
وأشارت فاطمة إلى أن أساتذتها في معهد كونفوشيوس أطلعوها على معظم الأشياء الضرورية والمفيدة عن الصين وعاداتها، إضافة إلى ما حصلت عليه من مساعدة من زملائها الصينيين المتحمسين. وبهذا لم تجد صورة الصين مختلفة كثيرا عما رسمته لها في مخيلتها قبل المجئ.
ومع طرح الصين لمبادرة الحزام والطريق، تتزايد يوما بعد يوم أعداد الصينيين الذين يسافرون إلى الدولة المشاركة في المبادرة، وهو ما يكثف التبادلات بين الصين والبلدان الأجنبية ويعمق التفاهم بين شعوبها. وفي هذا الإطار يتطلع العرب إلى دراسة اللغة الصينية والاستفادة من تجربة الصين في التنمية، وفي المقابل تسعي الصين إلى زيادة درجة الانفتاح وبناء مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية، وترحب بالتعاون مع الدول النامية.
لقد شهدت مسيرة انتشار معاهد كونفوشيوس في الشرق الأوسط تطورا كبيرا وتلعب دورا في تعليم اللغة الصينية ونشر ثقافة الصين هناك، ومع اتساع مجالات التعاون بين الجانبين بشكل مستمر، سيختار المزيد والمزيد من الأصدقاء العرب تعلم الصينية وسيسهمون في تعزيز التبادلات والفهم والصداقة بين الشعبين الصيني والعربي.